تخطى إلى المحتوى

طرق جمع البيانات

مقدمة

تبدأ مهمة جمع البيانات بعد تحديد مشكلة البحث ووضع تصميم / خطة للبحث. عند التفكير في اتخاذ قرار بشأن طريقة جمع البيانات التي سيتم استخدامها في الدراسة، يجب على الباحث أن يضع في اعتباره نوعين من البيانات، وهي البيانات الاولية والثانوية. البيانات الأولية هي تلك التي يتم جمعها حديثًا وللمرة الأولى، وبالتالي تكون أصلية في طبيعتها. أما البيانات الثانوية، فهي تلك التي يتم جمعها من قبل شخص آخر، والتي سبق أن مرت بالعملية الإحصائية. على الباحث أن يقرر أي نوع من البيانات التي سيتم استخدامها (وبالتالي جمعها) في دراسته، ووفقا لذلك فسيختار طريقة جمع هذه البيانات[1]. تختلف طرق جمع البيانات الأولية والثانوية لأن البيانات الأولية التي يتعين جمعها يجب أن تكون أصلية، بينما في حالة البيانات الثانوية فطبيعة جمع البيانات تعتبر مجرد عملية تجميع لها. وفيما يلي سنقوم بوصف الطرق المختلفة لجمع البيانات، مع ذكر إيجابيات وسلبيات كل منها.

جمع البيانات الأولية

نقوم بجمع البيانات الأولية أثناء القيام بالتجارب في البحوث التجريبية ولكن في حالة إجراء البحوث الوصفية وإجراء الدراسات الاستقصائية، سواءا مسوحات العينة أو مسوحات التعداد، فعندها يمكننا الحصول على البيانات الأولية إما عن طريق الملاحظة أو من خلال الاتصال المباشر مع المشاركين بشكل أو بآخر أو من خلال المقابلات الشخصية. هذا، بعبارة أخرى، يعني أن هناك عدة طرق لجمع البيانات الأولية، ولا سيما في الدراسات والبحوث الوصفية. تتمثل الطرق المهمة في: (أ) طريقة الملاحظة، (ب) طريقة المقابلة، (ج) من خلال الاستبيانات، (د) من خلال الجداول الزمنية، و(هـ) الطرق الأخرى التي تشمل (أ) بطاقات الضمان، (ب) مراجعة حسابات الموزعين، (ج) مراجعة حسابات المخازن، (د) لجان المستهلك، (هـ) استخدام الأجهزة الميكانيكية، (و) من خلال الطرق الاسقاطية، (ز) المقابلات المعمقة، و (ح) تحليل المحتوى. وفيما يلي وصف موجز لكل طريقة على حده.

طريقة الملاحظة

طريقة الملاحظة هي الطريقة الأكثر شيوعا وخاصة في الدراسات المتعلقة بالعلوم السلوكية. وبطريقة ما كلنا نقوم بملاحظة الأشياء من حولنا، ولكن هذا النوع من الملاحظة ليس ملاحظة علمية. تصبح الملاحظة أداة بحث علمية وطريقة لجمع البيانات عندما تخدم غرض بحث تمت صياغته، وتكون مخططة ومسجلة بشكل منتظم، وتخضع لعمليات الفحص والضبط على صلاحيتها وموثوقيتها. ووفقا لطريقة الملاحظة، تُجمع المعلومات عن طريق الملاحظة المباشرة الخاصة بالباحث بدون سؤال المشاركين. على سبيل المثال، في دراسة تتعلق بسلوك المستهلك، قد يقوم الباحث بالنظر إلى ساعة المشترك بنفسه بدلا من سؤاله عن ماركة ساعة يده. الميزة الرئيسية لهذه الطريقة هي التخلص من التحيز الشخصي، طبعا إذا ما تمت الملاحظة بدقة. وتتلخص الميزة الثانية، في كون المعلومات التي تم الحصول عليها بهذه الطريقة متعلقة بما يحدث في الوقت الراهن، فهي ليست معقدة بأي سلوك في الماضي أو النوايا أو المواقف في المستقبل. ثالثا، هذه الطريقة مستقلة عن استعدادات المشاركين للاستجابة ولذلك فهي أقل تطلبا نسبيا للتعاون الفعال من جانب المشاركين كما هو الحال في طريقة المقابلة أو الاستبيان. تعتبر هذه الطريقة مناسبة خاصة في الدراسات التي تتعامل مع مشاركين (أفراد العينة) غير قادرين على تقديم تقارير شفهية عن مشاعرهم لسبب أو لآخر.

ومع ذلك، فإن لطريقة الملاحظة قيود مختلفة. أولا، هي طريقة مكلفة. ثانيا، المعلومات التي تقدمها هذه الطريقة محدودة للغاية. ثالثا،  قد تتدخل عوامل غير متوقعة مع مهمة الملاحظة، ففي بعض الأحيان قد يصعب الوصول لبعض الناس حتى تتم ملاحظتهم مباشرة مما يخلق عقبة أمام هذه الطريقة لجمع البيانات بشكل فعال.

يجب على الباحث أثناء استخدام هذه الطريقة أن يضع في الاعتبار أشياء مثل: ما الذي ينبغي ملاحظته؟ كيف يجب تسجيل الملاحظات؟ أو كيف يمكن التأكد من دقة الملاحظة؟ تتميز الملاحظة المنظمة بالتعريف الدقيق للوحدات التي يتعين ملاحظتها، وبأسلوب لتسجيل المعلومات التي تمت ملاحظتها، وظروف موحدة للملاحظة واختيار للبيانات ذات الصلة من الملاحظة. ولكن عندما تتم الملاحظة بدون التفكير في هذه الخصائص مسبقا، فيطلق عليها اسم الملاحظة غير المنظمة. وتعتبر الملاحظة المنظمة مناسبة في الدراسات الوصفية، ولكن في حالة الدراسات الاستكشافية فإن الاجراء الأكثر احتمالا هو أن تكون الملاحظة غير منظمة نسبيا.

كثيرا ما نتحدث عن ملاحظة المشاركين وغير المشاركين في سياق الدراسات، لا سيما في العلوم الاجتماعية. هذا التمييز يعتمد على ما إذا كان الملاحظ يشارك أو لا يشارك حياة الجماعة التي يُلاحظها. إذا جعل المُلاحظ نفسه عضوا في المجموعة التي يلاحظها حتى يتمكن من تجربة ما يمر به اعضاء المجموعة، فعنده نسمي تلك الملاحظة بملاحظة مشارك. ولكن عندما يقوم الملاحظ بالملاحظة كمبعوث منفصل بدون أي محاولة من جانبه لمشاركة ما يشعر به الآخرين، فيُطلق على هذا النوع اسم ملاحظة غير مشارك. (عندما يقوم الملاحظ بملاحظاته بطريقة لا يكون وجوده فيها معروفا للآخرين ، فإننا نوصف مثل هذه الملاحظة بالملاحظة المقنعة).

هناك العديد من المزايا لنوع ملاحظة المشارك فهي: (أ) تمّكن الباحث من تسجيل السلوك الطبيعي للمجموعة. (ب) تمّكن الباحث من جمع المعلومات التي ليس من السهل الحصول عليها إذا كان يلاحظ كما لو كان غير مهتم. (ج) تمّكن الباحث من التحقق من حقيقة التصريحات التي يدلي بها المخبرين (المشاركين) في سياق الاستبيانات أو الجداول الزمنية. ولكن هناك عيوب معينة أيضا في هذا النوع من الملاحظة، فقد يفقد الملاحظ الموضوعية إلى حد يجعله يشارك بطريقة عاطفية.

