تخطى إلى المحتوى

علم اللغة التطبيقي

ماهية علم اللغة التطبيقي (applied linguistics)؟

إن نُخبر أحدا بأنك عالم لغة تطبيقي، فسينظر إليك بحيرة. إذا توسعت في الوصف وقلت “ان هذا له علاقة بعلم اللغة”، فسيبدون في حيرة رغم ذلك. كما تعلم، اللغويات هي علم اللغة؟ آه! فأنت تتحدث الكثير من اللغات؟ حسنا، لا، العربية فقط. إذن ما الذي تقوم به فعلا؟ حسنا، أنا أنظر في كيفية اكتساب الناس اللغات، وكيف يمكننا أن نعلّم اللغات بشكل أفضل. وفي النهاية  يبزغ بصيص  نور ويخبرك  عن تجربته السيئة عندما كان يدرس الانجليزية في المدرسة.

المشكلة هي أن علماء علم اللغة التطبيقي أنفسهم ليس لديهم أفكار أكثر وضوحا حول مكونات التخصص. وهم يجادلون حول ما إذا كان لديه بالضرورة أي علاقة بتدريس اللغة أو اللسانيات، وما إذا كان يتضمن الوصف الفعلي للغة. كل هذه الآراء الموجودة بين علماء علم اللغة التطبيقي تنعكس في برامج الدراسات العليا المتاحة في الجامعات البريطانية تحت عنوان علم اللغة التطبيقي (اللغويات التطبيقية).

وجهة نظر اللغويات التطبيقية حول تعليم اللغة توازي تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بلغات أخرى أو تعليم الإنجليزية كلغة أجنبية، من خلال النظر في سبل تحسين تدريس اللغة، مدعومة بدراسة أكثر صرامة للغة. الدافع هو أن التدريس الأفضل سيكون مبنيا على فهم أفضل للغة. ولكن تعليم اللغة نفسها في الجامعات البريطانية ليس ذات قيمة عالية، وغالبا ما تقوم به هيئة معاونة، لأنه لا يصلح بسهولة لهذا النوع من المنشورات البحثية التي تعتمد عليها المهن الجامعية الآن.

الارتباط الوثيق بعلم اللغة هو أيضا في غاية الأهمية. ففي أقصى احدى الطرفين، يحتاج المرء إلى أحدث الأفكار الساخنة من معهد ماساشوستس  وفقا لمبدأ أن المعلومات حول علم اللغة يجب أن تكون حديثة. كما إن النظريات اللغوية تتغير بسرعة كبيرة، حيث يكتشف الطلاب الجامعيين أن مواد سنتهم الدراسية الأولى قد أصبحت قديمة بحلول سنتهم النهائية. والامر متروك للمستخدمين النهائيين في كيفية الاستخدام العملي للأفكار، وليس علماء علم اللغة التطبيقي.

وهذا يثير مسألة ما إذا كان تخصصات أخرى لا تقل أهمية عن علم اللغة للغويات التطبيقية. يدخل علم النفس في العديد من الدورات، وكذلك التعليم، ولا سيما الأفكار حول الاختبار وحول تعلم اللغة. وبالنسبة لبعض علما علم اللغة التطبيقي فإن التخصص يعتمد على أي حقل لديه أي شيء يقوله حول تدريس اللغة أو تعلم اللغة. وبالنسبة الآخرين، فإن علم اللغة هو المصدر الوحيد للأفكار. وقد تمت الاشارة إلى هذا في وقت ما بمسألة “اللغويات التطبيقية المستقلة ‘؛ هل هي تخصص مستقل أو أحد أقارب اللغويات الفقيرة؟

وبالنسبة للبعض، فإن علم اللغة التطبيقي هو تطبيق علم اللغة النظري (اللسانيات النظرية) على البيانات الفعلية. ومن ثم فإن بناء المعاجم أو جمع “مجاميع” الملايين من الكلمات من اللغة الإنجليزية يعتبر من اللغويات التطبيقية، وكذلك أوصاف الشبكات الاجتماعية أو الفروق بين الجنسين (ولكن عادة ليست وصفا لقواعد اللغة). لقد بدى في الماضي أن اللغويات التطبيقية لا حدود لها، حيث شملت دراسة اكتساب اللغة الأولى وعلم اللغة الحاسوبي (computational linguistics). الآن نادرا ما يحضر العديد من الذين يسمون أنفسهم علماء لغة تطبيقيين مؤتمرات المنظمات العامة مثل الجمعية البريطانية لعلم اللغة التطبيقي (British Association of Applied Linguistics)، ولكنهم يذهبون إلى المؤتمرات المتخصصة أكثر مثل الرابطة الأوروبية للغة الثانية (European Second Language Association) لاكتساب اللغة الثانية  أو جمعية تطوير المواد (Materials Development Association) لبناء المواد التعليمية.

