تخطى إلى المحتوى

عملياتية تدريب المترجمين في القرن الحادي والعشرين

ملخص

لقد تم تأسيس دراسات الترجمة وتعليم الترجمة منذ فترة طويلة، إلا أن أقسام الجامعات التي تدرب المترجمين المستقبليين أصبحت في الآونة الأخيرة تدرك حقيقة أن الأوساط الأكاديمية، وما يشار إليه هوسا تقريبا بالعالم الحقيقي، يحتاجان إلى الجمع بينهما بشكل أوثق مما كان عليه الحال حتى الماضي القريب . وقد استتبع ذلك وضع مناهج جديدة أكثر مرونة. على سبيل المثال، تمت إقامة روابط وثيقة مع المترجمين المحترفين، وأيضا توظيف تقنيات التدريس الجديدة التي قد توضح العمليات المعرفية التي تحدث أثناء تحويل النص المصدر إلى آخر هدف. وكانت النتيجة المصاحبة للرغبة في تكوين مترجمين مؤهلين تأهيلا كاملا وعيا أكبر أيضا بأن القابلية للتوظيف هي الهدف النهائي للتدريب الذي يجري في الفصول الدراسية.

المقدمة

لا يزال المرء يتذكر، مع قدر معين من الحنين إلى الماضي، تلك الأيام التي كانت فيها الترجمة من وإلى اللغة الأجنبية واحدة من اثنين من المكونات التي أصبحت تُعرف، بشكل باعث على السخرية، بطريقة القواعد والترجمة لتعلم اللغات. ولكن، في حين أنه ليس من المستغرب اعطاء ممارسة الترجمة مثل هذا الدور الهام، لأنها تشكل جزءا من التقليد الشهير الذي يعود إلى العصور الكلاسيكية القديمة، سرعان ما بدأت الأشياء في التغيّر. في البداية، تم تشويه الترجمة إلى اللغة الأجنبية وأصبحت تفقد مصداقيتها على أساس أنها اصطناعية، إن لم تكن مستحيلة، على عكس الترجمة إلى اللغة الأم. وفي الوقت نفسه، فقد تعرضت الترجمة “النموذجية” التي كانت تُعطى للطلاب عادة بعد تصحيح وانتقاد محاولاتهم لهجوم أيضا لأنها غير واقعية بسبب خلقها للانطباع المضلل بأنها الترجمة الوحيدة الممكنة بدلا من وضوح كونها مجرد أحد النسخ الممكنة.

على أية حال، بحلول ذلك الوقت بدأ يتغير الموقف كله من للترجمة. وقد بدأ النقاش فيما يتعلق بما إذا كانت الترجمة فن أو علم، وما إذا كان هناك شيء يعتبر كعلم للترجمة، وكيف كان من الممكن الترجمة، وهل هي مجرد فرع من علم اللغة، حتى بدى أن معظم المتخصصين في الترجمة يقبلون أن الترجمة كانت مشروع متعدد التخصصات، واعتبار “دراسات الترجمة” الاسم الأنسب له. تلك هي الأيام التي بدأت فيها الأسماء المألوفة لكل المهتمين بالترجمة فيضانات الكتب والمقالات التي نتجت عن الببليوجرافيا الحالية الهائلة لدراسات الترجمة. هذا ليس المكان المناسب لتقديم قائمة كاملة بعلماء الترجمة، ولكن أسماء مثل كاتفورد (Catford, 1965)، نيدا (Nida & Taber, 1969 ) أو، في وقت لاحق قليلا، فينوتي (Venuti,1995)، يعتبرون من بين الأكثر شهرة  ومن بين الأكثر قراءة بين المتخصصين في الترجمة. من وجهة نظرنا، يشكل هؤلاء أهمية تاريخية نظرا لإسهاماتهم في الترجمة. فمثلا، كاتفورد يعتبر مهما بسبب نهجه اللغوي الدقيق، ونيدا بسبب قاعدة “التكافؤ الديناميكي” في الترجمة، و فينوتي بسبب تمييزه بين “التدجين” أو “التغريب” كتقنيات ترجمة.