أحيانا نتحدث عن الملاحظة المضبوطة (المُسيطر عليها) وغير المضبوطة. إذا ما تمت الملاحظة في بيئة طبيعية، فإننا نصفها بأنها ملاحظة غير مضبوطة، ولكن عندما تتم الملاحظة وفقا لخطط محددة مرتبة مسبقا، وتتضمن إجراء التجارب، فإن الملاحظة عندها تسمى بالملاحظة المضبوطة. بالنسبة للملاحظة غير المضبوطة (غير خاضعة للسيطرة)، لا توجد أي محاولة لاستخدام أدوات دقيقة.

الهدف الرئيسي لهذا النوع من الملاحظة غير المضبوطة هو الحصول على صورة عفوية للحياة والأشخاص. تميل هذه الطريقة لتزويدنا بالسلوك الطبيعي الكامل، مما يتيح الوقت الكافي لملاحظته. ولكن في الملاحظة المُسيطر عليها، فنحن نستخدم الأدوات الميكانيكية (أو دقيقة) كمساعد من أجل الدقة والتوحيد القياسي. تميل هذه الملاحظة لتوفير بيانات رسمية يمكن على أساسها بناء التعميمات بدرجة مضمونة نوعا ما. العيب الرئيسي للملاحظة غير الخاضعة للضبط هو التفسير الشخصي. وهناك أيضا خطر وجود الشعور بأننا نعرف عن الظواهر التي تتم ملاحظتها أكثر مما نعرفه فعلا. عموما، يتم إجراء الملاحظة المضبوطة في تجارب متنوعة تُجرى في المختبر أو في ظل ظروف خاضعة للتحكم, أما الملاحظة غير المضبوطة فيتم اللجوء إليها في حالة البحوث الاستكشافية.

 

طريقة المقابلة

يمكن تعريف المقابلة ببساطة على أنها “محادثة موجهة يقوم بها شخص (الباحث ) مع شخص آخر (الراوي)، أو أشخاص آخرين، بهدف الحصول على معلومات، وذلك بواسطة أسئلة يتم طرحها عليه، وتكون المحادثة بشكل مباشر، وجهًا لوجه، وبشكل شفوي، وتصبح مفيدة للبحث العلمي”[2]. إذن فإن طريقة المقابلة لجمع البيانات تنطوي على تقديم محفزات لفظية يتم الرد عليها بالألفاظ الشفوية. يمكن استخدام هذه الطريقة من خلال المقابلات الشخصية، وعبر الهاتف أيضا إذا كان ذلك ممكنا.

 (أ) إجراء المقابلات الشخصية

تتطلب طريقة المقابلة الشخصية شخصًا يجري المقابلة (interviewer) حيث يقوم بطرح الأسئلة وجها لوجه على شخص أو أشخاص آخرين. (وفي بعض الأحيان قد يقوم الضيف أيضا بطرح بعض الأسئلة ويقوم الشخص الذي يجري المقابلة بالإجابة عليها، ولكن عادة ما يكون الشخص القائم بالمقابلة هو الذي يبدأ المقابلة ويجمع المعلومات.) قد يكون هذا النوع من المقابلة في شكل تحقيق شخصي مباشر، أو ربما قد يكون تحقيقا شفويا غير مباشر. في حالة التحقيق الشخصي المباشر يتحتم على القائم بالمقابلة جمع المعلومات شخصيا من المصادر المعنية. يجب أن يكون في مكان المقابلة وأن يجتمع بالناس الذين سيستقي منهم البيانات التي سيتم جمعها. تعتبر هذه الطريقة مناسبة خاصة في التحقيقات المكثفة. ولكن في بعض الحالات قد لا يكون من الممكن أو المجدي الاتصال المباشرة بالأشخاص المعنيين أو بسبب النطاق الواسع والمكثف للتحقيق، ولذلك لا يجوز استخدام طريقة التحقيق الشخصي المباشرة. في مثل هذه الحالات يمكن إجراء اختبار شفوي غير مباشر والذي يقوم بموجبه القائم بالمقابلة باستجواب الأشخاص الآخرين الذين من المفترض أن يكونوا على علم بالمشكلة قيد البحث، ويسجل المعلومات التي تم الحصول عليها. معظم اللجان والهيئات المعينة من قبل الحكومة لإجراء البحوث تستفيد من هذه الطريقة.

عادة ما تتم طريقة جمع المعلومات من خلال المقابلات الشخصية بطريقة منظمة. وإذا كان كذلك، فإننا نسمي المقابلات بالمقابلات المنظمة. تنطوي هذه المقابلات على استخدام مجموعة من الأسئلة محددة سلفا وطرق موحدة وقياسية جدا للتسجيل. وبالتالي، فإن الشخص الذي يجري المقابلة المنظمة يتبع إجراء صارم، حيث يقوم بطرح الأسئلة في شكل وترتيب محدد. وفي المقابل، هناك المقابلات غير المنظمة التي تتميز بمرونة طريقة الاستجواب. لا تتبع المقابلات غير المنظمة نظاما من الأسئلة المحددة مسبقا وطرق قياسية موحدة لتسجيل المعلومات. في المقابلة غير المنظمة، يُسمح للشخص الذي يدير المقابلة بقدر أكبر من الحرية في أن يسأل، في حالة الضرورة، أسئلة مكملة أو أن يحذف أحيانا بعض الأسئلة إذا ما تطلب الوضع ذلك. وربما قد يغير حتى تسلسل الأسئلة. لديه حرية أكثر نسبيا عند تسجيل الاستجابات في تضمين بعض الجوانب واستبعاد أخريات. ولكن هذا النوع من المرونة يؤدي إلى عدم إمكانية المقارنة بين مقابلة ما مع أخرى، كما أن تحليل الاستجابات غير المنظمة يصبح أكثر صعوبة وأكثر استهلاكا للوقت من تلك الردود التي يتم الحصول عليها عند إجراء المقابلات المنظمة. بالاضافة لذلك، تتطلب المقابلات غير المنظمة أيضا معرفة عميقة ومهارة أكثر من الشخص الذي يجري المقابلة. ومع ذلك، فإن المقابلة غير المنظمة هي الطريقة الرئيسية لجمع المعلومات في البحوث والدراسات الاستكشافية أو الصياغية. ولكن في حالة الدراسات الوصفية، فكثيرا ما يتم استخدام أسلوب المقابلة المنظمة لأنها اقتصادية أكثر، وتوفر أساس آمن للتعميم وتتطلب مهارة أقل نسبيا من ناحية الشخص الذي يجري المقابلة.

ويمكن أن نتحدث أيضًا عن المقابلة المركزة، المقابلة الإكلينيكية والمقابلة غير الموجهه. المقصود بالمقابلة المركزة هو تركيز الاهتمام على تجربة المشارك المعنية وآثارها. في هذه المقابلة يكون للقائم بها حرية تحديد الطريقة والتسلسل الذي سيتم به طرح الأسئلة، وله الحرية أيضا في استكشاف الأسباب والدوافع. المهمة الرئيسية للقائم بالمقابلة في حالة المقابلة المركزة هي حصر المشارك في مناقشة القضايا التي يسعى إلى الاطلاع عليها. تستخدم مثل هذه المقابلات عموما في تطوير الفرضيات وتعتبر نوع رئيسي من المقابلات غير المنظمة. أما المقابلة الإكلينيكية فتهتم بالمشاعر الدفينة الواسعة أو الدوافع أو بمسار تجربة حياة الفرد. وتترك طريقة الحصول على المعلومات فيها عادة لتقدير الشخص الذي يُجري المقابلة. أما في حالة المقابلة غير الموجهه، فوظيفة القائم بالمقابلة هي ببساطة تشجيع المشارك على الحديث عن موضوع معين بحد أدنى من الأسئلة المباشرة. غالبا ما يكون دور الشخص القائم بالمقابلة فيها بمثابة حافز للتعبير الشامل عن مشاعر المشاركين ومعتقداتهم والإطار المرجعي الذي تأخذ فيه مثل هذه المشاعر والمعتقدات الأهمية الشخصية.