ومع ذلك، فقد أصبح علم اللغة التطبيقي، بالنسبة للكثيرين، مرادفا لاكتساب اللغة الثانية (على الرغم من أنه لم يتم ربطه باكتساب اللغة الأولى). لقد نمى البحث في  اكتساب اللغة الثانية نموا هائلا على مدى العقود الماضية. وهو يدخل في جميع المناقشات المذكورة أعلاه. ويهتم بعض الناس باكتساب اللغة في الفصول الدراسية بسبب الآثار المترتبة على التدريس؛ ويبنون في الغالب على النماذج النفسية للغة ومعالجة اللغة، وعلى النماذج الاجتماعية للتفاعل والهوية. كما يهتم آخرين باكتساب اللغة الثانية في البيئات الطبيعية. وعلى بعد آخر، يمكن أن ينظر إلى اكتساب اللغة الثانية كتوفير بيانات لاختبار النظريات اللغوية بدلا من زيادة معرفتنا باكتساب اللغة الثانية نفسه؛ ولذلك فهم يشبهون علماء اللغة الذين يستخدمون بيانات اكتساب اللغة الثانية أكثر من الباحثين في اكتساب اللغة الثانية في حد ذاته. وعلى البعد الثالث، فإن العالم اللغوي هو أكثر أو أقل انقساما بين أولئك الذين ينظرون إلى اللغة كمجموعة من الأشياء التي قالها الناس وأولئك الذين ينظرون إليها كمعرفة في أذهان الناس. يقوم بعض الباحثين في اكتساب اللغة الثانية fتحليل مجاميع كبيرة من كلام المتعلمين أو مقالاتهم، ويختبر آخرون أفكارهم بأدنى حد من البيانات. ولا يقبل أيا من الطرفين فعلا أن الآخر لديه وجهة نظر صالحة .

إذن، فعلم اللغة يعني أشياء كثيرة لكثير من الناس. إن اكتشاف ما يدور حوله كتاب أو دورة في علم اللغة التطبيقي ينطوي على قراءة الحروف الصغيرة المطبوعة لاكتشاف توجهه. سيشعر أولئك الذين لهم اهتمام بالنظرية اللغوية بالإحباط عندما يُمطرون بطرق وتقنيات التدريس. أما أولئك الذين يرغبون في التعامل مع كميات كبيرة من البيانات المنطوقة أو المكتوبة سيشعرون بخيبة أمل عند رؤيتهم أمثلة من جمل فردية أو تجربة واحدة. وبالطبع فإن الكثير من الناس يجدون بهجة غير متوقعة. فكما بين فيفيان كوك فإن أحد طلابه الذين سجلوا في برنامج دراسات عليا لكتابة مواد تعليم الإنجليزية كلغة أجنبية انتهى به الأمر بأطروحة دكتوراه وكتاب عن نظرية القابلية للتعلم. هذا لا يعني أنه لا ينبغي على معظم طلاب الدراسات العليا المحتملين أن ينظروا بعناية شديدة، على سبيل المثال، عند فحص عناوين الوحدات التي تشكل فعليا مخطط الدرجة، قبل أن يختاروا موضوع معين.