وأدى الانتقال من القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين إلى وضع عدد من النهج الجديدة في مجمل مجال الترجمة. إذا كان المعنى الدقيق للترجمة (هل ينبغي أن نقول العلمي) لا يزال بعيد المنال، فمن الواضح أن الأكاديميين المشاركين في التدريس العملي لطلبة الترجمة في الدراسات العليا أصبحوا أكثر وعيا بكل من متطلبات التدريس الفعلية، (وبسببها) والحاجة إلى إزالة أي عوائق بين والتدريب المُقدم للطلاب أثناء تتبع مسار الماجستير، وما أصبح يوصف هوسا تقريبا بالعالم الحقيقي، أي متطلبات المترجم المهني. وقد أدى هذا الوعي إلى مناهج أوسع تغطي ليس فقط الموضوعات التقليدية التي تدرس في هذا النوع من التدريب (القانونية والاقتصادية والطبية) ،ولكن تشمل أيضا نوع أعم من الدراسات الخلفية. وقد علقت سوزان باسنيت (Bassnett, 2007: 23) على اختفاء الانقسام بين الجوانب اللغوية والأدبية، بالإضافة إلى حقيقة أن هذا “التحول الثقافي” في دراسات الترجمة يسير جنبا إلى جنب مع التحول الثقافي في سياق أوسع بكثير، حيث تبين أن:

التحول الثقافي في دراسات الترجمة يعكس التحول الثقافي في التخصصات الأخرى، الذ يعتبر نتيجة حتمية للحاجة إلى زيادة الوعي بين الثقافات في العالم اليوم. وهو مرحب به إلى حد كبير، لأنه يوفر أفضل فرصة لدينا لفهم المزيد عن تعقيدات نقل النصوص، وحول ما يحدث للنصوص أثناء تحركها في سياقات جديدة وأنماط تتغير بسرعة من التفاعل الثقافي في العالم الذي نعيش فيه.

وفي الوقت نفسه، أدت الفجوة بين المعرفة اللغوية التي يكتسبها الطلاب في الجامعة ومتطلبات “العالم الحقيقي” إلى إدراك أن هناك حاجة ملحة لمشاركة المترجمين المحترفين في تدريب الممارسين المستقبليين، وبالتالي تصبح الترجمة الأكاديمية ترجمة مهنية حقا (Smith, 2007). وسنحاول فيما يلي تلخيص التغييرات التي تحدث في برامج التدريب على الترجمة والهدف النهائي لهذه التغييرات.