على الرغم من الاختلافات في طرق إجراء المقابلات، إلا أنه يمكننا ذكر المزايا الأساسية ونقاط الضعف في المقابلات الشخصية وتعدادها بشكل عام، حيث تتمثل المزايا الرئيسية لطريقة المقابلة فيما يلي[3]:

(أ) يمكن من خلالها الحصول على معلومات أكثر وبمزيد من التعمق أيضًا.

(ب) يمكن للقائم بالمقابلة بمهارته الخاصة التغلب على مقاومة المستطلعين (المشاركين)، إن وجدت. يمكن جعل طريقة المقابلة تُسفر عن عينة شبه مثالية من مجتمع الدراسة العام.

(ج) هناك قدر أكبر من المرونة في ظل هذه الطريقة باعتبار وجود فرصة لإعادة هيكلة الأسئلة دائما، وخاصة في حالة المقابلات غير المنظمة.

 (د) يمكن كذلك أن تستخدم طريقة المقابلة في تسجيل الإجابات الشفوية على الأسئلة المختلفة.

(هـ) يمكن الحصول على المعلومات الشخصية بسهولة باستخدام هذه الطريقة أيضًا.

(و) يمكن التحكم بالعينات بشكل فعال أكثر لأنه لا تنشأ أي صعوبة من فقدان الردود، حيث يبقى معدل عدم الاستجابة منخفض جدا عموما.

(ز) يمكن للشخص الذي يُجري المقابلة التحكم في الأشخاص الذين يجيبون على الأسئلة. هذا غير ممكن في طريقة الاستبيان البريدي. كما يمكن عقد مناقشات جماعية إذا ما استدعت الحاجة ذلك.

(ح) ربما يأخذ القائم بالمقابلة المخبر (المشارك)على حين غرة، وبالتالي يتمكن من تأمين ردود فعلية عفوية أكثر مما سيكون عليه الحال في حالة استخدام الاستبيان البريدي.

(ط) يمكن تعديل لغة الحوار وفقا للقدرة أو المستوى التعليمي للشخص الذي تتم مقابلته، وعلى هذا النحو يمكن تجنب التفسيرات الخاطئة المتعلقة بالأسئلة.

(ي) يمكن للقائم بالمقابلة جمع معلومات تكميلية عن خصائص شخصية المشارك وبيئته، والتي غالبا ما تكون ذات قيمة كبيرة أثناء تفسير النتائج.

ولكن هناك أيضا نقاط ضعف معينة في طريقة المقابلة. ومن بين نقاط الضعف الهامة هذه، يمكننا الإشارة إلى ما يلي[4]:

(أ) إنها طريقة مكلفة للغاية، خاصة عندما يتم أخذ عينة جغرافية منتشرة على نطاق واسع.

(ب) لا يزال هناك احتمال تحيز القائم بالمقابلة وكذلك المشارك؛ ولا يزال هناك أيضا صداع الإشراف والرقابة على القائمين بالمقابلات.

(ج) قد لا يكون من السهل الوصول لأنواع معينة من أفراد العينة مثل المسؤولين التنفيذيين أو الأغنياء وذوي الدخل المرتفع، ولذلك قد تكون البيانات غير كافية.

(د) هذه الطريقة تستهلك وقت أكثر نسبيا، خاصة عندما تكون العينة كبيرة ويكون من الضروري تذكر المشاركين.

(هـ) قد يسبب وجود الشخص الذي يجري المقابلة في تحفيز المشارك بشكل مفرط، وأحيانا قد يصل لدرجة إعطاء معلومات وهمية لمجرد جعل المقابلة مثيرة للاهتمام.

(و) وفقا لطريقة المقابلة فإن التنظيم اللازم للاختيار والتدريب والاشراف على الموظفين الميدانيين يصبح أكثر تعقيدا وقد ينطوي على مشاكل كبيرة.

(ز) قد يسبب إجراء المقابلات في بعض الأحيان إدخال أخطاء منهجية أيضًا.

(ح) تفترض المقابلة الفعالة علاقة سليمة مع المشاركين لتسهيل الردود الحرة والصريحة، ولكن هذا غالبا ما يكون شرطا صعبا للغاية.

المتطلبات والمبادئ الأساسية للمقابلات

لنجاح تنفيذ طريقة المقابلة، يجب أن يتم اختيار الأشخاص الذين يُجرون المقابلات بعناية، وكذلك تدريبهم وإعطائهم التعليمات اللازمة. يجب أن يكونوا صادقين ومخلصين، ويعملون بجد وحيادية، كما يجب أن يمتلكوا الكفاءة الفنية والخبرة العملية اللازمة. وينبغي إجراء الفحوصات الميدانية من وقت لآخر لضمان عدم غش القائمين بالمقابلات أو انحرافهم عن التعليمات المعطاة لهم لأداء عملهم بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أيضا أن تكون هناك بعض الأحكام مسبقا حتى يتسنى اتخاذ الإجراءات المناسبة إذا ما رفض بعض أفراد العينة المختارة التعاون أو كانوا غير متوفرين عندما يدعوهم الشخص الذي يجري المقابلة.

في الواقع، المقابلات هو فن تحكمه بعض المبادئ العلمية. ينبغي بذل كل جهد ممكن لخلق أجواء ودية من الثقة والاطمئنان، بحيث يشعر المشاركين بالراحة أثناء تحدثهم ومناقشتهم مع الشخص القائم بالمقابلة. يجب أن يسأل الشخص الذي يجري المقابلة الأسئلة بشكل صحيح وبذكاء ويجب أن يسجل الردود بدقة وبشكل كامل. وفي نفس الوقت، يجب على القائم بالمقابلة أن يجيب على الأسئلة المشروعة، إن وجدت، التي يسألها المشارك، كما يجب إزالة أي شكوك قد تكون لديه. يجب أن تكون طريقة الشخص الذي يُجري المقابلة ودية، ويتمتع بالكياسة، ويجب أن يكون خطابه غير منحاز. ينبغي أن لا يظهر القائم بالمقابلة أنه متفاجئ أو عدم موافق على إجابات المشاركين، بل يجب عليه أن يبقي مسار الحوار في يده، وعدم تشجيع المحادثات التي ليست لها علاقة بالموضوع، كما يجب أن يبذل كل جهد ممكن لإبقاء المشارك على المسار الصحيح.