تاريخ علم اللغة التطبيقي

يشير مصطلح علم اللغة التطبيقي إلى مجموعة واسعة من الأنشطة التي تنطوي على حل بعض المشاكل المتعلقة باللغة أو معالجة بعض المسائل المتعلقة باللغة. يبدو أنه أول ما تم التعرّف على علم اللغة التطبيقي رسميا، على الأقل في أمريكا الشمالية، اعتبر مسار مستقل في جامعة ميشيغان في عام 1946. في تلك الأيام الأولى، كان يستخدم هذا المصطلح في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للإشارة إلى تطبيق ما يسمى “المنهج العلمي” في تدريس اللغات الأجنبية، بما في ذلك اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها. لقد ساعد العمل الأولي لتحسين جودة تعليم اللغة الأجنبية الذي قام به الأستاذين تشارلز فرايز (Charles Fries) من جامعة ميشيغان وروبرت لادو (Robert Lado) من جامعة ميشيغان، ثم جامعة جورج تاون، على تطوير تعريف للحقل، مثلما فعل نشر مجلة جديدة عام 1948 تحت عنوان “تعلم اللغات: مجلة فصلية لعلم اللغة التطبيقي” (Language Learning: A Quarterly Journal of Applied Linguistics).

في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، اُستخدم هذا المصطلح على نطاق واسع تدريجيا ليشمل ما كان يشار إليه باسم “الترجمة الآلية”. في عام 1964 بعد عامين من العمل التحضيري الممول من مجلس أوروبا، تأسست الرابطة الدولية لعلم اللغة التطبيقي (التي يُشار إليها عادة بالاسم المختصر الفرنسي  AILA)، وعقدت مؤتمرها الدولي الأول في نانسي، فرنسا. وتم جمع الأوراق للمؤتمر في شقين مختلفين: تدريس اللغة الأجنبية والترجمة الآلية.

علم اللغة التطبيقي اليوم

على مدى السنوات الفاصلة، واصلت بؤر الاهتمام في توسيع النطاق. اليوم، يصف المجلس الحاكم للرابطة الدولية لعلم اللغة التطبيقي علم اللغة التطبيقي بأنه وسيلة للمساعدة في حل مشاكل محددة في المجتمع؛ ويركز علم اللغة التطبيقي على مجالات عديدة ومعقدة في المجتمع تلعب فيها اللغة دور.  ويبدو أن هناك إجماع على أن الهدف هو تطبيق النتائج والتقنيات من البحوث في علم اللغة والتخصصات ذات العلاقة لحل المشاكل العملية. وبالنسبة للمراقب، فقد كان التغيير الأبرز في علم اللغة التطبيقي هو نموها السريع كحقل متعدد التخصصات. فبالإضافة إلى تدريس اللغات الأجنبية والترجمة الآلية، هناك مجموعة جزئية من المواضيع تعتبر محورية في مجال علم اللغة التطبيقي اليوم، حيث تشمل مواضيع مثل اللغة لأغراض خاصة (مثل اللغة ومشاكل الاتصالات المتعلقة بالطيران، واضطرابات اللغة، والقانون، الطب، والعلوم)، السياسة اللغوية والتخطيط، وقضايا اللغة ومحو الأمية. على سبيل المثال، بعد اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة عمل لجميع اتصالات الطيران الدولي من قبل منظمة الطيران المدني الدولية، اهتم بعض علماء اللغة التطبيقيين بفهم أنواع المشاكل اللغوية التي تحدث عند يتواصل الطيارين  ومهندسي الطيران من خلفيات مختلفة ل فيما بينهم باستخدام لغة ليست لغتهم الأصلية، وكيفية تدريبهم بشكل أفضل على التواصل باللغة الإنجليزية بفعالية أكثر.

يهتم بعض علماء اللغة التطبيقيين بمساعدة المخططين والمشرعين في البلدان على وضع وتنفيذ سياسة لغوية. على سبيل المثال يعمل المخططين في جنوب أفريقيا لتحديد ومواصلة تطوير الأدوار في التعليم والحكومة ليس فقط للغة الإنكليزية واللغة الأفريقانية، ولكن أيضا لتسع لغات أخرى يتحدث بها السكان الأصليين. ويهتم آخرين بمساعدة مجموعات تطوير حروف الكتابة، والمواد، وبرامج محو الأمية للغات غير المكتوبة سابقا. على سبيل المثال بالنسبة لكثير من لغات السكان الأصليين التي يزيد عددها عن  850 لغة في  بابوا غينيا الجديدة).

ومن ضن المواضيع الأخرى التي يهتم بها علماء اللغة التطبيقيين تطوير البرامج الأكثر فعالية الممكنة لمساعدة القادمين البالغين الجدد إلى الولايات المتحدة أو دول أخرى، حيث أن الكثير منهم تعليمه السابق محدود إن لم نقل معدوم، وتطوير معرفة القراءة والكتابة في اللغات التي سيحتاجونها للبقاء وفي الأغراض المهنية. كما يتهم علماء اللغة التطبيقيين حاليا بالقضية الواسعة للدور الأمثل للغة الأم في تعليم الطلاب المختلفين ثقافيا ولغويا، ولغة الإقناع والسياسة، وتطوير أدوات وبرامج فعالة للترجمة الفورية والترجمة المكتوبة، واختبار وتقييم اللغة.

ويعتقد أن أول كلية لعلم اللغة التطبيقي في المملكة المتحدة قد افتتحت في عام 1957 في جامعة ادنبره حيث كان رئيسها إيان كاتفورد (Ian Catford). وقد تم تأسيس أول منظمة تعليمية غير ربحية في الولايات المتحدة، وهي مركز علم اللغة التطبيقي (Center for Applied Linguistics)، في عام 1959 حيث كان أول مدير له تشارلز فيرجسون (Charles Ferguson). ولازالت مهمة مركز علم اللغة التطبيقي تتمثل في تعزيز دراسة اللغة ومساعدة الناس في تحقيق الأهداف التعليمية والمهنية، والاجتماعية من خلال التواصل الأكثر فعالية. تقوم المنظمة بمهمتها من خلال جمع ونشر المعلومات عبر مختلف دور المقاصة التي تديرها عن طريق إجراء البحوث العملية، ومن خلال تطوير مواد عملية وتدريب الأفراد مثل المدرسين والإداريين، أو غيرهم من المتخصصين في الموارد البشرية لاستخدامها في الحد من الحواجز التي يمكن أن تشكلها الإجادة المحدودة للغة عند الأفراد  المختلفين ثقافيا ولغويا أثناء سعيهم للمشاركة الكاملة والفعالة في الفرص التعليمية أو المهنية.

فروع علم اللغة التطبيقي الرئيسية

إن علم اللغة التطبيقي مجال متعدد التخصصات من اللغويات يحدد ، ويبحث، ويقدم حلول لمشاكل الحياة الواقعية المتعلقة باللغة. وتشمل بعض المجالات الأكاديمية ذات الصلة بعلم اللغة التطبيقي التعليم، علم النفس، أبحاث التواصل، وعلم الإنسان، وعلم الاجتماع.

يعتبر علم اللغة التطبيقي مجال متعدد التخصصات من حقل علم اللغة. وتشمل فروعه الرئيسية نائية اللغة (Bilingualism) وتعددها (Multilingualism)، وتحليل المحادثة (Conversation Analysis)، واللغويات المقارنة (Contrastive Linguistics) ، وعلم لغة الإشارات (Sign Linguistics)، وتقييم اللغة (Language Assessment)، ومعرفة القراءة والكتابة، وتحليل الخطاب (Discourse Analysis)، وعلم أصول تدريس اللغة (Language Pedagogy)، واكتساب اللغة الثانية، والتخطيط والسياسة اللغوية (Language Planning and Policy)، وعلم الأسلوب (Stylistics)، والبراغماتية (Pragmatics)، وعلم اللغة الشرعي أو القضائي (Forensic linguistics)،  والترجمة. وفيما يلي بيان موجز لما تنطوي عليه بعض هذه المجالات الفرعية لعلم اللغة التطبيقي:

