كيف يقوم علماء اللغة بإجراء البحوث؟
حسنا أول شيء هو معرفة ما إذا كان البحث كمي أو نوعي. بالنسبة للبحث الكمي، يقوم الباحث بصياغة فرضية ومن ثم يجمع بيانات عددية دقيقة بهدف دعم فرضيته. أما في البحث النوعي، فيكون لدى الباحثين فكرة عما يبحثون عنه، ولكن هذه الفكرة قد تغير مع تقدم سير الدراسة البحثية.
ربما يمكننا القول أن البحث الكمي يتتبع خطوات الطريقة العلمية أكثر، بينما يمكننا اعتبار البحث النوعي التأويلي أكثر، هذا طبعا لا ينقص من قيمة البحث النوعي لأنه استكشافي بل ويمكنه أيضا دعم أو دحض مخرجات البحث الكمي.
وفيما يلي بعض النقاط التي يمكن أن نعتبرها الخطوات المختصرة التي يقوم بها الباحث في مجال علم اللغة عند قيامه بدراسة موضوع لغوي ما:
· اختيار موضوع: يجب أن يكون محدد وملموس، كما يجب اختيار موضوع يكون الباحث ملما به ومرتاحا في دراسته.
· البحث عن المشاركين: يجب ايجاد عدد كافي من المشاركين الذين سيشاركون في دراسته حتى يحصل منهم على البيانات التي يحتاجها. ربما قد يكون على الباحث، في عدة حالات، التأكد من أن المشاركين لا يدركون موضوع البحث بدقة، لأن معرقتهم التامة به يمكن أن تؤدي إلى تغيير في البيانات التي يحاول اولئك المشاركين تقديمها حيث أن معرفتهم الدقيقة بموضوع الدراسة قد تجعلهم منحازين ويقدمون لك الإجابات التي تبحث عنها.
· التحليل: يجب التأكد عند وصف النتائج من توضيح المصطلحات التي قد لا تكون معروفة من قبل الكثير من الناس الذين سيقومون بقراءة البحث، ولذلك يجب توضيح وتعريف الكلمات قبل القفز إلى استخدامها.
· العرض: عادة ما تلتزم الدراسات البحثية في علم اللغة بهيكل عرض قياسي يشبه الشكل التالي:
1. العنوان
2. المؤلف والمؤسسة
3. الملخص
4. المقدمة
5. منهجية البحث (أو الطريقة)
أ. العينة
ب. تصميم البحث
· المعالجات (اختياري)
· التقنيات (اختياري)
· المواد (اختياري)
ج. طريقة جمع البيانات
· أدوات جمع البيانات (اختياري)
· اسلوب الملاحظة
د. الاجراءات التي تم اتباعها
6. النتائج
7. المناقشة
8. الاستنتاجات
9. المراجع
1. العنوان: يجب أن يكون ملفتا لانتباه جمهور القراء، ومعبرا عما في البحث.
2. اسم المؤلف الذي قام بالبحث (والمؤسسة إن وجدت).
3. الملخص:
ينبغي أن يعطي الملخص المكتوب بطريقة جيدة لمحة مختصرة حول خمسة اشياء أساسية عن البحث وهي: (1) الغرض من الدراسة، (2) المصادر التي اُستخلصت منها البيانات (المشاركين في الدراسة)، (3) الطرق المستخدمة في جمع البيانات، (4) النتائج العامة، (5) التفسير العام للنتائج. يمكن للقارئ من خلال المعلومات الموجودة في الملخص معرفة ما إذا كانت الدراسة تهمه أم لا.
4. المقدمة:
المقدمة هي عقل البحث، حيث نتوقع أن نجد فيها الموضوع اللغوي قيد البحث وأهمية دراسته، والسؤال البحثي، وأي نظرية تم أخذها في الاعتبار، والفرضيات المقترحة، والتوقعات المحتملة. بالاضافة إلى ذلك، يجب تعريف أي مصطلحات خاصة سيتم استعمالها في الدراسة.