(ب) إجراء المقابلات الهاتفية

تنطوي هذه الطريقة لجمع المعلومات على الاتصال بالمشاركين عبر الهاتف. هذه الطريقة لا يتم استخدامها على نطاق واسع، ولكنها تلعب دورا مهما في المسوحات الصناعية، ولا سيما في الدول المتقدمة. وتتمثل المزايا الرئيسية لمثل هذه الطريقة في:

  1. أكثر مرونة بالمقارنة مع الطريقة البريدية.
  2. أسرع من الأساليب الأخرى، أي أنها طريقة سريعة للحصول على المعلومات.
  3. أرخص من طريقة إجراء المقابلات الشخصية. لأن التكلفة لكل استجابة منخفضة نسبيا.
  4. التذكر سهل؛ والردود بسيطة واقتصادية.
  5. نسبة أعلى من الاستجابة بالمقارنة مع ما لدينا في الطريقة البريدية. وبشكل عام فإن نسبة عدم الاستجابة منخفضة جدا.
  6. يمكن تسجيل الردود بدون أن نتسبب في إحراج أفراد العينة.
  7. يمكن للقائم بالمقابلة أن يشرح المتطلبات بسهولة أكثر.
  8. يمكن الحصول على إجابات المستجيبين الذين يصعب التواصل معهم خلاف ذلك لأسباب معينة.
  9. لا تحتاج ألى موظفين ميدانيين.
  10. يمكن توزيع وتمثيل العينة بشكل أوسع.

ولكن هذا النظام لجمع المعلومات ليس خاليًا من العيوب. ويمكن إبراز بعضها فيما يلي:

  1. تعطى وقتا قليلا للمشاركين للحصول على اجابات معتبرة؛ و من غير المرجح أن تتجاوز فترة المقابلة خمس دقائق في معظم الحالات.
  2. تقتصر عمليات المسح على المشاركين الذين لديهم مرافق الهاتف.
  3. قد تكون التغطية الجغرافية الواسعة مقيدة باعتبارات التكلفة.
  4. ليست مناسبة للمسوحات المكثفة التي تتطلب إجابات وافية على أسئلة مختلفة.
  5. إمكانية تحيز الشخص الذي يُجري المقابلة أكثر نسبيا.
  6. يجب أن تكون الأسئلة قصيرة ومباشرة، حيث يصعب التعامل مع التحقيقات.

مبادئ توجيهية لإجراء المقابلات الناجحة

إجراء المقابلات فن يتعلمه المرء بالممارسة والخبرة. ومع ذلك، ينبغي إبقاء النقاط التالية في ذهن القائم بالمقابلة حتى يتمكن من استخلاص المعلومات المطلوبة:

1. يجب على الشخص الذي يجري المقابلة ان يخطط مسبقا، كما يجب عليه أن يعرف جميع جوانب المشكلة قيد النظر. يجب عليه اختيار الوقت والمكان المناسبين لذلك لكي يكون الضيف مرتاحا أثناء فترة المقابلة. ولذلك فإن بعض المعرفة بالروتين اليومي للضيف أمر ضروري.

2. يجب أن يكون أسلوب القائم بالمقابلة ودي وغير رسمي. يجب تبادل التحيات الودية وفقا للنمط الثقافي للضيف (المشارك) أولا ومن ثم يتوجب توضيح الغرض من المقابلة.

3. ينبغي بذل كل جهد ممكن لإقامة علاقة سليمة مع الضيف، لأن الناس سيتحمسون للتواصل عندما تكون الأجواء مواتية.

4. يجب أن يعرف الشخص القائم بالمقابلة أن القدرة على الاستماع مع الفهم والاحترام والفضول هو المدخل إلى التواصل، وبالتالي يجب أن يتصرف وفقا لذلك أثناء المقابلة. لهذا كله، يجب أن يكون الذي يُجري المقابلة ذكي ويجب أن يكون رجل منضبط ومتحكم في نفسه .

5. ينبغي أن تتدفق المقابلة بحرية ويجب أن يتم صياغة الأسئلة بشكل جيد من أجل الحصول على التعاون الكامل من جانب الضيف. ولكن يجب على الذي يجري المقابلة أيضًا أن يسيطر على مسار المقابلة وفقا لهدف الدراسة.

6. في حالة البحوث الكبيرة حيث يقوم بمهمة جمع المعلومات العديد من الأشخاص الذين يجرون المقابلات، فيجب أن يكون هناك دليل للمقابلة يتعين مراعاته من قبل الجميع وذلك لضمان انتظام معقول فيما يتعلق بجميع النقاط البارزة في الدراسة.

جمع البيانات من خلال الاستبيانات

تعتبر الاستبيانات احد “الاساليب الاساسية التي تستخدم في جمع بيانات اولية او اساسية او مباشرة من العينة المختارة او من جميع مفردات  مجتمع البحث عن طريق توجيه مجموعة من الاسئلة المحددة المعدة مقدمأ”[5]. تتمتع هذه الطريقة لجمع البيانات بشهرة واسعة، وخاصة في البحوث الكبيرة. يتم اعتماد هذه الطريقة من قبل الأفراد والباحثين والمنظمات العامة وحتى الحكومات. في هذه الطريقة يتم إرسال الاستبيان (عادة عن طريق البريد) للأشخاص المعنيين مع طلب للرد على الأسئلة وإعادة الاستبيان. ويتكون الاستبيان من عدد من الأسئلة المطبوعة أو المكتوبة بترتيب واضح في نموذج أو مجموعة من النماذج. يتم ارسال الاستبيان بالبريد إلى المشاركين الذين يُتوقع منهم قراءة وفهم الأسئلة وكتابة الرد في المساحة المخصصة لهذا الغرض في الاستبيان نفسه. يكون على المشاركين الإجابة على الأسئلة من تلقاء أنفسهم.

يتم تبني طريقة جمع البيانات عن طريق ارسال الاستبيانات بالبريد إلى المشاركين على نطاق واسع في مختلف المسوح الاقتصادية والتجارية. وتتمثل المزايا المعروفة لهذه الطريقة فيما يلي:

  1. هناك تكلفة منخفضة حتى عندما يكون كون البحث واسع ومنتشر على نطاق واسع جغرافيا.
  2. تخلو هذه الطريقة من تحيز القائمين بالمقابلات؛ وتكون الأجوبة بكلمات المشاركين أنفسهم.
  3. لدى المشاركين الوقت الكافي لإعطاء الاجابات المدروسة.
  4. يمكن أيضا الوصول للمشاركين الذين يصعب الاتصال بهم بشكل ملائم[6].
  5. يمكن الاستفادة من العينات الكبيرة وبالتالي فإن النتائج يمكن أن تكون موثوقة أكثر ويمكن الاعتماد عليها.

كما أن لهذا النظام عيوب أيضا، ويمكننا بيان العيوب الرئيسية لهذا النظام في النقاط التالية:

  1. معدل منخفض من الاستبيانات المعبأة التي يتم إرجاعها؛ وغالبا ما يصعب تحديد التحيز بسبب عدم الاستجابة.
  2. يمكن أن تستخدم فقط عندما يكون المشاركين متعلمين ومتعاونين[7].
  3. تفقد السيطرة على الاستبيانات حالما يتم إرسالها.
  4. غير مرنة بسبب صعوبة تعديل الطريقة بعد أن يتم توزيع الاستبيانات.
  5. هناك أيضا إمكانية وجود الردود (الاستجابات) الغامضة أو إغفال الردود تماما على بعض الأسئلة. تفسير إغفال الاستجابات أمر صعب.
  6. من الصعب معرفة ما إذا كان أفراد العينة المستعدين للمشاركة ممثلين عنها فعلا.
  7. قد تكون هذه الطريقة أبطأ من جميع الطرق الأخرى.

من المستحسن دائما قبل استخدام هذه الطريقة إجراء “دراسة تجريبية” (المسح التجريبي) لاختبار الاستبيانات. تظهر أهمية المسح التجريبي بشكل واضح في الدراسات البحثية الكبيرة. في الواقع، تعتبر المسوح التجريبية نسخة متماثلة وهي مجرد بروفة للمسح الرئيسي. في مثل هذه الدراسة، التي عادة ما يجريها خبراء، يتم تسليط الضوء على نقاط الضعف (إن وجدت) في الاستبيانات وطرق المسح أيضا، حيث يمكن من خلال الخبرة المكتسبة بهذه الطريقة، أن يتم تحسين الاستبيانات.

الجوانب الرئيسية للاستبيان

في كثير من الأحيان يعتبر الاستبيان قلب عملية المسح، وبالتالي يجب أن يتم بناؤه بعناية فائقة. وحتما ستفشل الدراسة (المسح) إذا لم يتم تطويره وصياغته بشكل صحيح. هذه الحقيقة تتطلب منا دراسة الجوانب الرئيسية للاستبيانات التي تتمثل في: الشكل العام، وتسلسل الأسئلة، وصياغة الأسئلة والكلمات المستخدمة فيها. ينبغي على الباحث أن يلاحظ ما يلي فيما يتعلق بهذه الجوانب الثلاثة الرئيسية للاستبيان:

1. الشكل العام

يمكن أن يكون الشكل العام للاستبيان إما منظم أو غير منظم. الاستبيانات المنظمة هي تلك الاستبيانات التي توجد فيها أسئلة معينة ومحددة سلفا. يتم عرض الأسئلة بنفس الصيغة وبنفس الترتيب على جميع المشاركين. يتم اللجوء إلى هذا النوع من التوحيد القياسي للتأكد من أن جميع أفراد العينة يستجيبون لنفس مجموعة الأسئلة. قد يكون شكل هذه الأسئلة إما مغلقة (أي، من نوع “نعم” أو “لا”) أو مفتوحة (أي أنها تدعو للاستجابة الحرة)، ولكن ينبغي أن يتم وضعها مسبقا وليس أثناء الاستجواب. قد يكون في الاستبيانات المنظمة أيضا أسئلة محددة بديلة بحيث تقتصر فيها ردود المشاركين على البدائل المذكورة. وهكذا فإن الاستبيان المنظم بدرجة عالية هو الذي تكون فيه جميع الأسئلة والإجابات محددة وتكون تعليقات المشاركين بكلماتهم الخاصة محدودة جدا. عندما تكون هذه الخصائص غير موجودة في الاستبيان، فعندها يمكننا وصفه بأنه استبيان غير منظم. وبشكل أكثر تحديدا، يمكننا القول بأنه في الاستبيان غير المنظم يتم توفير الباحث بإرشادات عامة حول نوعية المعلومات التي سيتم الحصول عليها، ولكن صياغة الأسئلة نفسها تعتبر إلى حد كبير مسؤوليته، كما أن الردود يتم أخذها من عبارات المشارك نفسه قدر الإمكان؛ وفي بعض الحالات يمكن استخدام آلات التسجيل لتحقيق هذا الهدف.

يسهل توزيع وإدارة الاستبيانات المنظمة، بالاضافة إلى أن تحليلها غير مكلف نسبيا. تعتبر الردود البديلة، في بعض الأحيان، مساعدة على فهم معانى الأسئلة بشكل واضح. ولكن مثل هذه الاستبيانات لها حدود أيضا. على سبيل المثال، لا يمكن الحصول على مدى واسع من البيانات، وخاصة إذا كانت الردود بكلمات المشارك نفسه. عادة ما تعتبر غير مناسبة في الأبحاث التي يكون هدفها التحقق من مواقف وأسباب أفعال أو مشاعر معينة. هي أيضا غير مناسبة عندما يتم استكشاف مشكلة لأول مرة ويتم البحث عن فرضيات عمل. يمكن في مثل هذه الحالات، استخدام الاستبيانات غير المنظمة بشكل فعال. فيمكن للمرء على أساس النتائج التي تم الحصول عليها في عملية الاختبار القبلي (اختبار قبل الاستخدام النهائي) باستخدام الاستبيانات غير المنظمة، أن يطور استبيان يمكنه استخدامه في الدراسة الرئيسية.

2. تسلسل الأسئلة[8]

لكي يجعل الباحث الاستبيان فعال ويضمن جودة الردود التي يتحصل عليها، يجب عليه الانتباه إلى تسلسل الأسئلة عند إعداد الاستبيان. التسلسل الصحيح للأسئلة يقلل إلى حد كبير من فرص اساءة فهم الأسئلة منفردة. يجب أن يكون تسلسل الأسئلة واضح وسلس، وهذا يعني أن علاقة الانتقال من سؤال  إلى آخر يجب أن تكون واضحة للمشارك، حيث يجب وضع الأسئلة السهلة في البداية. الأسئلة القليلة الأولى لها أهمية خاصة لأنها من المحتمل أن تؤثر على موقف المشارك وتعاونه. وينبغي أن تكون الأسئلة الافتتاحية ممتعة وتثير اهتمام المشارك. عموما يجب تجنب نوع الأسئلة التالية في الأسئلة الافتتاحية للاستبيانات:

  1. الأسئلة التي تضع عبء كبير جدا على ذاكرة أو فكر المشارك.
  2. الأسئلة ذات الطابع الشخصي.
  3. الأسئلة المتعلقة بالثروات الشخصية، الخ.

بعد الأسئلة الافتتاحية، ينبغي أن تكون هناك الأسئلة التي تعتبر حيوية حقا لمشكلة البحث ويجب أن يكون هناك موضوع مرتبط بين الأسئلة المتتالية. من الناحية المثالية، ينبغي أن يكون تسلسل الأسئلة متفقًا مع طريقة المشاركين في التفكير. وبمعرفة المعلومات المطلوبة، يمكن للباحث إعادة ترتيب الأسئلة (هذا ممكن في حالة الاستبيان غير المنظم) بحيث تتناسب مع مناقشة كل حالة على حده. ولكن في حالة الإستبيان المنظم فأفضل ما يمكن القيام به هو تحديد تسلسل الأسئلة بمساعدة من المسح التجريبي الذي عادة ما يسفر عن علاقة جيدة مع معظم المشاركين. يجب أن يتم وضع الأسئلة الصعبة نسبيا في النهاية حتى إذا ما قرر المشارك عدم الإجابة عن هذه الأسئلة، فإننا سنكون قد حصلنا على معلومات كثيرة من الأسئلة التي سبقتها. وبالتالي، يجب أن يتجه تسلسل الأسئلة من العام إلى الأكثر تحديدا وعلى الباحث أن يتذكر دائما أن الإجابة على سؤال معين هي ليست وظيفة السؤال نفسه فقط، ولكنها تعني جميع الأسئلة السابقة أيضًا. فمثلا، إذا كان أحد الأسئلة يتعامل مع السعر الذي يدفع عادة لتناول القهوة والآخر عن سبب تفضيل ماركة معينة، فإن الإجابة على السؤال الأخير قد تتم صياغتها بشكل كبير وفقا لاختلافات الأسعار.

3. صياغة الأسئلة والكلمات

فيما يتعلق بهذا الجانب من الاستبيان، ينبغي على الباحث مراعاة أن يكون كل سؤال واضح جدا ولا يسبب أي نوع من سوء الفهم لأن ذلك قد يُلحق ضررا لا يمكن إصلاحه في المسح. كما ينبغي أن يكون السؤال محايدًا لكي لا يعطي صورة منحازة عن حقيقية الأمور. يجب أن تبنى الأسئلة بحيث تُشكل جزء منطقي من خطة مدروسة للجدولة. بشكل عام، يجب أن تتبع جميع الأسئلة القواعد القياسية التالية: (أ) ينبغي أن تكون سهلة الفهم. (ب) يجب أن تكون أن تكون بسيطة وتعبر عن فكرة واحدة فقط في كل مرة[9]. (ج) يجب أن تكون محددة وينبغي أن تتفق قدر الإمكان مع طريقة المشارك في التفكير. على سبيل المثال، بدلا من أن يكون السؤال “كم عدد شفرات الحلاقة التي تستخدمها سنويا؟”، فإن السؤال الأكثر واقعية سيكون “كم عدد شفرات الحلاقة التي استخدمتها الأسبوع الماضي؟”.