  • تعدد اللغات (multilingualism). يمكن أن يشير تعدد اللغات إلى واقعة استخدام الفرد لغتين (ثنائية اللغة bilingualism) أو أكثر، أو مجموعة من المتحدثين يستخدمون لغتين أو أكثر، أو بين المتحدثين بلغات مختلفة.
  • التواصل بوساطة الحاسوب (Computer-Mediated Communication). ويمكن تعريف هذا المصطلح على نطاق واسع بأنه أي شكل من أشكال التفاعل البشري عبر اثنين أو أكثر من أجهزة الحاسوب المتصلة بالشبكة. في حين أن المصطلح قد يشير عادة لتلك الاتصالات التي تحدث عبر صيغ بوساطة حاسوبية (أي، الرسائل الفورية، والبريد الإلكتروني، وغرف الدردشة)، إلا أنه تم تطبيقه على أشكال أخرى من التفاعل القائم على النص مثل الرسائل النصية (Thurlow, Lengel, & Tomic,2004). يركز البحث في مجال التواصل بوساطة الحاسوب بشكل كبير على الآثار الاجتماعية للتقنيات الاتصال المختلفة المدعومة بالحاسوب. وتشمل العديد من الدراسات الحديثة الشبكات الاجتماعية الموجودة على شبكة الإنترنت والمدعومة بالبرمجيات الاجتماعية.
  • تحليل المحادثة (Conversation analysis). وهو دراسة الحديث في التفاعل. يحاول تحليل المحادثة عموما وصف الانتظام، والتركيب والأنماط المتتابعة للتفاعل، وما إذا كان هذا مؤسسي (في المدرسة، عيادة الطبيب أو المحكمة أو في مكان آخر) أو محادثة غير رسمية. وبالتالي، استخدام مصطلح “محادثة” لتسمية هذه الحركة العلمية مضلل إذا ما تم قرائته بالمعنى الدارج، كما يفعل الكثيرين. في ضوء ذلك، حدد أحد الممارسين الرئيسيين لتحليل المحادثة، ايمانويل سكيجلوف (Emanuel Schegloff)، في الآونة الأخيرة “الكلام في التفاعل” (talk-in-interaction) كموضوع لتحليل المحادثة. ربما لهذا السبب نفسه، يعتبر البعض الآخر (على سبيل المثال، Jonathan Potter) الذين يستخدمون أساليب تحليل المحادثة أنفسهم بمحللي الخطاب (discourse analysts)، على الرغم من أن هذا المصطلح استخدم لأول مرة لتمييز الباحثون الذين يستخدمون طرق مختلفة من تحليل المحادثة (على سبيل المثال، Levinson, 1983) ، ولا يزال يحدد مجموعة من العلماء أكبر من أولئك الذين يستخدمون أساليب تحليل المحادثة فقط.

لقد تم استيحائه من علم منهج الأعراق، الذي تم تطويره في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من قبل عالم الاجتماع هارفي ساكس (Harvey Sacks)، ومن بين آخرين، رفاقه المقربين ايمانويل سكيجلوف (Emanuel Schegloff) وغيل جيفرسون (Gail Jefferson). توفي ساكس في بداية مسيرته، ولكن تم الدفاع عن عمله من قبل الآخرين في حقله، حيث أصبح تحليل المحادثة الآن قوة متأسسة في علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم اللغة، والاتصال الكلامي، وعلم النفس. وهو مؤثر بشكل خاص في اللغويات الاجتماعية التفاعلية، وتحليل الخطاب، وعلم النفس الاستطرادي، فضلا عن كونه تخصص متماسك في حد ذاته. وفي الآونة الأخيرة استخدمت تقنيات تحليل المحادثة للتحليل المتسلسل من قبل علماء الصوتيات لاستكشاف التفاصيل اللفظية للكلام.

  • تحليل الخطاب (Discourse analysis)، أو دراسات الخطاب، وهو مصطلح عام لعدد من المناهج لتحليل استخدام اللغة المكتوبة، المنطوقة أو لغة الاشارة.

ويتم تعريف مواضيع تحليل الخطاب (الخطاب، والكتابة، والحديث، والمحادثة، الحدث التواصلي، وما إلى ذلك) من حيث التسلسل المتماسك للجمل والافكار، وأفعال الكلام أو التبديل أثناء الحديث. وخلافا للكثير من اللسانيات التقليدية، لا يقوم محللي الخطاب فقط بدراسة استعمال اللغة ما وراء حدود الجملة، ولكنهم يفضلون أيضا تحليل استخدام اللغة الذي يحدث طبيعيا، وليس الأمثلة المصطنعة.

وقد استخدم تحليل الخطاب في مجموعة متنوعة من التخصصات في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك اللغويات، والأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس المعرفي وعلم النفس الاجتماعي، ودراسات الاتصال في العلاقات الدولية، ودراسات الترجمة، وكل منها يخضع للافتراضات، وأبعاد التحليل، والمنهجيات الخاصة به.

  • علم اللغة الاجتماعي (Sociolinguistics) أو اللغويات الاجتماعية، وهو دراسة تأثير أي جانب أو جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك المعايير الثقافية، والتوقعات، والسياق على الطريقة التي يتم بها استخدام اللغة. وتتداخل اللغويات الاجتماعية بدرجة كبيرة مع البراغماتية.