بعض الشروط المسبقة للترجمة

ومن الواضح أن الشرط الأول للبدء في دورة تدريبية للمترجمين هو المعرفة العميقة بكل من لغة وثقافة اللغات المعنية ، وهذا يعني اللغة (اللغات) الأجنبية واللغة الأم. وفي هذا الصدد، من المناسب أن نتذكر الحقيقة المعروفة جيدا التي تقول أن عددا كبيرا من الخريجين البريطانيين الأصليين الذين يتقدمون للحصول على وظيفة ترجمة في أحد أقسام الترجمة بالاتحاد الأوروبي يتم رفضهم، ليس لأن معرفتهم باللغة الأجنبية ناقصة، ولكن لأن لغتهم الإنجليزية ليست جيدة بما فيه الكفاية (Sanchez, 2017: 82). ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الاهتمام الحالي بتكييف المناهج لتلبية الاحتياجات الحقيقية للعالم المهني أدى إلى حقيقة أن عدد قليل من الكتاب على وجه التحديد يذكرون هذا الشرط الأساسي، في تناقض ملحوظ للإصرار الموجود لدى متخصصي الترجمة في السابق. فقد ذكر هنري فان هوف (Van Hoof, 1962: 57)، على سبيل المثال، وهو يكتب في سياق الترجمة الشفوية، أنه قبل البدء في تدريبه العملي، فإن على الطالب ‘أن يكون قد اكتسب سيطرة كاملة، وتحكما لا واعي تقريبا باللغات التي يرغب في العمل معها’. إن هذا أساسا ينطبق بشكل واضح ليس فقط على التدريب في الترجمة الشفوية، ولكن أيضا على التدريب في الترجمة المكتوبة. وعلى الجانب الثقافي، يصر إدمون كاري (Cary, 1986: 35) على أن السياق اللغوي هو ببساطة “المادة الخام” للنص، وهو “أكثر تعقيدا، بعلاقة بين ثقافتين، وعالمين من الفكر والحساسية، وهو الذي يميز الترجمة حقا”. وفي هذا الصدد، من المهم أيضا أن الترجمة لاتزال تدرس في العديد من الجامعات أساسا “كوسيلة لتحسين الكفاءة اللغوية للطلاب”، كما يتضح من إجابات 19 (من أصل 21) من المؤسسات التي شاركت في دراسة سويل الاستطلاعية (أنظر Penelope Sewell, in Penelope Sewell and Ian Higgins, 1996, p. 135-59). وفي حين يبدو أن طلاقة الطلاب في لغتهم الأجنبية مسلم بها عند مناقشة الاتجاهات الحالية والمستقبلية، فإن الاستعلام الأبدي ’ما تنطوي عليه الترجمة؟‘، والعلاقة بين النظرية والممارسة لا يزالان موضوعين قابلين للنقاش لم يتم انهائهما بسهولة بأي استنتاج مُرضي (Boase-Beier, 2011: 159-63). وأيضا، على الجانب التقليدي، لا يزال يُنظر إلى المترجم على أنه خالق، ومؤلف، ولكن بحقوق أقل وربما مشاكل أكثر من الكاتب الأصلي ((Utrera, 2004: 27.

لقد ساعد الاهتمام الحالي لدراسات الترجمة بوصف واقع الترجمة، وبما يقوم به المترجمين المحترفين حقا في ابراز مسألة ما إذا كان ينبغي للمرء أن يترجم من لغته الأم. في البداية، كان الإجماع دائما على أن المترجم المحترف قد يترجم من عدد من اللغات الأجنبية (كل واحدة منها تعتبر لغة ثانية)، ولكن دائما إلى لغته الأم. وخلاف ذلك، فعاجلا أو آجلا سينتهي المترجم إلى كتابة شيء في النص الهدف يعتبر ، لأي سبب كان، غير مقبول من الناطقين الأصليين للغة المصدر. وكان علماء اللغة المهنيين دائما واضحين تماما حول هذا، حيث حذر اللغوي الدنماركي الكبير أوتو جيسبرسن (Jespersen, 1904: 18) بالفعل من مخاطر استخدام لغة غير لغة المرء الأم حيث قال إن “الجمل التي يكونها الناطقين غير الأصليين تميل إلى أن تكون من النوع الذي لن يحدث أبدا لناطق أصلي، حتى لو كان من الصعب العثور على “أخطاء” إيجابية فيها”.

ومن ناحية أخرى، من الواضح أن المترجمين المحترفين يترجمون أحيانا من اللغة الأم إلى اللغة الثانية، وفي بعض الحالات، يتوقع منهم ذلك، كما هو الحال في ألمانيا الغربية، حيث يتوقع سوق الترجمة أن يترجم المترجمون في كلتا الاتجاهين (Kiraly, 1995: 17-18). وفيما يتعلق بتدريب المترجمين، فإن هذا يطرح عددا من الأسئلة لأنه، كما يجادل كيرالي نفسه:

من الأهمية بمكان في مجال تدريب المترجمين أن نسأل عما إذا كان من المتوقع أن يترجم المترجمون المهنيون واقعيا إلى لغة أجنبية؛ وما إذا كانت المهارات المتضمنة في كلا الاتجاهين هي نفسها؛ وما إذا كان يمكن تدريب المهارات التي ينطوي عليها هذا النوع من أنشطة الترجمة بنفس الطريقة التي تُدرب بها المهارات المتضمنة في الترجمة إلى اللغة الأم (المرجع نفسه).

ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن المهارة الأساسية ستكون هي نفسها في كلا الاتجاهين، ولكن الشرط الأساسي لوجود معرفة عميقة باللغة الثانية سيصبح حتما قضية حساسة أكثر إذا كان الأمر يتعلق بالحاجة إلى الكتابة بها، حيث يتبادر إلى الذهن كلمات جيسبرسن التي اقتبسناها أعلاه.

تحديث المناهج التعليمية

لقد أدى البحث عن المناهج الجديدة وطرق التدريس الجديدة التي تعد الطلاب حقا لعالم الترجمة المهنية الحقيقي إلى عدد من المبادرات التي تشمل مشاركة المترجمين المحترفين في عملية التدريس وتطوير تقنيات التقييم التي توفر تقييم مُرضي للنصوص المترجمة. وقد أخذت كلا الجانبين في الاعتبار في جامعة ليل 3 (University of Lille 3) عن طريق إنشاء مقياس تقديري لتقييم الترجمة في حين تسعى “لتوحيد المعايير المطبقة تقليديا في سياق دورات الترجمة الجامعية وتلك المعايير التي تعتبر ملائمة على نطاق واسع من قبل المتخصصين في الترجمة عندما يسعون إلى توظيف مترجمين موثوقين أدائهم عالي” (Delizée, 2011,  استشهد به في Ilse Depraetere (ed.) : 20).

وقد أشارت ماري سنيل هورنبي في وصفها للدورة التدريبية في معهد الترجمة والترجمة الشفوية في فيينا إلى منهج مماثل، إلى تحديث المناهج الدراسية الحالية، والتخطيط لمنهج مستقبلي. والمفتاح في البرامج المستقبلية هو المرونة التي تعني أساسا نهجا معياريا. الأمل هو خلق مترجم مستقبلي يكون “خبيرا متعدد الثقافات” (Snell-Hornby, 1992 استشهد به في Cay Dollerup and Anne Loddegaard: 22).

المفهوم الأساسي في التعليم العالي الذي يجب عدم نسيانه الآن هو القابلية للتوظيف، والذي يهدف إلى تمكين الناس من الوصول إلى المهارات التي يحتاجونها لكسب والاحتفاظ بوظيفة مقنعة أو الانتقال إلى وظيفة جديدة أفضل” (انظر Chouc and Calvo, 2010). ويصف المؤلفون في ورقتهم كيف يمكن إدراج القابلية للتوظيف في مناهج الترجمة لجامعتين بريطانية وإسبانية: جامعة هيريوت وات (Heriot-Watt University) في إدنبرة، وجامعة بابلو دي أولافيد (Universidad Pablo de Olavide) في إشبيلية، وكيف يمكن مساعدتهما من خلال المعارض المهنية، ومواقع الانترنت، والروابط مع المهنيين ، أي جلب المترجمين المحترفين إلى الجامعة. الهدف في نهاية المطاف هو بناء “الجسور بين الأوساط الأكاديمية وأماكن العمل”.

ومن بين الحماس للمناهج والتقنيات الجديدة، قامت ستيوارت كامبل وساندرا هيل بإجراء دراسة وصفا فيها نظام التقييم في عدد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم، وانتقدا نقص التوحيد فيما يتعلق بطول النصوص المترجمة، والوقت المسموح به أو حتى مقاييس التقييم (Campbell and Hale, 2003، في Gunilla Anderman and Margaret Rodgers (eds.),، ص 208-211).

الجانب الأخير الذي يجب ذكره فيما يتعلق باتصال المترجمين المحترفين مع المتدربين في الترجمة هو استخدام ما يسمى بروتوكولات التفكير بصوت عال، وهي تقنية أُدخلت في مجال الترجمة من علم النفس والعلوم الاجتماعية. ونظرا لأهميتها في العملية المعرفية، فسوف نناقشها في القسم الأخير من هذا الفصل.

بروتوكولات التفكير بصوت علي كأداة تعليمية

لقد حاول المتخصصون في دراسات الترجمة دائما أن يبرزوا بوضوح الفرق بين الترجمة كمنتج والترجمة كعملية. الصعوبة الحقيقية تكمن في حقيقة أن الترجمة كمنتج، أي النص الهدف المترجم أو النهائي، موجود هناك بالنسبة لنا، بالأبيض والأسود، وجاهز للمقارنة مع النص المصدر حتى نتمكن من اتخاذ قرار بشأن مدى كون المترجم جيدا أو سيئا، بينما الجانب المثير للاهتمام حقا هو معرفة السبب والكيفية التي وصل بها المترجم إلى قراره النهائي. ونحن نعلم جميعا أن صنع القرار هو جزء جوهري من الترجمة، ولكن لماذا يتخذ مترجم ما قرارا محددا في قضية معينة؟ وهل كان قرارا سهلا، وربما تلقائيا، أم أنه كان قرارا صعبا، أو حتى مؤلما؟

وفي محاولة لاكتشاف ما يحدث في عقل المترجم أثناء عملية تحويل نص مصدر إلى نص هدف، والاستفادة منه كمساعدة عملية في تدريب المترجمين المستقبليين، لجأ المعلمين في الدوائر الأكاديمية مؤخرا نسبيا إلى عقد جلسات “بروتوكولات التفكير بصوت عال” التي يطلب فيها من مترجم محترف ترجمة نص، قائلا بصوت عال، أثناء ترجمته، كل ما يجول في عقله خلال عملية التوصل إلى قرار نهائي فيما يتعلق بترجمة كلمة أو عبارة أو جملة كاملة. وقد يُسمح للمستمعين بطرح الأسئلة، على الرغم من أن المترجم عادة ما يترك في سلام، ويتم تسجيل أدائه بحيث يمكن مناقشة نقاط محددة في نهاية الجلسة.

على الرغم من أن جلسات بروتوكولات التفكير بصوت عالي تميل إلى أن تعتبر مفيدة، على الأقل في سياق عملي، لا يعتقد الجميع أنها تمثل الإجابة الحقيقية على مسألة الترجمة كعملية. وذلك لسبب واحد، وهو أن التفكير بصوت عالي حول الشيء الذي يتم القيام به علنا، والقيام بذلك في خصوصية المرء لا يمثلان نفس الشيء بالضبط (على افتراض أن المترجم الذي كان يستخدم كحقل تجارب يفكر بصوت عال عندما يعمل لوحده). وأيضا، سواء في العلن أو في خصوصية، بروتوكولات التفكير بصوت عالي، وفقا لبعض العلماء، لا تعبر بالضرورة عن كل ما يدور في عقل المترجم. ومن المعروف أن الفكر أسرع بكثير من الكلام، ولذلك فقد تكون الأفكار قد استهلكت فيما دون وعي المترجم، وهو ما لا يتم التعبير عنه بطريقة صريحة.

وهناك أيضا الإجراءات العملية للتأكد من أن البيانات التي تم جمعها عن طريق بروتوكولات التفكير بصوت عالي قد تم الحصول عليها في ظل ظروف تجريبية صارمة جدا، وأن هناك معايرة حقيقية في تقييم النتائج. ففي مقالها الشامل، ناقشت سيلفيا برنارديني (Bernardini, 2001) ، مشاكل “بعض المراحل البدائية” التي لا يزال يستخدم فيها تحليل بروتوكولات التفكير بصوت عال، حيث بينت أنها مجهدة جدا، وتتطلب مجربين، وبمجرد أن تصمم التجربة ويتم تنفيذها، تتطلب نسخ وترميز النصوص بشكل مناسب قبل أن نتمكن من البدء في التحليل.

هذه المرحلة المتوسطة تستغرق وقتا طويلا ولا تبدو مجزية خصوصا في البداية. لهذا السبب، يبدو أن هناك ميلا لدى الباحثين للكتابة بسرعة، ومن ثم التقدم بسرعة إلى ترميز السمات الأكثر وضوحا ذات الصلة بفرضياتهم. وهذه ممارسة مفهومة ولكنها مؤسفة. ((Bernardini, 2001: 256.

ومهما كانت وجهة نظر المرء فيما يتعلق بموثوقية بروتوكولات التفكير بصوت عالي، فلا شك في أنها مساهمة مفيدة في وعي الطلاب لما ينطوي عليه فعل الترجمة. لقد تم استخدام هذه البروتوكولات من قبل ماريا سانشيز في الفصل واصفة إياها بالترجمة البطيئة، وجادلت بأن نتائجها كانت دائما إيجابية. كما أعطت مثالا كاملا على “الترجمة كعملية والترجمة كصنع قرار”، حيث حاولت التعامل بشكل شامل مع كل ترجمة ممكنة، ووجدت أنه حتى لو أننا وضعنا جانبا المنتج النهائي لبضعة أيام، فإننا لا نستطيع تحسينه بأي شكل من الأشكال، وسيكون فقط أحد النسخ الممكنة (Sánchez, 2009: 233-44). وبالمناسبة، هذا يعتبر أيضا تذكير جيد بأن النص النهائي سيتم الحكم عليه في نهاية المطاف بتطبيق المعايير الفنية، وليس العلمية.

 الخلاصة

منذ بداية القرن الحالي، كان البحث عن مناهج جديدة ومنهجية تدريس جديدة سمة مميزة من سمات الإدارات الجامعية التي تدرس درجة الماجستير في الترجمة. إن ما يمكن للمرء أن يسميه تقريبا الحماس لضمان أن ما يحدث في الفصول الدراسية هو انعكاس صحيح للعالم الحقيقي، أدى إلى تطوير أشياء مثل مناهج وحدات أوسع، وادخال المترجمين المحترفين إلى الجامعة، ومحاولة الحصول على فهم دقيق للترجمة كعملية عن طريق اعتماد تقنيات مثل ما يسمى “بروتوكولات التفكير بصوت عال”. وهذا ليس مفاجئا، بالنظر إلى أن الرغبة في تكوين المهنيين المؤهلين بشكل صحيح قد تزامن مع محاولة ضمان إمكانية التوظيف لأولئك الذين ينهون تدريبهم بنجاح. إن القابلية للتوظيف هي في الواقع كلمة رئيسية، وكما يقول تشوك وكالفو، “فإن المفهوم يشكل الدور والوضع الاجتماعي للجامعات بكلمة معولمة ومهيجة” (Chouc and Calvo, 2010: 71).

على المستوى الأوروبي، تم التعامل مع تدريب الخريجين في المستقبل على نطاق واسع في سلسلة من التوصيات للجامعات في دراسة نشرتها المديرية العامة للتربية والثقافة في المفوضية الأوروبية في عام 2005. وكانت التوصيات واضحة، ويمكن تلخيصها في جانبين: تحسين المناهج الدراسية وضمان فترة من الخبرة في العمل بعيدا عن الجامعة. أما على المستوى المحلي، فلم نرى في أقسام الترجمة في الجامعات الليبية أي برامج من هذا النوع، سواء الاستفادة من المترجمين المحترفين في تعليم الترجمة أو حتى تحسين المناهج الدراسية لضمان فترة من الخبرة العملية قبل التخرج.