وفيما يتعلق بشكل الأسئلة، يمكن أن نتحدث عن شكلين رئيسيين، وهما، أسئلة الاختيارات المتعددة والأسئلة المفتوحة. في النوع الأول يختار المشارك واحدة من الإجابات البديلة الممكنة المطروحة عليه، أما في الأسئلة المفتوحة فيكون على المشارك تقديم الجواب بكلماته هو الخاصة. وفي حالة السؤال الذي له اثنتان فقط من الإجابات المحتملة (عادة “نعم” أو “لا”) فيمكن أن نعتبرها على أنها حالة خاصة من أسئلة الاختيار من متعدد، أو يمكن وصفها بالأسئلة المغلقة. هناك بعض المزايا والعيوب لكل نوع ممكن من الأسئلة. تتمتع أسئلة الاختيارات المتعددة أو الأسئلة المغلقة بمزايا سهولة التعامل وبساطة الإجابة، وهي سريعة وتحليلها غير مكلف نسبيا. ويعتبر هذا النوع من الأسئلة الأكثر قابلية للتحليل الإحصائي. في بعض الأحيان، تساعد الردود البديلة على توضيح معنى السؤال. ولكن العيب الرئيسي لأسئلة البدائل الثابتة هو “وضع الإجابات في أفواه الناس”، أي أنها قد تفرض رأي أو عبارة معينة حول مسألة ما على المشارك الذي قد لا تكون لديه فكرة عنها في الواقع. فهي ليست مناسبة عندما تكون المسألة قيد النظر معقدة وأيضا عندما يكون الباحث مهتما باستكشاف عملية ما. في مثل هذه الحالات، تعتبر الأسئلة المفتوحة التي تصمم بشكل يسمح للمشارك باستجابة حرة هي الأنسب وليس تلك المحددة ببعض الخيارات. مثل هذه الأسئلة تعطي حرية التصرف للمشارك في صياغة ردوده (إجاباته). الحصول على الاجابات أو الردود بعبارات المشارك نفسه هو، بالتالي، الميزة الرئيسية للأسئلة المفتوحة. ولكن، من وجهة النظر التحليلية، يجب ألا ننسى أن التعامل مع الأسئلة المفتوحة أكثر صعوبة، ويثير إشكالية التفسير وقابليتها للمقارنة بالاضافة إلى تحيز الباحث[10].

في الممارسة العملية، نادرا ما يعتمد الاستبيان على نوع واحد من الأسئلة فقط، لأن الأنواع المختلفة تكمل بعضها البعض. لذلك يتم تضمين أنواع مختلفة من الأسئلة في الاستبيان الواحد. على سبيل المثال، تشكل الأسئلة متعددة الخيارات أساس الاستبيانات الخاصة في المسوح الإلكترونية. ولكن حتى في هذا النوع من الاستبيانات، يتم عموما إدراج بعض الأسئلة المفتوحة لتتوفر صورة مكتملة أكثر عن مشاعر ومواقف أو آراء المشاركين.

على الباحث أن يولي الاهتمام اللازم والمناسب لصياغة الأسئلة لأن النتائج الموثوقة وذات المغزى تعتمد على ذلك بشكل كبير. وبما أن الكلمات هي التي تؤثر على الردود، فيجب أن يتم اختيارها بشكل صحيح؛ حيث ينبغي استخدام الكلمات البسيطة والمألوفة لدى كل المشاركين[11]. ويجب تجنب الكلمات ذات المعاني الغامضة. وبالمثل، يجب تجنب الكلمات الخطرة، الكلمات التي تتصيد المعاني أو الكلمات ذات الدلالات العاطفية. كما يجب توخي الحذر عند استخدام العبارات التي تنعكس على هيبة المشاركين. وفي كل الأحوال، يجب أن لا تؤدي صيغة السؤال إلى إجابة متحيزة. في الواقع، مفردات الأسئلة وصياغتها هو فن ولا يمكن تعلمه إلا من خلال الممارسة.

أساسيات الاستبيان الجيد

ليكون ناجحا، يجب أن يكون الاستبيان قصير نسبيا وبسيط، أي أنه يجب تقليص حجم الاستبيان إلى الحد الأدنى. يجب أن تتسلسل الأسئلة منطقيا حيث تنتقل من الأسئلة السهلة إلى الأكثر صعوبة. ينبغي أن تُترك الأسئلة الشخصية والحميمة إلى النهاية. وينبغي تجنب المصطلحات الفنية والتعابير الغامضة التي قد تنطوي على تفسيرات مختلفة في الاستبيان. قد تكون الأسئلة ثنائية مغلقة (بإجابتين نعم أو لا)، اختيار من متعدد (خيارات إجابة بديلة) أو مفتوحة. غالبا ما يصعب تحليل هذا النوع الأخير من الأسئلة وبالتالي ينبغي تجنبه في الاستبيان إلى أقصى حد ممكن. ينبغي أن يكون هناك بعض الأسئلة الضابطة في الاستبيان التي تشير إلى إمكانية الاعتماد على المشارك. على سبيل المثال، قد يتم وضع السؤال الذي يهدف إلى تحديد استهلاك مادة معينة من حيث النفقات المالية أولا، ثم في وقت لاحق من حيث الوزن. الأسئلة الضابطة، بالتالي، تقدم فحصا لاختبار ومعرفة ما إذا كانت المعلومات التي تم جمعها صحيحة أم لا. يجب تجنب الأسئلة التي تؤثر على مشاعر المشاركين. وينبغي توفير مساحة كافية للإجابات في الاستبيان حتى تساعدنا أثناء تحريرها وتبويبها، كما ينبغي أن يكون هناك دائما مؤشرات خاصة لعدم اليقين، على سبيل المثال، “لا أعرف”، “ليس لدي تفضيل” وهلم جرا. يجب أن تتوفر التوجيهات الموجزة المتعلقة بملء الاستبيان دائما في الاستبيان نفسه. وأخيرا، بما أن المظهر المادي للاستبيان يؤثر على التعاون مع الباحث من قبل المتلقين، فيجب أن يكون الاستبيان جذابًا، ولا سيما في الدراسات الاستقصائية الإلكترونية، وهذا يعتبر نقطة إضافية لتشجيع التعاون. ويجب أن تكون نوعية الورق ولونه جيدة أيضا بحيث تلفت انتباه المتلقين.

جمع البيانات من خلال الجداول الزمنية

تشبه هذه الطريقة لجمع البيانات إلى حد كبير عملية جمع البيانات من خلال الاستبيانات، مع اختلاف بسيط وهو يكمن في حقيقة أن الجداول الزمنية (النماذج التي تحتوي على مجموعة من الأسئلة) يتم تعبئتها بواسطة العدادين الذين يتم تعيينهم خصيصا لهذا الغرض. يذهب هؤلاء العدادين بالجداول إلى المشاركين، ويطرحون عليهم الأسئلة من النماذج الأولية حسب ترتيبها ويقومون بتسجيل الردود في الفراغ المخصص في النماذج. في بعض الحالات، قد يتم تسليم الجداول للمستطلعين ويقوم العدادين بمساعدتهم في تسجيل إجاباتهم على الأسئلة المختلفة في الجداول الأولية المعنية. يوضح العدادين أهداف وعناصر البحث ويقومون أيضا بإزالة الصعوبات التي قد يشعر بها أي مشارك في فهم مضمون أسئلة معينة أو تعريف أو مفهوم المصطلحات الصعبة.

تتطلب هذه الطريقة اختيار العدادين لملء الجداول أو مساعدة المشاركين على ملئها ولذلك ينبغي اختيار العدادين بعناية فائقة. ينبغي تدريب العدادين لكي يقوموا بأداء وظائفهم جيدا كما يجب شرح طبيعة ومجال البحث لهم بدقة بحيث يتمكنوا من فهم المقصود من الأسئلة المختلفة الموجودة في الجدول. وينبغي أن يكون العدادين أذكياء ويجب أن يكون لديهم القدرة على الاستجواب للوصول إلى الحقيقة. قبل كل شيء، ينبغي أن يكونوا صادقين ومخلصين، ويعملون بدأب، بالاضافة إلى تحليهم بالصبر والمثابرة.

هذه الطريقة لجمع البيانات مفيدة للغاية في البحوث والدراسات الواسعة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج موثوقة إلى حد ما، غير أنها مكلفة جدا، وهي عادة ما تستخدم في الدراسات التي تجريها الجهات الحكومية أو من قبل بعض المنظمات الكبيرة. ويعتبر إجراء التعداد السكاني في جميع أنحاء العالم أوضح مثال على هذه الطريقة.

الفرق بين الاستبيانات والجداول الزمنية

يعتبر كلًا من الاستبيانات والجدوال الزمنية طرقا شائعة لجمع البيانات في المسوحات البحثية. هناك الكثير من التشابه في طبيعة هاتين الطريقتين، وهذه الحقيقة جعلت كثير من الناس يلاحظون أنه من الناحية العملية، يمكن اعتبارهما نفس الطريقة. ولكن من الناحية الفنية هناك فرق بين الاثنين. وفيما يلي نبين نقاط الاختلاف الهامة بينهما.

1. يتم إرسال الاستبيان بشكل عام من خلال البريد للمشاركين للإجابة عليه كما هو محدد في الرسالة المرفقة به، ولكن بدون أي مساعدة من المرسل. أما الجدول الزمني فيتم تعبئته عموما من قبل عامل البحث أو العداد الذي يمكنه تفسير الأسئلة عند الضرورة.

2. يعتبر جمع البيانات من خلال الاستبيانات رخيص نسبيا واقتصاديا لأننا ننفق المال فقط على إعداد الاستبيان وفي إرساله بالبريدي للمشتركين، وهذا لا يتطلب موظفين ميدانيين. ولكن جمع البيانات من خلال الجداول الزمنية يعتبر أكثر تكلفة نسبيا حيث لا بد من صرف مبلغا كبيرا من المال في تعيين العدادين وتوفير التدريب لهم، وكذلك يتم إنفاق المال أيضا في إعداد الجداول نفسها.

3. عادة ما يكون معدل عدم الاستجابة مرتفع في حالة الاستبيان لأن كثير من الناس لا يستجيبون وكثيرين يرجعون الاستبيان بدون الإجابة على جميع الأسئلة. ولذلك يبقى التحيز بسبب عدم الاستجابة في كثير من الأحيان غير محدد. في مقابل ذلك، يعتبر معدل عدم الاستجابة عموما منخفض جدا في حالة الجداول، لأنه يتم ملئها من قبل العدادين المدربين و القادرين على الحصول على إجابات لجميع الأسئلة. ولكن مع ذلك، لا يزال هناك خطر الغش والتحيز من قبل العدادين.

4. ليس من الواضح دائما في حالة الاستبيان من هو الشخص الذي قام بالإجابة، ولكن في حالة الجدول الزمني فهوية المشارك معروفة.

5. من المرجح أن تكون طريقة الاستبيان بطيئة جدا لأن العديد من المشاركين قد لا يرجعون الاستبيان في الوقت المناسب على الرغم من تذكيرهم بذلك، ولكن في حالة الجداول يتم جمع المعلومات بشكل جيد في الوقت الذي تعبأ فيه من قبل العدادين.

6. الاتصال الشخصي عموما غير ممكن في حالة طريقة الاستبيان لأن الاستبيانات ترسل لأفراد العينة عن طريق البريد ويتم إرجاعها أيضا بالبريد. ولكن في حالة الجداول فيتم الاتصال الشخصي المباشر مع المشاركين.

7. يمكن استخدام طريقة الاستبيان فقط عندما يكون المستطلعين يعرفون القراءة والكتابة ومتعاونين، ولكن في حالة الجداول الزمنية فالمعلومات يمكن جمعها حتى عندما يكون المستطلَعين أميّين.

8. يكون التوزيع أوسع وأكثر تمثيلا عن العينة وفقا لطريقة الاستبيان، ولكن في طريقة الجداول فهناك عادة صعوبة في إرسال العدادين إلى مساحات أوسع نسبيا.

9. خطر جمع معلومات ناقصة وخاطئة هو أكثر نسبيا عند استخدام طريقة الاستبيان، لا سيما عندما يكون الناس غير قادرين على فهم الأسئلة بشكل صحيح. ولكن في حالة الجداول الزمنية، فالمعلومات التي يتم جمعها كاملة عموما ودقيقة لأن العدادين بإمكانهم إزالة الصعوبات، إن وجدت، التي تواجه المشاركين في فهم الأسئلة بشكل صحيح. ونتيجة لذلك، فإن المعلومات التي يتم جمعها من خلال الجداول هي نسبيا أكثر دقة من تلك التي يتم الحصول عليها من خلال الاستبيانات.

10. نجاح أسلوب الاستبيان يعتمد بشكل أكثر على نوعية الاستبيان نفسه، ولكن في حالة الجداول فالنجاح يعتمد كثيرا على صدق وكفاءة العدادين.

11. يجب أن يكون المظهر المادي للاستبيان جذاب للغاية حتى يجذب انتباه المشاركين، ولكن ذلك قد لا يكون ضروريا في حالة الجداول الزمنية لأنها تملأ من قبل العدادين وليس من قبل المشاركين.

12. يمكن استخدام طريقة الملاحظة أيضًا مع الجداول الزمنية، ولكن ذلك غير ممكن عند جمع البيانات من خلال الاستبيانات.

مبادئ توجيهية لبناء الاستبيانات والجداول

يجب أن ينتبه الباحث إلى النقاط التالية عند بناء الاستبيان أو الجداول الزمنية الملائمة والفعالة:

1. يجب أن ينتبه الباحث إلى المشكلة التي سيقوم بدراستها لأنها توفر نقطة الانطلاق لتطوير الاستبيان أو الجدول. يجب أن يكون واضحا حول مختلف جوانب مشكلة بحثه التي سيتناولها في مشروعه البحثي.

2. تعتمد الصيغة المناسبة للأسئلة على طبيعة المعلومات المطلوبة، وعناصر العينة، ونوع التحليل المفترض. يجب أن يقرر الباحث ما إذا كان يريد استخدام الأسئلة المغلقة أو المفتوحة. وينبغي أن تكون الأسئلة بسيطة ويجب صياغتها بهدف تشكيل جزء منطقي من خطة جدولة مدروسة. وينبغي أيضا أن يتم تحديد وحدات العد بدقة بحيث يمكن أن تضمن معلومات دقيقة وكاملة.