ويدرس علم اللغة الاجتماعي أيضا كيفية اختلاف اللهجات بين المجموعات المفصولة بمتغيرات اجتماعية معينة، على سبيل المثال، العرق، والدين، والوضع، والجنس، ومستوى التعليم، وما إلى ذلك، وكيف يستخدم خلق هذه القواعد والتمسك بها لتصنيف الأفراد في الطبقات الاجتماعية أو الطبقات الاجتماعية الاقتصادية. وبما أن استخدام اللغة يختلف من مكان إلى آخر (لهجات)، فإن استخدام اللغة يختلف بين الطبقات الاجتماعية، وهذه اللهجات الاجتماعية (sociolects)هي التي يدرسها علم اللغة الاجتماعي.

وقد تمت دراسة الجوانب الاجتماعية للغة بالمعنى الحديث أولا من قبل اللغويين الهنود واليابانيين في الثلاثينيات، وأيضا من قبل جاوتشات (Gauchat) في سويسرا أوائل القرن العشرين، ولكن لم يتلق أي منها اهتماما كبيرا في الغرب إلا بعد ذلك بكثير. أما دراسة الدافع الاجتماعي للتغيير اللغة، من ناحية أخرى، فيرجع تأسيسه في نموذج موجة أواخر القرن التاسع عشر. وأول ما ظهرت اللغويات الاجتماعية في الغرب الستينيات، وكان من رودها علماء لغة مثل ويليام لابوف (William Labov) في الولايات المتحدة وباسل بيرنشتاين (Basil Bernstein) في المملكة المتحدة.

  • اكتساب اللغة الثانية (Second language acquisition)، ويمثل العملية التي يتعلم بها الناس لغة ثانية بالإضافة إلى لغتهم الأم. يتم استخدام مصطلح اللغة الثانية لوصف اكتساب أي لغة بعد اكتساب اللغة الأم. وهناك أيضا بحث في أوجه التشابه والاختلاف مع اكتساب اللغة الثالثة. وغالبا ما يشار إلى اللغة التي يتم تعلمها بمصطلح “اللغة الهدف” (Target Language or L2)، بالمقارنة مع اللغة الأولى (L1). ويمكن استخدام الاختصار ” SLA” لاكتساب اللغة الثانية ، أو L2A””.

وقد أصبح مصطلح “اكتساب اللغة” شائع الاستخدام بعد مقارنته من قبل ستيفن كراشن (Stephen Krashen) مع التعلم الرسمي غير البنّاء . ومع ذلك، فقد أصبح مصطلح “اكتساب اللغة الثانية” أو “SLA” هو المفضل في هذا التخصص الأكاديمي.

على الرغم من النظر غالبا لاكتساب اللغة الثانية كجزء من علم اللغة التطبيقي، فإنه يهتم عادة بنظام اللغة وعمليات التعلم ذاتها، في حين يركز علم اللغة التطبيقي على تجارب المتعلم أكثر، وخاصة في الفصول الدراسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن اكتساب اللغة الثانية في معظمه قد درس الاكتساب الطبيعي، حيث يكتسب المتعلمين اللغة بتدريب أو تدريس رسمي قليل.