يبدو إذن أن المستقبل القريب مثيرا إذا أخذنا في اعتبارنا ما آلت إليه النظرة الجديدة لمهنة الترجمة. هل سيكون مترجم الغد المحترف، كما وصفته ماري سنيل هورنبي، مجرد متخصص لغة أو ’خبير متعدد الثقافات‘؟ وهل ستطور الموارد التقنية والعلمية المتاحة في الوقت الحاضر أدوات أكثر تطورا لتحليل العمليات المعرفية التي نحاول الآن اكتشافها عن طريق تجارب بروتوكولات التفكير بصوت عال، مثلا؟ سيكون لدى فرع دراسات الترجمة التطبيقية الذي يتضمن التدريس والتعلم في أقسام الجامعات التي تدرب المترجمين المستقبليين مستقبل باهر إذا ما كانت ‘القابلية للتوظيف’ تعني حقا أن هناك دمج كامل لأنشطة الفصول الدراسية مع ‘العالم الحقيقي’ بحلول وقت ترك الطلاب الجامعة والانضمام إلى عالم مألوف لهم بالفعل.

المراجع

Bassnett, S. (2007). ‘Culture and Translation’, in A Companion to Translation Studies edited by Piotr Kuhiwczak and Karin Littau. Clevedon, Buffalo, Toronto: Multilingual Matters Ltd., pp. 13-23.

Bernardini, S (2001). ‘Think-aloud protocols in translation research. Achievements, limits, future prospects’. Target 13:2, pp. 241-63.

Boase-Beier, Jean (2011). A Critical Introduction to Translation Studies. London and NewYork: Continuum International Publishing Group.

Bravo Utrera, Sonia (2004). La traducción en los sistemas culturales. Universidad de Las Palmas de Gran Canaria.

Campbell, Stuart, and Sandra Hale (2003). ‘Translation and Interpreting Assessment in the Context of Educational Measurement’, in Gunilla Anderman and Margaret Rogers (eds.), Translation Today. Trends and Perspectives. Cleveden, Buffalo, Toronto, Sydney: Multilingual Matters Ltd., pp. 208-11.

Cary, Edmond (1986). Comment faut-il traduire? Presses Universitaires de Lille.

Catford, J.C. (1965). A Linguistic Theory of Translation. London: O.U.P.

Chouc, Fanny, and Elisa Calvo (2010). ‘Embedding employability in the curriculum and building bridges between academia and the work-place: a critical analysis of two approaches’, in La Linterna del Traductor. ASETRAD, no. 4, December 2010, pp. 71-86.

Delizée, Anne (2011). ‘A global rating scale for the summative assessment of pragmatic translation at Master’s level: an attempt to combine academic and professional criteria’, in Ilse Depraetere (ed.), Perspectives on Translation Quality. Berlin/Boston: Walter de Gruyter GmbH & Co. KG, pp. 9-23.

Jespersen, Otto (1961 [1904]). How to Teach a Foreign Language. London: George Allen &Unwin Ltd.

Kiraly, Donald C. (1995). Pathways to Translation Pedagogy and Process. Kent, Ohio, and London: The Kent State University Press.

Nida, Eugene A. and Charles R. Taber (1969). The Theory and Practice of Translation. Leiden: E.J. Brill.

Sánchez, María T. (2009). The Problems of Literary Translation. Bern: Peter Lang AG International Academic Publishers.

Sanchez, M. (2017). The Pragmatics of Translator Training in the 21st Century. International Journal of English Language & Translation Studies. 5(2), 81-85.

Sewell, Penelope (1996). ‘Translation in the Curriculum’, in Teaching Translation in Universities, edited by Penelope Sewell and Ian Higgins: CILT.

Smith, Monika (2007). ‘Turning Language Students into Translators: what do they need to learn?’ in Across Boundaries. International Perspectives in Translation Studies, edited by Dorothy Kenny and Kyongjoo Ryou. Newcastle: Cambridge Scholars Publishing, pp. 143-60.

Snell-Hornby, Mary (1992). ‘The professional translator of tomorrow: language specialist or all-round expert?, in Teaching Translation and Interpreting, edited by Cay Dollerup and Anne Laddegaard. Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins Publishing Company, pp. 9-22.

Van Hoof, Henri (1962). Théorie et pratique de l’interprétation. München: Max Hueber.

Venuti, Lawrence (1995). The Translator’s Invisibility. London and New York: Routledge.

nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
الغرض من هذا الدليل تنظيم ورقات البحث في العلوم الاجتماعية…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة