تخطى إلى المحتوى

علم اللغة العصبي

علم اللغة العصبي (Neurolinguistics) هو دراسة العلاقات بين اللغة والدماغ. هدفه النهائي هو فهم وتفسير الأسس العصبية لمعرفة اللغة واستخدامها. إن علم اللغة العصبي بطبيعته مشروع متعدد التخصصات، وهو يمتد عبر الحدود بين علم اللغة والتخصصات الأخرى المرتبطة بدراسة العقل / الدماغ (علم النفس المعرفي بشكل رئيسي ، علم النفس العصبي وعلم الأعصاب الإدراكي). من وجهة نظر علم الأعصاب، يركز علم اللغة العصبي على كيفية تصرف الدماغ في العمليات اللغوية، في كل من الظروف الصحية والمرضية؛ ومن وجهة النظر اللغوية، يهدف علماء علم اللغة العصبي الجدد إلى توضيح كيف يمكن استنباط تراكيب اللغة في الدماغ، أي كيف يتم تمثيل وتأسيس النماذج والقواعد المعروضة في اللغات البشرية في الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، فإن علم اللغة العصبي له تأثير سريري أساسي لتقييم وعلاج المرضى الذين يعانون من فقدان القدرة على الكلام وأمراض اللغة الأخرى.

تم تأسيس المجال رسميا من قبل طبيب الأعصاب في القرن التاسع عشر بول بروكا (Paul Broca) بملاحظاته عن العلاقة بين اضطراب اللغة وتلف الدماغ. منذ ذلك الحين ، استند أكثر من 100 عام من البحث في تنظيم اللغة في الدماغ إلى نهج عجز الضرر ، من منظور توطيني. تم استنباط أهمية منطقة الدماغ من خلال مراقبة العجز بعد الضرر في منطقة الدماغ ، وتم التحقق من التوطين الدقيق للضرر من خلال الفحص بعد الوفاة. طور ت فترة البحث في فقدان القدرة على الكلام (aphasiological era) نموذجًا وظيفيًا لإنتاج اللغة وفهمها، سلط الضوء على دور المناطق الأمامية والزمنية (والصلات بينها) في النصف الأيسر من الدماغ، وهو نموذج مازال يرشد التشخيص والبحث حتى الآن. بدأت حالة المعرفة في التغير في التسعينيات، مع ظهور منهجيات جديدة للاستكشاف العملي للدماغ الحي. من الممكن اليوم تحديد المناطق الدماغية المشاركة في الأداء الحاصل لمهمة لغوية محددة، وربط نشاط الدماغ بمراحل معالجة محددة تتكشف بمرور الوقت. كما تم توسيع مجال علم اللغة العصبي بشكل كبير بمساهمة تقنيات التصوير العصبي الوظيفية وعلم الوظائف العصبية، جنبا إلى جنب مع التقدم الكبير في الأبحاث السريرية. فمن ناحية، يخضع النموذج الأصلي للغة في الدماغ لعملية مراجعة، والتي تؤكد على دور الشبكات الدماغية الموزعة، بدلاً من مناطق معزولة محددة، مع وجود اختلافات في المشاركة الإقليمية والترتيب النسبي للتوظيف المرتبط بوظائف فرعية معينة. ومن ناحية أخرى، بدأ الباحثون في التحقيق في الأسئلة الأكثر دقة من ثنائية الإنتاج والفهم ، واقتربوا من تمثيل مكونات مثل علم الأصوات، التركيب اللغوي، علم الدلالة ، وحديثا البراجماتية.

في حين أن الحقل قديم نسبيا ويمكن إرجاعه إلى القرن التاسع عشر ، فإن مصطلح ‘علم اللغة العصبي’ حديث العهد. خلال فترة البحث في فقدان القدرة على الكلام، كان ما نطلق عليه الآن علم اللغة العصبي مترسخًا في علم الأعصاب، وبالتالي افتقر إلى توصيف محدد. بعد أواخر الستينات من القرن العشرين، جذبت دراسة العلاقات بين اللغة والدماغ اهتمام علماء اللغة، مما أدى إلى تعزيز تداول هذا المصطلح. ربما كان رومان جاكوبسون (Roman Jakobson) أول عالم لغوي يدرك الأهمية المحتملة للبحوث العصبية اللغوية للنظريات اللغوية. أشار جاكوبسون إلى أهمية فقدان القدرة على الكلام لفهم كيفية تأصيل اللغة في الدماغ السليم ، ولتأكيد أو عدم تأكيد النماذج النحوية النابعة من علم اللغة النظري (Jakobson, 1941). شهد عام 1985 ولادة مجلة علم اللغة العصبي (Journal of Neurolinguistics)، والتي تم تقديمها على أنها ‘المجلة الأولى والوحيدة التي تحمل اسم هذا المجال الجديد والسريع التطور الذي يطلق عليه علم اللغة العصبي’ و’المجلة الوحيدة المعنية بتقاطع علم الأعصاب وعلم اللغة، وهو عالم متعدد التخصصات يأخذ على عاتقه استكشاف وظائف الدماغ في السلوك والخبرة اللغوية’ (Whitaker, 1985). الآن، أصبح مصطلح علم اللغة العصبي شائعًا، ويقف بجانب أسماء أخرى، من بينها ‘علم أعصاب اللغة’ (neuroscience of language) و ‘علم أحياء اللغة العصبي’ (neurobiology of language)، اعتمادًا على التركيز الموضوع إما على المنظور اللغوي أو على المنظور العصبي.