  • التقييم اللغوي (Language assessment ) أو اختبار اللغة (language testing )، وهو مجال دراسي تحت مظلة علم اللغة التطبيقي. وينصب تركيزه الرئيسي على تقييم اللغة الأولى أو الثانية أو أي لغة أخرى في سياق المدرسة أو الكلية أو الجامعة؛ تقييم استخدام اللغة في مكان العمل؛ وتقييم اللغة في سياقات الهجرة والمواطنة واللاجئين. قد يشمل التقييم الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، والدمج بين اثنين أو أكثر من هذه المهارات، أو أشكال أخرى للقدرة اللغوية. يمكن وضع وزن متساوٍ على المعرفة (فهم كيفية عمل اللغة نظريًا) والطلاقة (القدرة على استخدام اللغة عمليًا) ، أو إعطاء وزنا أكثر لأحد الجوانب.
  • التخطيط اللغوي الذي يمثل الجهد المتعمد للتأثير على وظيفة، أو تركيب، أو اكتساب اللغات أو تنوع لغوي داخل مجتمع لغوي. وغالبا ما يرتبط ذلك بالتخطيط الحكومي، ولكنه يستخدم أيضا من قبل مجموعة متنوعة من المنظمات غير الحكومية ، مثل المنظمات الشعبية والأفراد. وتختلف أهداف هذا التخطيط. ويمكن للتواصل الأفضل من خلال استيعاب لغة واحدة مهيمنة أن يجلب منافع اقتصادية للأقليات ولكنه يُفهم أيضًا كتسهيل لهيمنتهم السياسية.
  • البراجماتية (Pragmatics)، وهي دراسة قدرة المتحدثين باللغة الطبيعية على توصيل أكثر من الذي يتم ذكره صراحة. ويطلق على القدرة على فهم المعنى المقصود لمتحدث آخر بالكفاءة البراجماتية (العملية). ويوصف الكلام الذي يصف وظيفة براغماتية  بمصطلح فوق براجماتي (metapragmatic). كما أن أن البراجماتية تتعامل مع الطرق التي نصل بها إلى هدفنا في التواصل. لنفترض شخصا أراد أن يطلب من شخص آخر التوقف عن التدخين. يمكن تحقيق ذلك باستخدام تعبيرات عدة. يمكن للشخص أن يقول ببساطة، “توقف عن التدخين، من فضلك!” وهذا مباشر وبمعنى دلالي واضح. وبدلا من ذلك، يمكن للشخص أن يقول: “يا للعجب، يمكن لهذه الغرفة أن تستخدم جهازا لتنقية الهواء” وهذا ينطوي على معنى مماثل ولكنه غير مباشر، وبالتالي يتطلب الاستدلال البراجماتي (العملي) لاستخلاص المعنى المقصود.

وتعتبر البراجماتية واحدا من الجوانب الأكثر تحديا التي يجب على متعلمي اللغة فهمها، وتعلمها حقا ممكن من خلال الخبرة فقط.

  • علم اللغة الشرعي أو القضائي (Forensic linguistics)، وهو الاسم الذي يطلق على عدد من التخصصات الفرعية في علم اللغة التطبيقي، ويتعلق بما بالأمور التي تشترك فيها اللغة والقانون والجريمة.  ويهتم علم اللغة الشرعي أو القضائي بتطبيق المعرفة والطرق والرؤى اللغوية في السياق الشرعي للقانون، واللغة، والتحقيق في الجرائم ، والمحاكمات ، والإجراءات القضائية.

وهناك بشكل أساسي ثلاثة مجالات تطبيق للغويين الذين يعملون في سياقات القانونية والشرعية:

  • فهم لغة القانون المكتوب.
  • فهم استخدام اللغة في العمليات الشرعية والقضائية.
  • توفير الأدلة اللغوية.

ويعتبر علم اللغة الشرعي أو القضائي تخصصا غير متجانساً، وهو يتضمن مجموعة من الخبراء والباحثين في مجالات مختلفة من الحقل.

  • الترجمة (Translation)، وهي القيام بتفسير معنى نص، يتبعه إنتاج لنص مكافئ له يسمى الترجمة، ويوصل نفس الرسالة في لغة أخرى. ويسمى النص المراد ترجمته بالنص المصدر (source text)، وتسمى اللغة التي سيترجم إليها باللغة الهدف (target language). ويطلق على المنتج النهائي أحيانا النص الهدف (target text).

يجب أن تأخذ الترجمة في اعتبارها القيود التي تشمل السياق، قواعد اللغتين، وأعراف كتاباتها، وتعابيرها الاصطلاحية. هناك اعتقاد خاطئ بأن هناك توافق بسيط “كلمة مقابل كلمة” بين أي لغتين، وأن الترجمة هي عملية ميكانيكية مباشرة. ولكن الترجمة كلمة مقابل كلمة لا تأخذ بعين الاعتبار السياق والنحو والاعراف، والتعابير الاصطلاحية.

إن فن الترجمة قديم قدم الأدب المكتوب. ولكن بظهور الحواسيب، بذلت محاولات لحوسبة أو ميكنة ترجمة نصوص اللغة الطبيعية (الترجمة الآلية) أو لاستخدام أجهزة الكمبيوتر كوسيلة مساعدة للترجمة (الترجمة بمساعدة الحاسوب).

nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
إن مراجعة الأدبيات عبارة عن عرض لما نشر من قبل…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة