من القراءة الناقدة إلى الكتابة النقدية
تعتمد الكتابة النقدية على القراءة الناقدة أو النقدية. معظم البحوث والأوراق البحثية المكتوبة تتضمن انعكاسات للنصوص المكتوبة حول الفكر والأبحاث التي تم انجازها بالفعل في الموضوع المعني. ولكي يتمكن المرء من كتابة تحليله الخاص حول ذلك الموضوع، فسيحتاج إلى القيام بقراءة نقدية متأنية للمصادر حتى يستخدمها نقديا في بناء حججه الخاصة بأبحاثه وكتاباته. الأحكام والتفسيرات التي يكونها القارئ من النصوص التي يقرأها تمثل الخطوات الأولى نحو صياغة نهجه الخاص به.
ما هي القراءة النقدية؟
القراء النقدية هي ذلك الأسلوب الذي يقوم فيه القارئ بتحليل مكونات النص و اختباره حتى يصل إلى الفهم الكلي له. وتنطوي القراءة النقدية على تكوين أحكام حول جدلية النص. تتطلب هذه المهارة الانعكاسية من المرء الوقوف على مسافة من النص الذي يقرأه. قد يكون على القارئ قراءة النص بالكامل مرة واحدة ليفهم محتواه الأساسي قبل أن يبدأ عملية القراءة النقدية المكثفة. وقد يكون مفتاح كل ذلك هو ما يلي:
· إقرأ من أجل البحث عن طرق التفكير في / حول الموضوع
أثناء القراءة، وتسليط الضوء، أو أخذ الملاحظات، تجنب استخراج وتجميع قوائم للأدلة، أو قوائم بالحقائق والأمثلة. تجنب الاقتراب من النص وأنت تتساءل يا ترى “ما هي المعلومات التي يمكنني الحصول عليها من هذا النص؟” ولكن اسأل بدلا من ذلك عن كيفية عمل النص؟ وجدلياته؟ وكيف تم استخدام الأدلة (الحقائق، والأمثلة، الخ) وتفسيرها؟ وكيف يصل النص إلى استنتاجاته؟
كيف أقرأ من أجل البحث عن طرق التفكير؟
1. أولا يجب تحديد الادعاءات الرئيسية في النص أو الغرض منه (أطروحته). سيحاول المرء عند قراءته النقدية للنص تقييم كيفية تطوير هذه الادعاءات أو الجدليات الرئيسية.
2. البدء في إجراء بعض الأحكام عن السياق. ما هو نوع جمهور القراء الذي تمت كتابة النص لهم؟ مع من يتحاور النص؟ (من المحتمل أن يكون هؤلاء علماء أو مؤلفين آخرين لديهم وجهات نظر مختلفة.) في أي سياق تاريخي كتب النص؟ يمكن لجميع أمور السياق هذه أن تسهم في تقييم المرء لما يجري في النص.
3. تمييز أنواع التفكير التي يوظفها النص. ما هي المفاهيم التي تم تعريفها واستخدامها؟ هل النص يلجأ إلى نظرية أو نظريات؟ هل تم وضع أي منهجية محددة؟ إذا كان هناك لجوء إلى مفهوم معين، نظرية، أو طريقة، فكيف تم استخدام هذا المفهوم، النظرية، أو الطريقة لتنظيم وتفسير البيانات بعد ذلك؟ يمكن للقارئ أيضًأ أن يفحص كيفية تنظيم النص: كيف قام المؤلف بتحليل (أو تقسيم) المواد؟ كما ينبغي الانتباه إلى أن التخصصات المختلفة (مثل التاريخ وعلم الاجتماع، والفلسفة، وعلم الأحياء) تستخدم طرقا مختلفة للجدل.
4. فحص الأدلة (الحقائق المؤيدة، والأمثلة، وغيرها) التي يوظفها النص. الأدلة الداعمة أمر لا غنى عنه للحجج والجدليات. بعد الانتهاء من الخطوات 1- 3، يصبح القارئ في وضع يمكنه من فهم كيفية استخدام الأدلة لتطوير الحجة والادعاءات والمفاهيم المسيطرة. تسمح الخطوات من 1- 3 لقارئ بأن يرى الأدلة في سياقها. يجب النظر في أنواع الأدلة التي يتم استخدامها. ما الذي يعتبر دليل في هذه الحجة؟ هل الدلائل إحصائية؟ أدبية؟ أو تاريخية؟ وما إلى ذلك. من أي مصادر تم جمع الأدلة؟ وهل هذه المصادر أولية أو ثانوية؟
5. قد تنطوي القراءة النقدية على التقييم. قراءتك للنص تكون بالفعل ناقدة إذا شملت وكونت سلسلة من الأحكام حول كيفية بناء جدلية النص. ومع ذلك، قد ئتطلب بعض المقالات أيضا من القارئ لتقييم نقاط القوة والضعف في الحجة المقدمة. إذا كانت الحجة قوية، فلماذا؟ هل يمكن أن تكون أفضل أو دعمها بشكل مختلف؟ هل هناك ثغرات، قفزات، أو عدم الاتساق في الحجة؟ هو هناك مشكلة في طريقة التحليل؟ هل يمكن تفسير الأدلة بشكل مختلف؟ هل الاستنتاجات مدعومة بالأدلة المقدمة؟ ما هي الافتراضات التي لم تتم مناقشتها؟ وهل هي إشكالية؟ ما قد تكون الحجة المعارضة؟
بعض النصائح العملية
1. تحدث القراءة النقدية بعد بعض العمليات الأولية للقراءة التي تبدأ بتصفح والقراءة المسحية للمواد البحثية، خاصة المقدمات والنتائج، وذلك لكي يحدد القارئ استراتيجيًا على ما سيركز عليه جهوده النقدية.
2. عند تسليط الضوء على النص أو أخذ الملاحظات منه، يجب أن يعلم القارئ نفسه التركيز على الحجة أو الجدلية، وهي تلك الأماكن في النص التي يشرح فيها المؤلف تحركاته التحليلية، والمفاهيم التي يستخدمها، وكيف يستخدمها، وكيف يصل إلى الاستنتاجات . لاينبغي أن يعزل القارئ الوقائع والأمثلة، مهما كانت ممتعة. ويجب عليه أولا أن يبحث عن الأنماط الكبيرة التي تعطي الغرض، والنظام، والمعنى لتلك الأمثلة. قد تكون الجمل الافتتاحية من الفقرات هامة في انجاز هذه المهمة.
3. عند البدء في التفكير في كيف يمكن استخدام جزء من النص في حجة تقتبسها لورقتك البحثية الخاصة بك، فيجب محاولة البقاء متيقنا لكيفية أن هذا الجزء يلائم الحجة الكاملة التي اخذت منها . كما أن الانتباه الى السياق هو خطوة حاسمة وأساسية.
4. عندما يتم الاقتباس مباشرة من المصدر، فيجب استخدام الاقتباس بطريقة نقدية. وهذا يعني أنه لا ينبغي استبدال الاقتباس بصياغة المرء الخاصة للموضوع أو النقطة. بدلا من ذلك، ينبغي إدخال الاقتباس عن طريق وضع الأحكام التي تصدرها عليه، والأسباب التي استخدمته لأجلها. وغالبا ما يتبع الاقتباس المزيد من التحليل.
مهارات القراءة الناقدة هي أيضا مهارات الاستماع الناقد. ففي المحاضرات، ينبغي الاستماع ليس فقط للحصول على معلومات ولكن أيضا لمعرفة طرق التفكير. وغالبا ما يقوم المعلمين بالتفسير والشرح وبذلك يقدمون نماذج التفكير التي تتناسب مع علم أو مجال تخصصي معين.