يقدم هذا القسم لمحة عما ينطوي عليه علم اللغة العصبي، والرؤى المختلفة حول العلاقة بين الدماغ واللغة، ويتعرض الأسئلة المركزية التي يحاول علم اللغة العصبي أن يجيب  عليها. يحدد هذا القسم نطاق علم اللغة العصبي بتعريفه كدراسة للعلاقة بين الدماغ واللغة. ويذكر بعض التعاريف المقدمة والأسئلة المركزية التي أثارها كبار الباحثين في المجال، مثل التركيز على معالجة اللغة، وإشراك النماذج اللغوية النفسية التنبئية والتوضيحية، والدراسات التجريبية، والمحاكاة الحاسوبية، وقياس نشاط الدماغ أثناء المهام اللغوية. كما تم التأكيد على المكانة المركزية لدراسات علم الأمراض اللغوية بعد تلف الدماغ (فقدان القدرة على الكلام والاضطرابات ذات الصلة) والمسائل ذات الصلة بتطور اللغة في الأنواع والفرد البشري. كما تم تحديد التخصصات الرئيسية المساهمة التي تشمل علم اللغة، العلوم العصبية الطبية، علم النفس، وعلم أمراض النطق واللغة.

إن هذا القسم يوفر لمحة موجزة عما ينطوي عليه علم اللغة العصبي، والرؤى المختلفة حول العلاقة بين الدماغ واللغة، ويستعرض الأسئلة المركزية التي يحاول علم اللغة العصبي أن يجيب  عليها. وبالتحديد فإن هذا القسم يجيب على الأسئلة التالية:

  • ما هو مدرج في علم اللغة العصبي ؟
  • رؤى مختلفة حول العلاقة بين الدماغ واللغة
  • الأسئلة المركزية في علم اللغة العصبي

ما هو علم اللغة العصبي (Neurolinguistics)؟

يدرس علم اللغة العصبي علاقة اللغة والتواصل بالعناصر المختلفة لوظائف الدماغ، وبعبارة أخرى فهو يحاول أن يستكشف كيفية فهم الدماغ للغة والتواصل وانتاجهما. وهذا ينطوي على محاولة الجمع بين النظرية العصبية / الجسدية العصبية (كيف يتم تنظيم الدماغ وكيفية عمله) والنظرية اللغوية (كيف يتم تنظيم اللغة وكيف تعمل). وبصرف النظر عن علم الأعصاب وعلم اللغة، فإن علم النفس هو تخصص مصدري أساسي آخر لعلم اللغة العصبي. لدى علم اللغة العصبي علاقة وثيقة بعلم اللغة النفسي، لكنه يركز أكثر على دراسات الدماغ. ربما تكون الدراسات حول اللغة والاتصال بعد تلف الدماغ هي أكثر أنواع الدراسات شيوعا في علم اللغة العصبي. ومع ذلك، فإن التجارب، وبناء النماذج، والمحاكاة الحاسوبية، ودراسات التصوير العصبي هي أيضًا من الأساليب المستخدمة كثيرًا اليوم.