5. الطريقة البحثية:
إن قسم طريقة البحث (أو منهجية البحث) هو هيكل الدراسة، لأنه إذا ما تمت كتابته بطريقة جيدة، فسيتمكن الآخرين من إعادة إجراء الدراسة بحذافيرها، كما أن القدرة على إعادة إجراء الدراسة يعتبر المعيار الرئيسي الذي يُستخدم في الحكم على جودة هذا العنصر من مكونات التقرير البحثي للدراسة.
يخبرنا القسم المتعلق بمنهجية البحث عن المشاركين في الدراسة الذين استخلصت منهم بيانات البحث، وما الذي تمت دراسته، والكيفية التي تم بها جمع وتحليل البيانات. يبين المخطط التالي الأقسام الفرعية تحت هذا العنوان (منهجية أو طريقة البحث). تختلف الدراسات في الأقسام الفرعية التي توردها تحت هذا القسم، ولكن يجب عرض معلومات الأقسام الفرعية التالية بطريقة ما.
أ. العينة
يصف هذا الفرع من قسم طريقة البحث المشاركين في البحث أو الأشياء (نصوص مثلا) التي جُمعت منها بيانات الدراسة. يوفر قسم العينة المكتوب بطريقة محكمة تفاصيل موسعة عن المشاركين في الدراسة، كما ينبغي أن يوضح أيضا المنطق المستخدم في اختيارهم حتى يتمكن القارئ من تقدير ما إذا كانت البيانات الناتجة صالحة لغرض الدراسة.
ب. تصميم البحث
يوضح هذا القسم الهيكل العام للدراسة. هناك عدد من التصاميم البحثية المتوفرة، وكل منها يلائم غرض أو استعمال معين، ولكل منها مميزات وعيوب وفقا للكيفية التي تُجيب بها البيانات على الأسئلة البحثية. يتم في هذا القسم تعريف متغيرات[1]الدراسة بشكل واضح. في الحقيقة، عادة ما يتم استبدال مصطلح “المركب” بمصطلح “المتغير”. فمثلا، “القدرة اللغوية” تعتبر مركب يتغير (أي أن الناس يختلفون في قدرتهم اللغوية)، ولذلك يُشار إليه بالمتغير عندما يتك استخدامه في الدراسات البحثية، بغض النظر عما إذا كانت كلمة “مركب” قد استخدمت أم لا. الجنس مثلا يعتبر متغير باحتمالين، ذكر وأنثى. تشمل الأمثلة الأخرى للمتغيرات الجنسية، الطلاقة في اللغة، طريقة التدريس، وما شابه ذلك.
يمكن للمتغيرات أن تأخذ مميزات أو تصنيفات مختلفة في الدراسات البحثية. يمكن أن يكون المتغير مستقل، تابع، وسيط، خارجي، أو متعلق بالملاحظة. يعتمد تصنيف المتغير على الدور الذي يلعبه في الدراسة أو توع التصميم البحثي المستخدم في الدراسة. بمعنى أن المتغير يمكن أن يكون مستقل في دراسة معينة وتابع في أخرى، ووسيط في ثالثة وضابط في رابعة ودخيل في خامسة. ما يجعل الأمور أكثر تحديا هو اختلاف الدراسات البحثية في الكيفية التي يتم بها استحضار هذه المتغيرات، الخ.
المتغير المستقل هو المتغير المؤثر، أي أنه يؤثر في تغيير متغير آخر. يسمى المتغير الذي يتأثر (أو يتغير) بالمتغير التابع، حيث أن التغيّر يتبع التغيّر في المتغير المستقل. عادة ما نجد هذين المتغيرين في تصاميم البحوث التي تبحث عن المسببات والتوقعات. الطريقة التي يمكن بها التعرف على هذين المتغيرين هي ملاحظة أي منهما يؤثر (يغير، يسبب، يؤثر) في الآخر. المتغير الذي يؤثر هو المستقل والمتأثر هو التابع. في الحقيقة يمكن أن يكون في الدراسة الواحدة أكثر من متغير مستقل واحد وأكثر من متغير تابع واحد.
بعض التصاميم البحثية يوجد بها ما يسمى بالعلاج (واحد أو أكثر)، وهو يحدث عادة عندما يتلاعب الباحث بمتغير مستقل ليرى أثره على متغير تابع. قد يشمل العلاج إدخال طريقة تدريس معينة لدراسة أثرها على التحصيل اللغوي لدى طلاب اللغة.
المتغير الآخر الذي له علاقة بالمتغيرات التابعة والمستقلة هو المتغير الوسيط. هذا النوع من المتغيرات يختارها الباحث لتحديد كيف تتأثر العلاقة بين المتغير المستقل والمتغير التابع، أو كيف تتغير بهذا المتغير الوسيط. وكمثال لتوضيح هذا النوع من المتغيرات نذكر دراسة زاهار وآخرون (Zahar et al, 2001) التي كان فيها اثنين من المتغيرات المستقلة هما تكرار حدوث الكلمة وثراء السياق، أما المتغير التابع فقد كان يمثل اكتساب المفردات. ولكنهم استخدموا متغيرا وسيطا أيضا، وهو المستوى اللغوي للمتعلم (طلاقته في اللغة) وبمعنى آخر، بقد أرادوا معرفة ما إذا كانت أثار المتغيرين المستقلين على المتغير التابع مختلفة وفقا للمستويات اللغوية للطلاب.
المتغيرات الخارجية هي أية متغيرات لا يريد لها الباحث أن تؤثر على المتغيرات المستقلة والتابعة. يبين الشكل رقم (1)[2] المتغيرات وهي تترصد حول الدراسة محاولة التسلل لتشويه نتائجها. قد لا يرغب الباحثين في بعض الدراسات أن تتأثر بياناته ببعض المتغيرات مثل الجنس، والعمر، والمستوى اللغوي، والتطور الفكري، وغيرها. ينبغي لتصميم البحث الجيد أن يبقي هذه المتغيرات تحت المراقبة. إذن، فالمتغيرات الخارجية هي تلك التي يريد الباحث أن يبقيها ثابتة، أو يجعلها محايدة، أو يتخلص منها حتى لا يكون لها أثر على الدراسة.
أما المتغيرات المتعلقة بالملاحظة هي تلك المتغيرات التي تتم ملاحظتها بدون دراسة أثر أحدها على الآخر. غالبا ما تستعمل هذه المتغيرات للإجابة على الأسئلة البحثية المتعلقة بما يوجد في بيئة البحث. البيانات التي يتم جمعها حول هذه المتغيرات تكون عادة في شكل ترددات أو أوصاف لفظية مفصلة. تقدم دراسة بكوالتر (Buckwalter, 2001) مثال لدراسة اهتمت فقط بهذا النوع من المتغيرات. لقد كانت البيانات في شكل أوصاف لفظية وترددات، وكان واضحا من عنوان الدراسة أن المتغير الرئيسي الذي تهتم به الباحثة هو “الجمل التصحيحية” التي تحدث عندما يحاول الناس تصحيح أخطاء الكلام أثناء المحادثات. لقد كان هدف الباحثة الرئيسي التعرّف على من حدد الخطأ في المحادثة، بالاضافة إلى من قام بالتصحيح.
إن التعرف على المتغيرات في دراسة معينة ليس بالمهمة البسيطة، ولهذا السبب فقد حاولت تبيانها في الشكل (1) حتى يتم استخدامه كمرشد أو دليل عند اتخاذ القرارات بشأن تحديد نوعيتها.
ج. طريقة جمع البيانات
يبين هذا القسم بالتفصيل كيف تم جمع المعلومات لغرض الدراسة البحثية. تنطوي معظم الدراسات البحثية إما على أدوات أو إجراءات ملاحظة. تتعلق الأدوات تحديدا بالوسائل المستخدمة في جمع البيانات. قد تكون الأدوات في شكل استبيانات أو اختبارات، ويمكن عرضها أو تقديمها في شكل كتابي، صوتي، أو مرئي. يمكن جمع استجابات المشاركين من خلال الاختبارات الورقية، الاختبارات التي يتم تقديمها عبر الحاسوب، عبر الفيديو، أو التسجيلات الصوتية.
قد لا تتضمن الدراسات الأخرى أدوات لجمع البيانات، ولكنها قد تتطلب الملاحظات الشخصية للمشاركين في الدراسة. يستعمل هذا النوع من الدراسات أجهزة التسجيل الصوتي أو المرئي (الفيديو) لتسجيل البيانات في حال كانت هناك حاجة للتأكد منها، ولكن جمع البيانات الفعلي يتم من قبل الملاحظ أو مجموعة من الملاحظين.
قد يحدث خلط في بعض الدراسات الخلط بين الأدوات والمواد المستخدمة في المعالجة إن لم يكن القارئ منتبه، ويمكن أن نفكر في المواد بأنها المثير الذي يستخلص السلوك الذي يتم قياسه أو ملاحظته بأداة جمع المعلومات.
د. الاجراءات المتبعة
هذا القسم عبارة عن توضيح مفصل لكيفية القيام بالدراسة ككل، ولكن يتم في بعض الدراسات دمج هذا القسم مع قسم طرق جمع البيانات. يصف هذا القسم الوقت والكيفية التي تم بها إعطاء العلاج، ومت تم توزيع أدوات البحث، ومتى وكيف تم استخدام طرق الملاحظة. المعيار الرئيسي في الحكم على جودة هذا القسم هو ما إذا كان لدينا معلومات كافية لإعادة إجراء الدراسة إن احتجنا لذلك.
6. النتائج
يقوم الباحث في هذا القسم بإعطاء نتائج تحليل البيانات. ووفقا لطبيعة تصميم البحث، فإن هناك طرق مختلفة تستخدم حتى يمكن فهم البيانات المعروضة. أحد الطرق الشائعة هو استخدام الاحصاء. ولكن ليس كل الدراسات فيها أقسام نتائج مليئة بالإحصاءات والرسوم البيانية. ففي بعض الدراسات (ما يسمى بالدراسات النوعية) نجد أن قسم النتائج يحتوي على بيانات لغوية تتألف من أوصاف مفصلة لما تم ملاحظته. يقضي الباحثين وقت طويل في جمع كميات كبيرة من البيانات اللغوية بهدف التعرف على النماذج والاتجاهات التي سترشدهم في الاجابة عن اسئلة الدراسة. وطبعا يتحتم عليهم عرض بعض الاحصاءات الوصفية للمساعدة في توضيح هذه النماذج أو الأنماط. إن قسم النتائج يعتبر مهم جدا ولا يمكن تجاوزه، كما أن مميزات وعيوب الدراسة غالبا ما تكون في اختيار اسلوب تحليل البيانات الذي سيؤثر حتما على النتائج. وبالطبع لا يمكن للاستنتاجات المبنية على نتائج مغلوطة أن تجيب على الأسئلة البحثية.
7. المناقشة والاستنتاجات
يناقش القسم الأخير من الدراسة البحثية النتائج ويختتم بالاستنتاجات. إذا كانت المناقشة طويلة جدا، فمن الأفضل تقديم الاستنتاجات في قسم منفصل عنها. يقوم الباحث هنا بتفسير النتائج على ضوء الاسئلة البحثية والفرضيات المقترحة التي يتم اختبارها. كما يقوم قسم المناقشة/الاستنتاجات المكتوب بطريقة جيدة بربط ما توصلت إليه الدراسة بالبحوث السابقة التي تم القيام بها، وبأي نظريات تدور حول موضوع البحث. بالاضافة إلى ذلك، ينبغي على الباحث أن يقيّم دراسته ويبين مميزاتها وأوجه النقص فيها. يتم اختتام هذا القسم عادة بالإشارة إلى البحوث المستقبلية التي ينبغي القيام بها ومقترحات حول كيفية إجراءها.
المراجع
Buckwalter, P. (2001). Repair sequences in Spanish L2 dyadic discourse: A descriptive study. The Modern Language Journal, 85, 380–397.
Jr., Fred L. Perry (2005).Research in Applied Linguistics: Becoming a Discerning Consumer. Lawrence Erlbaum Associates, Inc., Publishers, Mahwah, New Jersey.
Zahar, R., Cobb, T., & Spada, N. (2001). Acquiring vocabulary through reading: Effects of frequency and contextual richness. The Canadian Modern Language Review, 57, 541–565.