على مدى السنوات القليلة الماضية، احتلت ليبيا عناوين علم الآثار ليس بسبب الاكتشافات الجديدة والمثيرة، ولكن نظرا للتدمير الثقافي الهمجي. فعل سبيل المثال في عام 2011، اقتحمت عصابة قبو تحت الأرض في بنغازي وسرقت 7700 قطعة نقود اثرية، وصنفها أحد الخبراء على أنها من بين “أعظم السرقات في التاريخ الأثري”. في عام 2012، هدم متشددين اسلاميين عدد لا يحصى من الأضرحة الصوفية والمقابر في جميع أنحاء البلاد. و قام مسلحين في طرابلس بتجريد مسجد القرمانلي الأثري من بلاط السيراميك وزخارف الرخام، في حين قصفت قلعة سبها بالصواريخ.
هذا أكبر من أن تتحمله أي دولة. ومع ذلك، يمكن أن يكون من السهل على الغرباء التغاضي عن هذه الأحداث الرهيبة لأنها مشكلة دولة أخرى – وقد يقول احدهم مالنا ولهم إنه تاريخهم وثقافتهم! في مقال نشر مؤخرا في مجلة نيتشر العلمية، يقصي عالم الآثار سافينو دي ليرنيا هذا الخط من التفكير، ويوضح أنه ليس مجرد عدد قليل من المعالم التاريخية في خطر، بل مجال كامل من العمل الذي يبحث في أصول تاريخ الإنسانية.
وكتب يقول إن “ليبيا تعتبر نقطة ساخنة للبحث في الماضي الإنساني” واستشهد بأسباب كثيرة حول أهمية الصحراء الكبرى (التي تشكل ليبيا جزءا كبيرا منها) – من اللوحات الجدارية منذ 9000 سنة إلى الأدلة القديمة على تشتت البشر عبر آلاف السنين في أفريقيا. عموما هناك جزء مهم لا يصدق من التاريخ يقع وسط الكثبان الرملية.
وأدى الصراع في ليبيا توقف التنقيب الأثري في المنطقة. وكان دي ليرنيا نفسه مضطرا للإخلاء في عام 2011؛ وقبل ذلك، كان يذهب في رحلات إلى البلاد كل عام منذ عام 1990. تزداد المخاوف وتتعمق الآن بشأن سلامة المواقع التي لا تقدر بثمن وهي لا تعد ولا تحصى. يبدو أنه لم يعد مسألة ما إذا كان سيتم تدميرها، ولكن متى، لأنه يبدو أن أي شيء لا يتماشى مع أهداف الثوار المسلحين يمكن أن يكون هدفا.
ودفعت الأزمة إيرينا بوكوفا، مدير عام اليونسكو، للدعوة إلى حماية أفضل للتراث الثقافي الليبي في أكتوبر الماضي، حيث قالت أنه “لا يمكن أن ينظر إلى هذه الهجمات بأنها معزولة أو أضرار جانبية”. واضافت “ان الهجمات تجري في سياق عالمي من الاعتداءات المتكررة والمتعمدة ضد التراث الثقافي، في ليبيا وأماكن أخرى، مهددا الترابط الاجتماعي ومؤججا للعنف والانقسام داخل المجتمع”. وعلى الرغم من دعوتها لإنهاء العنف، فإن المستقبل يبدو قاسي جدا. يقول دي ليرنيا أن الحفريات الأثرية ستكون “مستحيل لسنوات، إن لم نقل لأجيال.” ولكن، ما الذي يمكن عمله؟
وفقا لدي ليرنيا ، يجب على علماء الآثار الاستمرار ببساطة. ولكن لأن الحرب جعلت من المستحيل القيام بالعمل الميداني لا يعني عدم امكانية استمرار البحث. بدلا من ذلك ينبغي أن يتم البحث دوليا في المتاحف والمختبرات والانترنت. يمكن انشاء متحف رقمي يضم القطع الأثرية الليبية للجمهور العالمي، ويمكن المسح بصور الأقمار الصناعية للتحليل عن بعد. يمكن أن يبنى أرشيف على الإنترنت لمواقع الفن الصخري لمساعدة “العلماء الليبيين في التغلب على عزلتهم واستعادة الشعور بالهوية”. ويؤكد على ضرورة دعم خبراء الآثار الليبيين والعلماء، بالتمويل من الجهات المتبرعة ومنح التأشيرات من الحكومات الأجنبية حتى يتمكنوا من العمل مؤقتا في الخارج.
في حين أنه قد يبدو من غير المناسب الاستثمار في التراث الثقافي في الوقت الذي يقتل فيه الناس بسبب الصراع الدموي، فإن دي ليرنيا يقول عكس ذلك حيث يبين أن اليونسكو تعترف بأن للثقافة دور قوي في” بناء الترابط الاجتماعي والمساهمة في المصالحة والسلام”. يجب أن نستمر في تعزيز المهارات والثقة والمعرفة حول ماضينا المشترك فهو لا يخص الهوية الثقافية لليبيا فقط، ولكن للعالم أيضا.