من أجل تحديد النماذج والأطر الملائمة لعلم اللغة العصبي، دعونا أولاً نحاول تحديد مجال البحث هذا. لقد تمت معالجة الأسئلة الرئيسية التي تهم علم اللغة العصبي (انظر القسم الذي يحمل هذا العنوان أدناه) لأول مرة منذ فترة طويلة. كانت هناك فترة من التركيز المكثف في أواخر القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الحين، أصبحت محورية للباحثين في العديد من التخصصات. أصبح ‘علم اللغة العصبي’ مصطلحًا ثابتًا للحقل في الستينيات، تحت تأثير ثورة تشومسكي في علم اللغة وتطور علم اللغة النفسي كحقل محدد. لقد تم وصف موضوع علم اللغة العصبي في مقدمة سلسلة المجلدات المعروفة باسم ‘دراسات في علم اللغة العصبي’ (Studies in Neurolinguistics)، والتي قام بتحريرها ويتاكر وويتيكر (Whitaker and Whitaker) في السبعينيات، على النحو التالي: على الرغم من أن مجال علم اللغة العصبي متعدد التخصصات بشكل صريح، إلا أن هناك موضوعًا مشتركًا للعلاقات بين اللغة والدماغ (Whitaker & Whitaker, 1976, p. xi).

يمكن العثور على وصف مماثل، على الرغم من أنه يركز بشكل أكبر على الجوانب الوظيفية، في الوصف التمهيدي لمجلة اللغة والدماغ (Brain and Language)، التي تعتبر واحدة من أكثر الدوريات تأثيراً في هذا المجال:

اللغة البشرية أو التواصل (الكلام ، السمع ، القراءة ، الكتابة ، أو الطرائق غير اللفظية) المتعلقة بأي جانب من الدماغ أو وظائف الدماغ (Brain and Language: “Description”).

المشكلة الشائعة في ربط جوانب اللغة أو التواصل بوظيفة الدماغ في هذه الصيغة الديناميكية، تطرحها لوريا (Luria) في المشاكل الأساسية في اللغويات العصبية (Basic problems in neurolinguistics): ما هي العمليات الحقيقية لتشكيل التواصل اللفظي وفهمها، وما هي مكونات هذه العمليات والظروف التي تجري فيها (Luria, 1976, p. 3).

تعدد التخصصات في الحقل

العديد من التخصصات التي تتعامل مع علم اللفة العصبي توفر مصدر إلهام وطاقة للمجال، فهي تقدم العديد من أنواع البيانات والنظريات والنماذج للبحث.

وصف محررو دراسات في علم اللغة العصبي في السبعينيات السلسلة بأنها ‘غير متجانسة سواء في المنظور النظري أو في التغطية الموضعية’ وادعوا أن التخصص في ذلك الوقت ‘لا يعمل في إطار نموذج موحد ولم يكن هناك عدد قليل من مجالات البحث المحددة بدقة’ (Whitaker & Whitaker, 1976, p. xi). كما أشاروا أيضا إلى خلافات كبيرة بين الباحثين في هذا المجال. ومع ذلك، فإنهم يذكرون أيضًا الجانب الإيجابي لعدم التجانس: غنى وتنوع الأفكار وحقيقة أن ‘محاولات التجميع يجب أن تأخذ في الاعتبار العديد من أنواع البيانات المتنوعة’ (Whitaker & Whitaker, 1977, p. xi). بالنسبة إلى هذه النقاط، يجب أن نضيف أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط البيانات، ولكن أيضًا النظريات والصيغ والنماذج والأطر من تخصصات مختلفة، وأن التجميع يبدو ضروريًا في هذا المجال المتنوع، وأن التنوع، في الوقت نفسه، يزيد بالضرورة مع زيادة التخصص.

ولكن أي تخصصات يجب أن تؤخذ في الاعتبار في علم اللغة العصبي؟ تبين مجلة الدماغ واللغة على أن تركيزها متعدد التخصصات ويشمل مجالات علم اللغة، وعلم تشريح الأعصاب (Neuroanatomy)، وعلم الأعصاب ، وعلم وظائف الأعصاب (Neurophysiology)، والفلسفة، وعلم النفس، والطب النفسي، وعلم أمراض النطق، وعلوم الحاسوب. قد تكون هذه التخصصات هي الأكثر مشاركة في علم اللغة العصبي، ولكن العديد من التخصصات الأخرى لها أيضا ذات صلة كبيرة، حيث ساهمت في النظريات والأساليب والنتائج في علم اللغة العصبي. وهي تشمل البيولوجيا العصبية والأنثروبولوجيا والكيمياء والعلوم المعرفية والذكاء الاصطناعي. وهكذا، فإن جميع العلوم الإنسانية ، والعلوم الطبية والطبيعية والاجتماعية ، وكذلك التكنولوجيا يتم تمثيلها في علم اللغة العصبي.

رؤى مختلفة حول العلاقة بين الدماغ واللغة

هناك عدد من وجهات النظر المختلفة حول العلاقة بين الدماغ واللغة موجودة وما زالت قائمة. وفيما يلي نذكر بعض من تلك التي كان لها تأثير كبير.

تحاول الاقليمية (Localism) ايجاد مواقع أو مراكز في الدماغ لوظائف لغوية مختلفة. تضع الترابطية (Associationism) وظائف اللغة في العلاقات بين المناطق الدماغ المختلفة، مما يجعل من الممكن ربط، على سبيل المثال ، تصورات الحواس المتقاربة بالكلمات و / أو ‘المفاهيم’. يفترض التوطين الديناميكي للوظيفة أن الأنظمة الوظيفية للوظائف الفرعية المحلية تؤدي وظائف اللغة. هذه الأنظمة ديناميكية، وبالتالي يمكن إعادة تنظيمها أثناء تطور اللغة أو بعد حدوث ضرر في الدماغ. تعتبر النظريات الشمولية (Holistic theories) أن العديد من وظائف اللغة تقوم بها مناطق منتشرة في الدماغ تعمل معا. تؤكد النظريات المستندة إلى التطور (Evolution-based theories) على العلاقة بين كيفية تطور الدماغ واللغة مع مرور الوقت في الأنواع المختلفة، وكيفية تطورها عند الأطفال، وكيفية أداء البالغين للوظائف اللغوية.

الأسئلة المركزية في علم اللغة العصبي

تتمثل بعض الأسئلة المركزية لعلم اللغة العصبي فيما يلي:

  • ماذا يحدث للغة والتواصل بعد أنواع مختلفة من تلف الدماغ؟
  • كيف تطورت القدرة على التواصل والقدرة على استخدام اللغة مع تطور الأنواع؟ كيف يمكننا ربط هذا التطور بتطور الدماغ؟
  • كيف يتعلم الأطفال التواصل واستخدام اللغة؟ كيف يمكننا ربط اكتسابهم للغة بتطور أدمغتهم؟
  • كيف يمكننا قياس وتصور عمليات الدماغ التي تشارك في اللغة والتواصل؟
  • كيف يمكننا عمل نماذج جيدة للغة وعمليات التواصل التي ستساعدنا على تفسير الظواهر اللغوية التي ندرسها؟
  • كيف يمكننا إجراء محاكاة حاسوبية لمعالجة اللفة، وتطور اللغة، وفقدان اللغة؟
  • كيف يمكننا تصميم التجارب التي تسمح لنا باختبار نماذجنا وفرضياتنا حول معالجة اللغة؟

يحتل السؤال الأول أعلاه مكانًا خاصًا في علم اللغة العصبي. يتم تعريف فقدان القدرة على الكلام (Aphasia) بأنه فقدان اللغة بسبب تلف الدماغ. يمكن أن يكون السبب، على سبيل المثال، احتشاء (انسداد الأوعية الدموية في الدماغ)، نزيف (انفجار في الأوعية الدموية)، أو رضوض في الرأس. أثر الضرر هو التغيّر في فهم و / أو إنتاج اللغة. من خلال دراسة هذه التغييرات، يمكننا دراسة كيفية عمل الأنظمة الوظيفية المرتبطة باللغة وأي هياكل الدماغ مشاركة فيها. لقد درس الناس دائمًا فقدان القدرات المتنوعة من أجل رسم خريطة وظائف الدماغ. عندما يتعلق الأمر بالقدرات المعرفية الأعلى، مثل اللغة، فإن هذا يطرح العديد من المشاكل، ولكن البيانات المكتسبة من دراسات فقدان القدرة على الكلام لها نفس درجة الموثوقية تقريبًا مثل البيانات التي تم الحصول عليها بالطرق الأخرى لعلم اللغة العصبي. علم فقدان القدرة على الكلام (Linguistic Aphasiology) هو الفرع السائد في علم اللغة العصبي. فقدان القدرة على الكلام هو اضطراب لغوي مكتسب، وغالبا ما يعرف بأنه ضرر البؤرة (أي ضرر واحدة أو أكثر من المناطق المحددة). كما تنتج الاضطرابات المكتسبة عن الأمراض العصبية التدريجية، مثل الخرف (dementias). ترتبط اللغة والذاكرة ارتباطًا وثيقًا وتترابط، خاصة في الوظائف الإدراكية المعقدة الأعلى.

ليس فقط اضطرابات اللغة المكتسبة، ولكن أيضا أضرار اللغة النشوئية، أي، الاضطرابات التي توجد في الأطفال الذين لم يعانوا من أي ضرر محدد، تعتبر ذات أهمية لعلم اللغة العصبي. إن المناهج اللغوية العصبية للاضطرابات اللغوية النشوئية، مثل اضطراب اللغة المحدد (specific language disorder)، ومشاكل القراءة والكتابة النشوئية، بما في ذلك عسر القراءة (dyslexia)، تقارن عادة هذه الحالات بالاضطرابات المكتسبة المماثلة، مع مراعاة الظروف الخاصة لاكتساب اللغة واللدونة ( القدرة على أن تكون مقولبة) لأدمغة الشباب. يدرس علماء علم اللغة العصبي أيضًا تطور اللغة لدى الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نشوئية غير محددة.

إن دراسة تطور اللغة والكلام والمتطلبات الأساسية للغة والكلام في تطور الأنواع تحتاج أيضا إلى النظر فيها من قِبل أخصائيي علم اللغة العصبي. تتم مقارنة التغيرات في هياكل ووظائف الدماغ بأساليب عيش الأنواع المتباينة. تتم دراسة أنظمة الاتصال الحيوانية في ظل الظروف الطبيعية، وخاصة تلك التي لدى القرود، حيث يتم إجراء التجارب على القرود التي يتم تعليمها أنظمة الاتصالات البشرية.

بالنسبة لعالم علم اللغة العصبي، هناك مصدر أساسي للمعرفة وهو إمكانية قياس نشاط الدماغ أثناء المهام اللغوية في الأدمغة الطبيعية والمتضررة. الصور الثابتة للدماغ، حيث يمكن رؤية مواقع الضرر، مثل فحص التصوير المقطعي بالحاسوب (computer tomography scan or CT scan)، الذي يبني صورة ثلاثية الأبعاد للضرر من الأشعة السينية للعديد من طبقات الدماغ، أو التصوير بالرنين المغناطيسي (magnetic resonance image or MRI) تعتبر معلومات قياسية في المستشفيات اليوم. إن قياس النشاط الديناميكي في الدماغ أثناء المهام اللغوية من خلال طرق مثل تخطيط الدماغ الكهربي (electroencephalography or EEG)، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (positron emission tomography or PET)، والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (magnetic encephalography or fMRI)، وتصوير الدماغ المغناطيسي (magnetic encephalography or MEG) يعتبر أداة هامة للبحث.

يوفر علم اللغة النفسي، الذي غالباً ما يكون مصحوبًا بمعلومات حول نشاط الدماغ في المناطق المختلفة من الدماغ، الأساس للنمذجة العصبية اللغوية لعمليات فهم اللغة، والذاكرة اللغوية، وإنتاج اللغة، واكتساب اللغة، وفقدان اللغة. ويمكن أن تكون هذه النماذج أساسًا لعمليات المحاكاة الحاسوبية التي تستخدم نماذج تسلسلية (أي بشكل أساسي ‘مربعات وأسهم’)، ونماذج ذات عمليات متوازية تعمل في نفس الوقت، وترابطات بين العمليات، وحلقات ردود الفعل بين مستويات نماذج العمليات. كما يتم أيضا استخدام عمليات المحاكاة الحاسوبية التي تشمل ما يسمى ‘الشبكات العصبية الاصطناعية’ (Artificial Neural Networks or ANN) أو الشبكات الترابطية. النماذج هي أيضا أساس التجارب الغير مباشرة والمباشرة (أي مع قياس العمليات في الوقت الحقيقي) على وظائف اللغة.

الخلاصة

حدد هذا الفصل التمهيدي نطاق علم اللغة العصبي بتعريفه كدراسة للعلاقة بين الدماغ واللغة. كما ذكر بعض التعاريف المقدمة والأسئلة المركزية التي أثارها كبار الباحثين في المجال، مثل التركيز على معالجة اللغة، وإشراك النماذج اللغوية النفسية التنبئية والتوضيحية، والدراسات التجريبية، والمحاكاة الحاسوبية، وقياس نشاط الدماغ أثناء المهام اللغوية. وعلاوة على ذلك فقد تم التأكيد على المكانة المركزية لدراسات علم الأمراض اللغوية بعد تلف الدماغ (فقدان القدرة على الكلام والاضطرابات ذات الصلة) والمسائل ذات الصلة بتطور اللغة في الأنواع والفرد البشري. كما تم تحديد التخصصات الرئيسية المساهمة التي تشمل علم اللغة، العلوم العصبية الطبية، علم النفس، وعلم أمراض النطق واللغة. الفصل أيضا بإيجاز يوضح محتويات الكتاب.

nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الوسوم:
نقترح عليكم
ملخص يتفحص هذا الفصل إطارا وعرضا موجزا للعناصر الرئيسية لعلم…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة