مقدمة
الكتابة الأكاديمية هي ساحة صراع يمكن أن يجد الطلاب والباحثين أن تحقيق القوة والرأي الشخصي فيها صعب جدا. (Holliday, 2002: 143)
بعد جمع وتحليل البيانات، فإن وظيفة الباحث لا زالت بعيدة كل البعد عن كونها انتهت لأنه ينبغي تدوين النتائج ونشرها. يعتبر البحث في حد ذاته نشاط اجتماعي، وكما أشارت أورتيغا (Ortega, 2005: 430) عن حق، فإن ‘قيمة البحث يُحكم عليها من خلال فائدتها الاجتماعية’. وكما تقول، فإن الهدف النهائي لأي مجال بحثي في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك علم اللغة التطبيقي، هو تحسين حياة الإنسان، وبالتالي فإنه ينبغي الحكم على قيمة بحوث علم اللغة التطبيقي ليس فقط من خلال صرامتها المنهجية ولكن أيضا ‘على أساس قدرتها على التأثير الإيجابي على المشاكل المجتمعية والتعليمية’ (Ortega, 2005: 430). وبالنظر إلى أن الطبيعة “التطبيقية” لمجالنا ملحوظة حتى في اسمه، نتقد أن رسالة أورتيغا ستلقى صدى لدى العديد من العلماء
إذا اتفقنا على أهمية القيمة الاجتماعية للبحوث، يجب علينا أن نتخذ الخطوة المنطقية التالية ونقبل أن تقاسم نتائج البحوث مع المجتمع الأوسع يعتبر جزء أساسي من وصف وظيفة الباحث. أي أن التواصل مع جمهورنا هو أحد الجوانب الرئيسية لمسؤوليات الباحث. ولهذا السبب فإن المعايير الأخلاقية للجمعية الأميركية للبحوث التربوية (AERA, 2002) تشمل ضمن مسؤوليات الباحثين في المجال أنه ينبغي عليهم “محاولة الإبلاغ عن النتائج التي توصلوا إليها إلى جميع أصحاب المصلحة المعنيين’ (المعايير التوجيهية 5/1) وأنه ‘يجب أن تكون تقاريرهم إلى الجمهور مكتوبة بشكل مباشر لتوصيل الأهمية العملية للسياسة’ (المعايير التوجيهية 1 / 7). كما تؤكد هذه المعايير على أنه ‘ينبغي للباحثين في مجال التعليم أن يوفروا النتائج التي توصلوا إليها، والأهمية العملية لبحوثهم بلغة واضحة ومباشرة ومناسبة للجمهور المعني بالبحث وممثلي المؤسسات وغيرهم من أصحاب المصلحة’ (المعايير التوجيهية 11/10).
ويناقش هذا الفصل الجوانب المختلفة لعملية الكتابة الأكاديمية في الأبحاث النوعية. تمنعنا القيود المفروضة على فضاء هذا الكتاب من تقديم مبادئ توجيهية مفصلة حول كيفية تحقيق الكتابة الأكاديمية الجيدة بشكل عام، ولكن لحسن الحظ هناك العديد من النصوص المفيدة لهذا الغرض. وبدلا من ذلك، سوف ينصب تركيزنا على إبراز تلك الجوانب من الكتابة الأكاديمية التي ترتبط على وجه التحديد بنهج البحث المعين الذي اعتمدناه، أي الذي يظهر تباينا نموذجيا. على سبيل المثال، لن يكون هناك الكثير من النقاش حول استخدام نوع المفردات المناسبة، ولكننا سوف نحلل بشيء من التفصيل الدور المختلف لاستعراض الأدبيات في البحث النوعي.
الوظيفة الأكثر وضوحا للكتابة الأكاديمية هي توصيل نتائجنا للجمهور. وبناء على ذلك، يحتاج الباحثون إلى بذل قصارى جهدهم لجعل تقاريرهم في متناول اليد. وقد اثبتت تجربتنا السابقة أن المبادئ الثلاثة التالية ترشد كتابتنا:
- سهولة القراءة: أي كتابة يجب أن تسترشد في نهاية المطاف بمبدأ سهولة القراءة، حيث يجب على الكتّاب بذل جهد واعي لتقديم المحتوى بطريقة تزيد من احتمال الفهم الناجح لدى القراء. ولذلك، فإننا نعتقد أنه عندما يكون لدينا معضلة حول كيفية تقديم أو تنسيق أو صياغة شيء ما، فينبغي أن تكون حساسية الجمهور هي المبدأ الرئيسي الذي نسترشده به.
- لغة وأسلوب يمكن فهمهما: هناك أسطورة بين الباحثين المبتدئين أن أي كتابة أكاديمية جدية لغتها معقدة وملتوية نوعا ما. على الرغم من أن هناك بالفعل ميل في الأوساط الأكاديمية لمحاولة جعل عملنا يبدو علميا أكثر من خلال الإفراط في المصطلحات واستخدام العبارات المعقدة عندما تكون البسيطة تؤدي الغرض، إلا أنه يجب أن نلاحظ أن بعض العلماء الأكثر شهرة في العلوم الاجتماعية يكتبون في الواقع بشكل واضح جدا. على الرغم من أننا في بعض الأحيان نحتاج للتعبير عن الفروق الدقيقة بطريقة بارعة، فإن معظم حالات اللغة التي لا يمكن اختراقها تعكس في الواقع شكوك الكاتب.
- اخبار قصة: إن القصة هي الطريقة الأكثر فعالية للوصول إلى الجمهور، وإذا كان محتوى عمل معين يركز على قصة متماسكة ومثيرة للاهتمام، فحتى المواد المعقدة يمكن جعلها ممتعة ومهضومة. كان من دواعي سرورنا أن نجد الدعم لصيغة شخصية حية للعرض في أسلوب دليل الجمعية النفسية الأمريكية، وهو عبارة عن مجموعة من بعض القواعد العلمية في الكتابة الأكاديمية:
على الرغم من أن الكتابة العلمية تختلف في الشكل عن الكتابة الأدبية، فإنها لا تحتاج ولا ينبغي أن تفتقر إلى الأسلوب أو تكون مملة. فعند وصف البحث الخاص بك، قم بتقديم الأفكار والنتائج مباشرة، ولكن كن هادفا إلى أسلوب مقنع ومثير للاهتمام يعكس احاطتك بالمشكلة. (APA, 2001: 10)
إلى جانب كونها عمل تواصلي، فإن الكتابة الأكاديمية تلعب أيضا دورا هاما ثانيا، فهي جزء من عملية البحث. لقد رأينا أعلاه أن كتابة المذكرات تعتبر أداة تحليلية لتنمية وتركيز وتنظيم أفكارنا، ولقد وجدنا أن الشيء نفسه ينطبق على الكتابة الأكاديمية على مستوى أوسع. ففقط عن طريق الكتابة بانتظام يمكن أن نجعل أفكارنا البحثية تنضج. لهذا السبب، إذا أردنا أن نكون باحثين جيدين، فنحن بحاجة إلى قبول حقيقة أن كوننا كتّاب يعتبر جزء اعتيادي من هويتنا المهنية. وفي الواقع، كما يلخص كريسويل (Creswell, 2005: 13)، فإن ‘الكتابة موجودة في جميع مراحل العملية الإبداعية لتخطيط وإجراء البحوث’.
على الرغم من أن كتابة التقرير البحثي الكمي تختلف نسبيا عن إعداد التقرير النوعي إلا أن قدرا كبيرا مما ينطبق على التقارير الكمية ينطبق أيضا على الدراسات النوعية أو المختلطة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن بعض مبادئ الكتابة الأكاديمية عالمي، وجزئيا لأن شكل الكتابة الكمي يمكن أن ينظر إليه من عدة نواحي على أنه الافتراضي في العلوم الاجتماعية – ومثال على ذلك هو حقيقة أن هيكل أسلوب جمعية علم النفس الأمريكية (APA) لتقارير البحث يتم اعتماده ، مع بعض التعديلات، من قبل عدد متزايد من الباحثين النوعيين (انظر أدناه). ومن أجل تفادي أي تداخلات، سيتم التركيز في هذا الفصل على كيفية اختلاف تقارير الطرق النوعية عن التقارير الكمية، ودون الاشارة أو تكرار السمات المشتركة بينهما (على سبيل المثال، خصائص العنوان أو الملخص أو المراجع).
كتابة التقرير النوعي
هناك الكثير من الأدبيات المتوفرة التي تقدم إرشادات ومبادئ توجيهية لكتابة البحوث النوعية. إن حقيقة أن المؤلفين والناشرين يشعرون بأننا بحاجة إلى الكثير من هذه النصائح يمثل انعكاس دقيق للطابع الإشكالي المتمثل في إعداد التقرير النوعي. وعلى غرار جميع الجوانب الأخرى للبحوث النوعية، تتسم الكتابة البحثية النوعية بقدر أكبر من الحرية والتنوع والخلاف من نظيرتها الكمية المتجانسة. هذا هو السبب في جعل ديفيز (Davies, I995)، على سبيل المثال، يصرح بأن أفضل طريقة لتعلم كيف يتم الإبلاغ عن نتائج البحوث النوعية هي قراءة مقالات الدوريات وفصول الكتب التي تٌظهر هذا النوع بعينه. وفي حين أننا نتفق على أن النماذج التالية هي وسيلة فعالة لتهيئة دور الكاتب النوعي اجتماعيا، سنقوم في هذا الفصل بتلخيص بعض الارشادات والمبادئ التوجيهية التي يمكن أن تسهل وتسرع عملية التكيف الاجتماعي هذه.
الاختلافات الرئيسية بين التقارير البحثية النوعية والكمية
ليس من الضروري اجراء مراجعة شاملة للدراسات الأكاديمية لكي ندرك أن التقارير البحثية النوعية والكمية قد تكون مختلفة جدا سواء في تنظيمها وأسلوبها، أو حتى في طولها. وعلى الرغم من كتابة كتب كاملة حول هذا الموضوع، نقترح أن قدرا كبيرا من هذا الاختلاف يمكن تفسيره على أساس النقاط الست التالية.
الاستناد إلى الكتابة السابقة
لقد جادلنا أعلاه بأن كون المرء كاتبا هو جزء جوهري من هوية الباحث المهنية، وأنه فقط عن طريق الكتابة بانتظام يمكننا أن نجعل أفكارنا البحثية تنضج. ويبدو ذلك أكثر في البحوث النوعية حيث ينظر إلى الكتابة على أنها وسيلة لا غنى عنها في البحث. يبدأ الباحثون النوعيون كتابة المذكرات والوصف القصير وغيرها من الملخصات، وكذلك سجلات البحوث الشخصية بعد وقت قصير من بدء مشاريعهم، ويستمرون في الكتابة، بثبات وبانتظام، أثناء تسجيلهم وتوضيح فهمهم للبيانات. وهكذا، كما يشير ساندلوفسكي (Sandelowski, 2003)، فإن الكتابة في البحث النوعي لا ينظر إليها كمنتج نهائي للبحث بقدر ما هي عملية بحث جارية، لأن الكتابة من أجل الإبلاغ عن نتائج المرء عادة ما تقود الباحثين إلى توليد المزيد من الأفكار وبالتالي الكتابة أكثر.
وبطبيعة الحال، فإن العملية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، فعند نقطة ما نحتاج إلى اختتامها وإنتاج تقرير نهائي. ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت يكون قد تراكمت لدينا الكثير من الكتابة المكتملة في أشكال مختلفة، وبالتالي فإن المهمة الرئيسية لعملية الكتابة النهائية هي إلى حد كبير ربط الخيوط معا في ترتيب مترابط منطقيا. في الواقع، من الصعب تصور كيف يمكن أن يظهر أي تقرير نوعي جيد دون الاعتماد بشكل مكثف على كتاباتنا السابقة.
لا توجد تنسيقات أو قوالب ثابتة
كيف يمكننا نسج مختلف الأجزاء والقطع معا؟ لسوء الحظ بالنسبة للبعض وحسنه للآخرين (اعتمادا على تفضيل المرء)، لا توجد أشكال أو قوالب ثابتة في التقارير النوعية لكيفية الإبلاغ عن دراساتنا. هذه الميزة لها صفة محددة لما بعد الحداثة (بعض العلماء سيساوون الكتابة النوعية بكتابة ما بعد الحداثة؛ انظر Hesse-Biber and Leavy, 2006)، ولكنها في الواقع لم تنشأ مع ما بعد الحداثة بل مع الطبيعة التكرارية الناشئة للبحث النوعي الذي يسبق ما بعد الحداثة. القالب المتعارف عليه للتقرير البحثي الكمي هو تبلور عقود من الخبرة حول أفضل طريقة لتقديم المنتج النهائي لعملية خطية. من ناحية أخرى، فإن البحث النوعي غالبا ما يكون غير خطي بدرجة كبيرة، وبالتالي فإن فرض القالب الذي وصفناه أعلاه يٌنظر إليه من قبل الكثيرين بأنه غير مثمر. وبالتالي، تم على مدى العقود الثلاثة الماضية تجربة العديد من الأنواع البديلة، والتي غالبا ما كانت غير تقليدية، من أجل إيصال نتائج الدراسات النوعية بشكل كامل. وشملت هذه البدائل الأساليب الأدبية مثل الروايات والقصائد، وكذلك الدراما والرقص (Sandelowski and Barroso, 2002). إن السؤال عن كم ينبغي أن نبتعد أو ننحرف عن المعايير العامة للكتابة الأكاديمية التي تنشأ في نهج مختلف (أي الكمي) هو مسألة محل نزاع كبير حتى في الدوائر النوعية، وسنعود إليها في القسم الذي سنتحدث فيه عن بنية التقرير النوعي أدناه.
استخدام الكلمات بدلا من الأرقام كدليل
من السمات المشتركة لأي نوع من البحوث الأساسية استخدام البيانات التجريبية لدعم الحجج والادعاءات. هذه الأدلة في البحث الكمي تقوم بالكامل تقريبا على الإحصاءات المبنية على الأرقام. على الرغم من أن الأرقام يمكن أن تستخدم أيضا في البحث النوعي، فإن الشكل المهيمن للأدلة النوعية يتضمن مقتطفات من الروايات المستندة إلى الوصف السردي لكلام المشاركين أو الباحث نفسه (على سبيل المثال، الملاحظات الميدانية أو المذكرات). وبالتالي، يتم تحقيق المصداقية من خلال توضيح وتأييد استنتاجات الباحث بمجموعة تمثيلية من وصفات الاستدلال المنخفض التي تجعل الحالة أو الظاهرة حية. الهدف من ذلك هو تقديم وصف غني وحقيقي بحيث “يمكن للقارئ أن يختبر بشكل مباشر كيف يبدو الوضع أن يكون في نفس الموقف مثل المشاركين في البحث” (Johnson and Christensen, 2004: 539).
طول أكثر
أحد الأشياء الجيدة حول الأرقام هو أنه يمكن تلخيصها في مساحة صغيرة حيث يمكننا في كثير من الأحيان تقديم جميع النتائج الرئيسية للدراسة في ثلاثة أو أربعة جداول. وعلى النقيض من ذلك، فإن الكلمات هي مسهبة، كما أن توفير عددا كافيا من الاقتباسات يأخذ مساحة كبيرة، مما يجعل التقارير النوعية عادة أطول بكثير من نظيراتها الكمية (انظر Magnan, 2006). يقدر غال وآخرين (Gall et al,. 2007) أن التقارير النوعية تميل إلى أن تكون أطول مرتين تقريبا من التقارير الكمية. وهكذا، فإن الباحثين النوعيين هم باستمرار بين الصخر والمكان الصعب. فمن ناحية، يحتاجون إلى تقديم دعم سردي غني ومقنع ضمن الحد الثابت للكلمات الذي تفرضه جميع أنواع المنشورات تقريبا، ومن ناحية أخرى، حتى من خلال توسيع الحدود (وتوصية المحرر الجيدة) إلى الحد الأقصى، لا يمكن إلا لجزء صغير من البيانات الخام أن تشق طريقها إلى التقرير النهائي.
اخبار القصة
كما ذكرنا أعلاه، فإننا نؤيد وجود قصة واضحة في أي كتابة، بما في ذلك تقارير البحوث، والتنسيق الكمي يجعل ترابطها منطقيا سهل نسبيا. فبعد كل شيء، يقدم الهيكل نفسه عملية شاملة، حيث يتم تقديم القضية المستهدفة والتأسيس لها في مراجعة الأدبيات، ثم يتم عرض أسئلة أو افتراضات بحثية محددة تُعطى لها إجابات واضحة باستخدام دعم إحصائي موجز، وفي النهاية يتم تلخيص النتائج . لا يمكن للمرء أن يُخطئ إذا تقيد بهذا القالب النموذجي. وعلى النقيض من ذلك، فإن التقارير النوعية أطول وتتضمن تفاصيل ثرية أكثر، وتستند إلى عملية تكرارية ومتكررة لجمع البيانات وتحليلها، وغالبا ما تصف معاني متعددة. الطريقة الوحيدة لتقديم هذا جيدا هو أن نصبح قصّاصين جيدين. ‘عندما لا نستطيع لفت الآخرين لقراءة قصصنا (حساباتنا الكاملة)، فإن جهودنا في البحث الوصفي تعتبر لا شيء’ (Wolcott, 1994: 17). وبالتالي، فإن نجاح عملية الإبلاغ عن نتائجنا النوعية يعتمد إلى حد كبير على امكانياتنا في طي رسالتنا في قصة ممتعة.
الانعكاسية، أسلوب، ونبرة
على الرغم من أن البحث الكمي قد يكون متقدم على التقارير النوعية من حيث تبنيه لمخطط واضح، فإن البحث النوعي يعوض عن ذلك من خلال السماح (وفي الواقع، تشجيع) بالتفاصيل الغنية، بالاضافة إلى أسلوب شخصي ونبرة غير رسمية. على الرغم من أن التقرير الكمي لا يحتاج إلى أن يكون غير شخصي ورسمي، إلا أن الحقيقة تبقى أن الباحثين الكميين غالبا ما يتبعون أسلوب الدراسات المعروف في العلوم الطبيعية التي يتم في معظمها نقل الرسالة بالأرقام والحقائق وليس بكلام الكاتب نفسه. وعلى النقيض من ذلك، ولأن نتائج الدراسة النوعية تعتبر عادة منتجا مشتركا لتصورات المشاركين والباحث، فإن النموذج النوعي ينطوي على الانعكاسية، أي أنه يشمل مناقشة تحيزات الكاتب وقيمه وافتراضاته في النص. وكنتيجة ملموسة لذلك، يميل الباحثون النوعيون إلى استخدام ضمير المتكلم المفرد عند الحديث عن أنفسهم بدلا من كلمة ‘الباحث’ غير الشخصية (التي عفا عليه الزمن حتى في التقارير الكمية).
وهكذا، مع التركيز على الانعكاسية وإشراك الباحث، فإن البحوث النوعية توفر للكتّاب حرية ايصال أصواتهم الخاصة وكذلك أصوات المشاركين، والتي يمكن أن تتحول إلى أداة عرض قوية. وبما أن استخدام اللغة المعبرة له أيضا قيمة عالية بين الباحثين النوعيين (Sandelowski, 2003)، فإن الكاتب النوعي لديه كل المكونات تحت تصرفه لإنتاج قصة درامية حية، وغنية بالتفاصيل التي يمكن أن تكون قرائتها أفضل بكثير من قراءة تقرير لنتائج تحليل التباين المتعدد. ووفقا لذلك، يتحدث هوليدي (Holliday, 2002: 142) عن ظهور ‘تفكير جديد، وخاصة في البحث النوعي التقدمي، الذي يوفر مجالا للباحثين ككتّاب لكي يستخدموا التقاليد لتأسيس وجود شخصي قوي في هذا النموذج’.
هيكل التقرير النوعي
التفاوت والحرية الإبداعية، فضلا عن الجهد الواعي لتفادي الصيغ الجامدة هي سمات الدراسات النوعية في كل مرحلة من مراحل عملية البحث، بما في ذلك إعداد التقرير البحثي. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى هذا عن كثب، نجد أن حرية التعبير ليست غير محدودة لأن هناك جوانب معينة من المشروع البحثي التي يجب تغطيتها في التقرير، بغض النظر عن الهيكل المحدد الذي نستخدمه. وتشمل هذه الأجزاء “الإلزامية” مقدمة الموضوع وتبريره؛ وصف منهجية البحث (جمع البيانات وتحليلها)؛ وعرض النتائج وكيفية ارتباطها بنتائج الباحثين الآخرين في هذا المجال؛ وأخيرا الاستنتاج. وبصراحة تامة، فإن هذه المكونات تشبه إلى حد كبير الأجزاء الرئيسية المعروفة في التقرير الكمي، وعلى الرغم من أن الدراسات النوعية قد لا تستخدم العناوين الفرعية التقليدية للتقرير البحثي الكمي وقد تغير ترتيب المكونات (وخاصة مكان مراجعة الأدبيات الذي يعتبر مرنا)، من المنصف القول إن التقرير النوعي، في الواقع، يغطي نفس العمل مثل نظيره الكمي.
وبطبيعة الحال، فإن تغطية نفس العمل لا يعني أنه علينا أن نفعل ذلك بنفس الطريقة، وبالتالي فإن السؤال الرئيسي المتعلق بالكتابة النوعية هو مقدار التباين وفي أي مستوى يكون مرغوبا فيه. ومن وجهة نظري فإنني اشارك عدد من الباحثين (على سبيل المثال، Johnson and Christensen, 2004; Morrow, 2005) في الدعوة إلى اعتماد نسخة معدلة قليلا من هيكلية أسلوب جمعية علم النفس الأمريكية (APA Style) لشكل التنسيق الكمي للتقارير النوعية، لدرجة حتى استخدام معظم العناوين الفرعية الموصي بها من قبل دليل أسلوب جمعية علم النفس الأمريكية . والسبب في ذلك ينقسم إلى شقين:
- السبب الأول عملي براغماتي: الباحثون لا يعيشون في فراغ، وبالتالي فهم يحتاجون إلى أن يكونوا على بينة من التأثيرات المعيارية للبيئة البحثية التي يعملون فيها. وبالتالي، فإننا لا نوصي باستخدام صيغ غير تقليدية لأننا ببساطة لم نسمع، على سبيل المثال، بقصيدة يتم قبولها كأطروحة دراسات عليا في علم اللغة التطبيقي، وبالمثل، فإن للباحث (وخاصة الباحث الغير راسخ) فرصة ضئيلة لنشر نتائجه في منتدى معروف إذا كان لا يتفق مع التقاليد السائدة.
- السبب الثاني له علاقة بالطريقة التي تُقهم بها ‘الحرية الإبداعية’ ضمن سياق كتابة البحوث. السؤال المركزي هو ما إذا كان يمكن ممارسة الحرية ضمن إطار ثابت أو ما إذا كان نوع التقرير البحثي التقليدي مقيد جدا للسماح بالتعبير عن معنى معين. ويقال إن الرسام فنسنت فان جوخ (Vincent van Gogh) قد اشتكى مرة من الوضع الصعب للفنانين الحديثين بمعنى أنه لم تكن هناك عندهم أي حدود أخرى يمددونها، بينما في الماضي كان يمكن التعبير عن المعنى الدقيق جدا من قبل الفنانين بالتماشي مع، وفي نفس الوقت تجاهل التوقعات المعيارية لعصرهم. وعلى نفس المنوال، نعتقد أن عدم وجود حدود قد يكون له أثر ضار، كما أن التقيد بنظام ما يمكن أن يكون في الواقع محررا.
بالتالي نقترح أنه من خلال اعتماد نظام التنظيم الأكاديمي الأكثر تميزا، وهو تنسيق هيكل جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يمكن للباحثين النوعيين خلق قدر معين من التفاوت لأنفسهم، لأن معرفة القارئ بهذه الأعراف يساعد على دعم، وتعزيز، وترسيخ أي عناصر محتوى غير تقليدية، كأسلوب لا يكون دائما أكاديمي بالكامل. وعلاوة على ذلك، فإن التخلص من أعراف الأشكال التقليدية والإبلاغ عن نتائجنا في شكل أدبي أكثر كالقصيدة، مثلا، سيكون مثبطا للعديد من الكتّاب النوعيين، وخاصة من قبل أولئك الذين يعتبرون جدد في هذا المجال. نحن نتفق مع ريتشاردز (Richards, 2005: 187) في أن عدم وجود قالب نملأه ‘غالبا ما يشكل عقبة رئيسية في الكتابة’، ونعتقد أن نفس الفكرة قد حفزت ريتشاردسون وسانت بيير (Richardson and St. Pierre, 2005: 973) عندما اقترحوا أنه عند النظر إلى اشكال الكتابة يجب أن يبدأ الباحثون بمقال في دورية تجسد اعراف الكتابة الرئيسية في تخصصك.
دعونا ننظر الآن إلى تلك الجوانب من تقرير البحوث الكمية بأسلوب جمعية علم النفس الأمريكية التي قد تتطلب بعض التعديلات لتكون قادرة على استيعاب وصف البحث النوعي. (للاطلاع على قائمة باقتراحات تفصيلية، انظر ملحق Morrow, 2005).
المقدمة، مراجعة الأدب، والأسئلة البحثية
يتشابه دور ‘المقدمة’ في الدراسات النوعية والكمية، باستثناء مجال مراجعة الأدبيات، حيث يتطلب المنطق الكمي تغطية أولية كبيرة من الأدبيات لأن أسئلة البحث، وتصميم البحث، والأدوات يتم تبريرها كلها بمعرفة نظرية مسبقة. ومن ناحية أخرى، غالبا ما تكون الدراسات النوعية استكشافية ومفتوحة، وعلى الرغم من أن عددا قليلا من الباحثين النوعيين سيعتمدون توجهات “تبولة راسا”، فإن المعرفة الخلفية المفصلة في مرحلة البداية لا تعتبر أساسية؛ ففي النظرية المتجذرة، على سبيل المثال، يتم استطلاع الأدبيات الموجودة في المرحلة التحليلية النهائية فقط (أي في الترميز الانتقائي) لتقييم النتائج أو النظريات المنبثقة مقابلها. ومع ذلك، ما زلنا نشعر أنه حتى الدراسة النوعية الاستكشافية الناشئة تحتاج إلى مراجعة أولية للأدبيات، ربما ليست كبيرة جدا، من أجل توفير سياق نظري للدراسة ولتبرير موضوع البحث، ولكن قد يكون من المشروع أيضا إدخال المزيد من الأدبيات لاحقا في قسم ‘المناقشة’. وأخيرا، هناك مجال آخر في المقدمة تختلف فيه التقارير الكمية والنوعية، وهو خصائص الأسئلة البحثية التي تمت مناقشته أعلاه.
الطريقة
تعتبر المهمة الرئيسية لقسم ‘الطريقة’ هي نفسها كأسلوب جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، وهي توفير المعلومات التقنية اللازمة لتقييم النتائج اللاحقة والعمل كقسم مرجعي. ولكن الطبيعة المختلفة للمناهج للنوعية والكمية تبرر بعض الإضافات والتعديلات المفيدة (Morrow, 2005):
- قبل تقديم المشاركين، من المفيد إدراج قسم حول ‘منهج البحث وتصميمه’ يصف الافتراضات والمبادئ التي يقوم عليها البحث ونوع المنهجية النوعية المستخدمة في الدراسة.
- نظرا للطبيعة القائمة للبحث النوعي، يجب أن يكون وصف المشاركين غنيا بشكل خاص، كما يجب شرح استراتيجية أخذ العينات بوضوح.
- يقترح مورو (Morrow, 2005) تعديل مفيدا نقوم من خلاله بدمج أقسام الأدوات والإجراءات تحت عنوان ‘مصادر البيانات’، بحيث يمكن وصف وشرح الخطوات التكرارية المختلفة التي تم اتخاذها بشكل أفضل.
- الجانب المهم في ‘تحليل البيانات’ هو كيفية نقل التسجيلات إلى نصوص، بما في ذلك الملامح الرئيسية لبروتوكول النسخ. قد يكون هذا القسم أيضا المكان المناسب لمعالجة مسألة ‘الباحث – كأداة’، مع التركيز على خصائص معينة للباحث (على سبيل المثال، التحيز، و الانضباطية) التي قد تؤثر على التحليل. كما نحتاج أيضا إلى تقديم معلومات عن النهج المحدد المطبق لتحليل البيانات، بما في ذلك طبيعة مراحل الترميز المختلفة. ومن العيوب الشائعة للدراسات النوعية أنها ليست شفافة في كيفية الوصول للاستنتاجات من البيانات الخام الأولية. يشير هوبرمان ومايلز (Huberman and Miles, 2002: x)، على سبيل المثال، إلى أن أقسام الطريقة في الدراسات النوعية لا تزيد أحيانا عن ‘قوائم تسوق للوسائل المذكورة عادة في الأدبيات … وهي نوع من المنهجية الطنانة، مع عرض ضئيل للعمليات المتبعة في تحليل مجموعات معينة من البيانات’. لكي نخلق الشفافية الحقيقية فنحن بحاجة إلى توفير العناصر الرئيسية لمجرى المراجعة (audit trail). وباستخدام تحليل البيانات النوعية بمساعدة الحاسوب (انظر قسم ‘تحليل البيانات النوعية بمساعدة الحاسوب’ أعلاه)، أصبحت من السهل تطبيق هذه الاستراتيجية القوية للتحقق من الصلاحية سهلة نسبيا (انظر أدناه).
- التدقيق الإلكتروني. يقدم برينجر وآخرين (Bringer et al., 2004) ارشادات توجيهية مفصلة حول نوع الرسوم التوضيحية الأفضل في تحديد مسار مراجعة الحسابات. وهي تشمل طباعة صور الشاشة لفئات الترميز، وصفحات السجلات الشخصية، وأمثلة من الترميز المفتوح والمحوري في نهج النظرية المتجذرة. (يمكن إنشاء صور الشاشة بسهولة عن طريق الضغط على مفتاح ‘طباعة الشاشة’ (Print Screen) على لوحة المفاتيح ثم لصق الصورة الثابتة التي اخذها الكمبيوتر من الشاشة الحالية في مستند معالج النصوص). بالإضافة إلى ذلك، توفر الأمثلة على علامات الاقتباس لكل فئة ترميز رئيسية إيضاحات قوية. كما يقترح برينجر وآخرون أيضا توفير جدول يعرض عدد ونوع المذكرات المستخدمة ولأي غرض. إن برنامج تحليل البيانات النوعية بمساعدة الحاسوب الذي يستخدمه هؤلاء المؤلفون، إنفيفو (NVivo)، يتمتع بوظائف خاصة في ‘إعداد التقارير’ لتقديم قوائم الفئات والمستندات، فضلا عن معلومات أكثر تحديدا مثل، على سبيل المثال، كم جزء تم ترميزه من كل وثيقة؛ ويمكن أيضا أن تستخدم بشكل فعال لوصف تطوير المشروع العام.
- وأخيرا، لقد قمنا في القسم حول معايير الجودة في البحث النوعي بتوفير قائمة بعدد من الاستراتيجيات العملية لضمان الصلاحية في البحث النوعي. ينبغي أن يتضمن قسم تحليل البيانات أيضا بعض المناقشات حول استخدام هذه الاستراتيجيات من أجل توليد الثقة والقضاء على تهديدات الصلاحية أو السيطرة عليها.
النتائج والمناقشة
قد لا يتم دمج قسم “النتائج” مع قسم “المناقشة”، حيث يوصي مورو (Morrow, 2005) بإبقاء القسمين منفصلين في مقالات البحوث النوعية للتأكيد على التمييز بين الاستنتاجات الدقيقة القائمة على البيانات واستنتاجات الباحث الخاصة بشأن النتائج. ولكن في الأعمال الأطول مثل أطروحات الدراسات العليا، فإن تقسيم النتائج والمناقشة إلى فصلين يتم فيهما وصف مختلف مراحل تحليل البيانات معا قد يضيف إلى وضوح عرض النتائج. كما أن تقسيم النص إلى أقسام فرعية بعناوين فرعية خاصة بها يضيف أيضا إلى إمكانية الوصول للمناقشة (سواء في المقالات أو في الأطروحات)، حيث تعمل هذه العناوين الفرعية كعلامات صديقة للقارئ (حول أهمية الإشارات، انظر أيضا القسم حول التقارير النوعية التي لا تؤدي الغرض).
وإلى جانب القصة المتماسكة، فإن المحددات الرئيسية الأخرى لفعالية تقديم النتائج التي توصلنا إليها تتمثل في كيف نجاحنا في الحفاظ على التوازن بين تعليقاتنا التفسيرية والأدلة الداعمة في شكل اقتباسات من المشاركين أو الملاحظات الميدانية (Morrow, 2005). وتُظهر التقارير النوعية الجيدة تدفقا سلسا، وإيقاعا طبيعيا للنص والاقتباسات، لأن كثرة الاقتباسات تضعف صوت الباحث وتجعل اتباع حجته صعب، أما القليل جدا من الاقتباسات قد لا يوفر الدعم الكافي، مما يتطلب من القارئ، في الواقع، الاعتماد بشكل كبير على كلمات الباحث. ويؤكد مورس و ريتشاردز (Morse and Richards, 2002) على ضرورة إضافة بعض المعلومات السياقية إلى الاقتباسات المتعلقة بموقف الاجتماعي والسياق الاتصالي. التحدي هو التوصل إلى وصف مكثف دون أن تكون الدراسة مفرطة في الوصف وانما تكون تحليلية في مُجملها.
هل يمكننا تحرير الاقتباسات إذا لزم الأمر؟ نعم، ولكن دون تشويه أو تحريف للمعنى؛ كما اننا بحاجة أيضا إلى اتباع اعراف معينة، وأهمها الاشارة (على سبيل المثال، بثلاث نقاط) إلى استبعاد شيء لأنه كان زائدا عن الحاجة، لأن الاقتباسات الموجزة تميل إلى تكون قوية أكثر من الطويلة (Morse and Richards, 2002). ويتمثل أحد الأهداف الهامة للتحرير في ضمان عدم الكشف عن هوية المشاركين، الأمر الذي قد يتطلب أكثر من مجرد تغيير الأسماء. وعندما يكون المشاركين غير ناطقين باللغة الأصلية يمكننا أيضا تحرير الأخطاء اللغوية البسيطة لتسهيل القراءة، ولكن إذا قررنا القيام بذلك، فيجب أن نشير لذلك بوضوح في أول وقوعه أو في قسم الطريقة.
إذا قررنا أن يكون لدينا قسم مناقشة منفصل، فإن هذا هو المكان المناسب لنسج المواضيع المختلفة معا وتقديم التفسيرات الكبيرة، ولذك تقدم بعض الدراسات النوعية مراجعة إضافية للأدبيات في هذه المرحلة لتقييم التفسيرات على ضوء نتائج الباحثين الآخرين.
الاستنتاج (الخاتمة)
تختلف الآراء حول الحاجة إلى قسم ‘الاستنتاج’ وما يجب أن تحتوي عليه. يجادل سيلفرمان (Silverman, 2005: 323)، على سبيل المثال، بحماس أنه ‘يجب ألا نكتب أبدا ملخص على أنه الفصل الختامي… وأن نقاوم إغراءات الانحدار النهائي العاجل’. كما يوضح أنه عند هذه النقطة ينبغي يكون الباحث قد قال كل شيء بطريقة واضحة وضوح الشمس، وبالتالي، إذا كان تكرار النتائج أمر ضروري، فإن قول شيئا عن النص السابق يعتبر خطأ. وبدلا من الملخص، فإنه يقترح أن تُستغل الخاتمة للتأمل في تقدم الدراسة العام من السؤال البحثي الأصلي، ولمناقشة أي قيود والبحث المستقبلي المحتمل، وتوصيل الأهمية النظرية للبحث وآثاره العملية على السياسات والممارسات. وبينما نتفق تماما مع هذه النقاط، نشعر أنه قد يكون من المفيد أيضا تلخيص النتائج الرئيسية بلغة غير تقنية، لأنه من المرجح أن يذهب بعض القراء من المقدمة إلى الاستنتاج مباشرة، وسيقرؤون بقية الدراسة فقط إذا كانت الادعاءات النهائية تثير اهتمامهم.
التقارير النوعية التي لا تؤدي الغرض
وينبغي أن يكون واضحا من الأقسام السابقة أن إعداد تقرير نوعي فعال ليس عملا بسيطا، حيث أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تسوء فيها الكتابة. ولتسليط الضوء على بعض مصادر المشاكل النموذجية دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة حول كيفية عدم القيام بذلك.
الدراسات النوعية الكاذبة
أحد نقاط الضعف الكامنة في التقرير النوعي هو أنه من السهل نسبيا إساءة استخدامه ووصف الدراسة بأنها نوعية على الرغم من أنها ليست مبنية على تحليل منهجي وتجريبي سليم من الناحية النظرية ولكنها تبرز فقط عدد قليل من القصص والسرد القصير (وربما بعض المقتطفات المختارة من المقابلات). وللأسف هناك الكثير من هذه التقارير غير العلمية مما يمكن أن يشوه الصورة العلمية للبحث النوعي بشكل عام.
الطول الممل
لقد رأينا أن التقارير النوعية تميل إلى أن تكون روايات طويلة، وعادة دون وجود الجداول أو أنواع أخرى من الملخصات التي تساعد القراءة على هضم التقارير الكمية. وكما يشير ريتشاردسون وسانت بيير (Richardson and St . Pierre, 2005)، لا يمكن مسح العمل النوعي ولكن يجب قراءته بشكل كامل لأنه يحمل معناها في النص بأكمله. لذلك، ستكون لدينا مشكلة كبيرة إذا كان النص مملا. و كما نعرف فالأكاديميين متعلمين تعليما جيدا ويقضون الكثير من وقتهم في الأوساط الأكاديمية، وبالتالي قد لا يدركون أن الكتابة بالأسلوب الأكاديمي أصبحت طبيعة ثانية لهم. المشكلة هي أن اخبار قصة بلغة أكاديمية بلا نكهة لا ينجح، كما أنها تنجح في السرد النوعي بدرجة أقل مما هي عليه في التقارير الكمية.
عدم وجود إشارات
عادة ما تصف الحسابات النوعية معاني معقدة ومتعددة في كثير من الأحيان، وتركز بشكل وثيق على العديد من المشاركين (باستثناء دراسات الحالة الفردية)، وتقوم بالتبديل بين أصوات المشاركين وصوت الكاتب نفسه. كل هذا يؤدي إلى نصوص بنسيج معقد. وبينما يمكن استخدام هذا النسيج المعقد لإعطاء أثر جيد، فإنه يحمل أيضا خطر ضياع وارتباك القارئ بسببه. ولذلك، فإن وضع الإشارات المناسبة مهم جدا للتقارير النوعية الفعالة. ويمكن أن تتضمن الإشارات لمحة تمهيدية عامة عن البنية، والعناوين الرئيسية والفرعية، والملخصات في نهاية الأقسام، بالاضافة إلى تعليقات الكاتب المتكررة حول مكاننا في القصة، وكيف يرتبط الجزء المعني بما سبق قوله، وماذا سيأتي بعده.
اللغة التي يصعب فهمها
يشير دوف (Duff, 2006: 89) إلى أن أحد المصادر الأخرى للمشاكل الذي قد يقوض فعالية التقرير النوعي هو استخدام اللغة التي يصعب فهمها. فإذا كان القراء غير قادرين على استيعاب النتائج بسهولة وفهم سلاسل التفكير، فإن المعرفة الجديدة أو رؤى لن تكون قابلة للنقل إلى بيئات جديدة. وبدلا من ذلك، قد لا يتردد صدى النتائج إلا مع عدد قليل من الباحثين أمثالنا، وبالتالي قد يكون لها تأثير على الحقل أقل من المقصود أو المُستحق.
ومن ناحية أخرى، يستمر دوف (2006) في شرح أن البحوث النوعية توفر أيضا فوائد محتملة في هذا الصدد، لأنه إذا تم القيام بها بشكل جيد، فيمكن أن يقدم التقرير النوعي أمثلة ملموسة ومحددة للظواهر المجردة، وبالتالي يمكن أن يرسل رسائل معقدة بوضوح.
المزيد من الإخفاقات ‘المتقدمة’
إلى جانب المشاكل المتعلقة بالأسلوب والهيكل واللغة الموصوفة أعلاه، هناك بعض الطرق الأكثر تقدما التي يمكن من خلالها أن يحدث خطأ في التقرير النوعي. ويذكر ريتشاردز (Richards, 2005) ثلاثة أنماط من هذا القبيل:
- التغطية الممزوجة حيث يتكون التقرير من مجموعة من الاقتباسات الطويلة، تحاك معا بملخصات جزئية غامضة أو سطحية. هذا خطأ شائع في الواقع، وخاصة من قبل الباحثين المبتدئين، لأن اتخاذ موقف “السماح للبيانات بالتحدث عن نفسها” عادة ما يغطي الشكوك، أو عدم التركيز، أو عدم وجود رسالة الأصلية.
- الوصف المنير الذي يقدم وصف غني وحي للموقف، وبالتالي تقديم عرض آسر. والمفقود هو دمج البيانات في حجة متسقة.
- قفزة الثقة التي يستخدم فيها الكاتب وصف مدعوم بأدلة مقنعة كنقطة انطلاق لكي ينطلق فجأة إلى تأكيدات أخلاقية أو أيديولوجية لا تنبع مباشرة من البيانات. ولأن الدراسات النوعية غالبا ما تكون مدفوعة بالتزامات أيديولوجية أو مساعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، يمكن أن تكون هذه القفزة مفهومة ولكن يمكن أن تتخلى بسهولة عن المبدأ الأساسي للتقارير البحثية، وهي أن الحجج ينبغي أن تكون متجذرة بقوة في البيانات.