3. يجب تجهيز مسودة للاستبيان أو الجدول، والتفكير مليًا في التسلسل المناسب لوضع الأسئلة. يمكن في هذه المرحلة النظر أيضًا في الاستبيانات أو الجداول التي تمت صياغتها سابقا (إن وجدت).

4. يجب على الباحث دائما أن يعيد النظر، وعند الحاجة يمكنه إعادة النظر في المسودة لكي ينقحها للأفضل. يجب التدقيق في العيوب الفنية  بدقة وإزالتها.

5. ينبغي إجراء دراسة تجريبية لاختبار الاستبيان قبل استخدامه في الدراسة الفعلية. يمكن أن يتم تعديل الاستبيان وفقا لنتائج الدراسة التجريبية.

6. يجب أن يحتوي الاستبيان على تعليمات واضحة وبسيطة للمشاركين (أفراد العينة) بحيث لا يشعرون بأي صعوبة في الإجابة على الأسئلة.

بعض الطرق الأخرى لجمع البيانات

دعونا نختبر بعض الأساليب الأخرى لجمع البيانات،التي يستخدمها بشكل خاص الشركات الكبرى في العصر الحديث.

1. بطاقات الضمان: بطاقات الضمان هي في العادة بحجم البطاقات البريدية، وتستخدم من قبل تجار السلع الاستهلاكية المعمرة لجمع المعلومات عن منتجاتهم. تتم طباعة المعلومات المطلوبة في شكل أسئلة على “بطاقات الضمان” التي يتم وضعها داخل الحزمة مع المنتج مرفقة بطلب موجه للمستهلك لملء البطاقة وبعد ذلك إعادتها إلى التاجر.

2. مراجعات التوزيع

يقوم الموزعين بمراجعات التوزيع وكذلك المصنعين عبر باعتهم على فترات منتظمة. يحصل الموزعين على مراجعات لمتاجرهم عبر باعتهم ويقومون باستخدام هذه المعلومات في تقدير حجم السوق، والحصة السوقية، ونمط الشراء الموسمي، وهلم جرا. ويتم الحصول على البيانات في هذه المراجعات ليس بالسؤال ولكن عن طريق الملاحظة. على سبيل المثال، في حالة مراجعة متجر للبقالة، يتم زيارة عينة من المتاجر بشكل دوري ويتم تسجيل بيانات المخزونات باليد إما عن طريق الملاحظة أو النسخ من سجلات المتجر. تتم مراجعات المتاجر دائما عن طريق عمليات اللجان، لكي يستنتجوا تقديرات المبيعات ولتجميع اتجاهات المبيعات وفق المحال التجارية وهذا هو سبب وجودها الأساسي. الميزة الرئيسية لهذا الأسلوب هي أنه يوفر أنجع وسيلة لتقييم الأثر على المبيعات بالأشكال المختلفة لتقنيات الترويج المتنوعة داخل المحل التجاري.

3. مراجعات المخازن

يستخدم تقنية مراجعات المخازن لتقدير استهلاك سلة السلع على مستوى المستهلك. في هذا النوع من المراجعة، يقوم الباحث بجرد أنواع وكميات وأسعار السلع المستهلكة. وهكذا في مراجعات المخازن يتم تسجيل بيانات المراجعة من خلال فحص مخازن المستهلكين. الهدف المعتاد لمراجعة المخازن هو معرفة أنواع المستهلكين الذين يشترون منتجات معينة وعلامات تجارية معينة،  حيث أن الافتراض هو أن محتويات المخزن تمثل بدقة تفضيلات المستهلك. في كثير من الأحيان، تُستكمل عمليات مراجعة المخازن بأسئلة مباشرة تتعلق بالأسباب والظروف التي تم فيها شراء منتجات معينة في محاولة للربط بين هذه العوامل بالعادات الشرائية. قد لا يتم تعيين لجنة لإجراء مراجعة المخازن، لأنه غالبا ما تعتبر زيارة واحدة كافية لاعطاء صورة دقيقة عن تفضيلات المستهلكين. أحد القيود المهمة على طريقة مراجعة المخازن هو أنه قد لا يكون من الممكن أحيانًا تحديد تفضيلات المستهلكين من بيانات المراجعة وحدها، لا سيما عندما تنتج أجهزة الترويج ارتفاع ملحوظ في المبيعات.

4. لجان المستهلك

هذه تعتبر امتداد لطريقة مراجعة المخازن على أساس منتظم، حيث يتم التفاهم مع مجموعة من المستهلكين للتوصل إلى تفاهم ليكون لديهم سجلات يومية مفصلة عن استهلاكهم وجعلها متاحة حسب طلب الباحث. وبعبارة أخرى، لجان المستهلك هي في الأساس عينة من المستهلكين الذين تتم مقابلتهم مرارا وتكرارا على مدى فترة من الزمن. أغلب لجان المستهلك هي من نوعين وهما، لجان المستهلك المؤقتة ولجان المستهلك الدائمة. يتم تعيين اللجنة المؤقتة لقياس تأثير ظاهرة معينة. وعادة ما يتم إجراء مثل هذه العملية على الأساس القبلي والبعدي. تجرى المقابلات الأولية قبل أن تحدث هذه الظاهرة لتسجيل موقف المستهلك. ويتم تنفيذ المجموعة الثانية من المقابلات بعد أن تحدث هذه الظاهرة لمعرفة ما يترتب على ذلك من تغييرات قد تكون طرأت على موقف المستهلك. إنها وسيلة مفضلة للإعلان والبحث الاجتماعي. وغالبا ما يتم تعيين لجنة المستهلك الدائمة إلى أجل غير مسمى وذلك بهدف جمع بيانات عن جانب معين من سلوك المستهلك مع مرور الوقت، وعادة ما تكون على فترات دورية، أو ربما تكون بمثابة لجنة للأغراض العامة للباحثين حول موضوعات متنوعة. وتستخدم هذه اللجان في مجال الإنفاق الاستهلاكي، والرأي العام والاستماع للإذاعة والتلفزيون وغيرها. معظم هذه اللجان تعمل عن طريق البريد. الصفة التمثيلية للجنة بالنسبة إلى المجتمع وتأثير عضوية اللجنة على المعلومات التي تم الحصول عليها يعد مشكلتين رئيسيتين مرتبطتين باستخدام هذه الطريقة لجمع البيانات.

5. استخدام الأجهزة الميكانيكية

يتم استخدام الأجهزة الميكانيكية لجمع المعلومات على نطاق واسع عبر وسائل غير مباشرة. تعتبر الكاميرا العين، وجهاز قياس النظر والحدقية، وجهاز قياس ردود الفعل العقلية والنفسية (Psychogalvanometer)، وكاميرا الفيديو، ومقياس قوة الاستماع من الأجهزة الرئيسية التي تم تطويرها حتى الآن، ويكثر استخدامها من قبل الشركات التجارية الحديثة الكبيرة، ومعظمها يُستخدم في البلدان المتقدمة لغرض جمع المعلومات المطلوبة.

تم تصميم كاميرات العين لتسجيل محط أنظار المشارك على جزء محدد من رسم أو مادة مكتوبة. تعتبرمثل هذه المعلومات مفيدة في تصميم المواد الإعلانية. تسجل كاميرات الحدقية  تمدد الحدقية نتيجةً لمحفزات بصرية. يظهر مدى الاتساع درجة الاهتمام الذي أثاره هذا المحفز. كما يستخدم مقياس ردود الفعل النفسية لقياس مدى إثارة الجسم نتيجة المحفزات البصرية. أما كاميرات الفيديو فيمكن استخدامها لتسجيل حركة جسم المشتري حين اتخاذ قرار لشراء سلعة استهلاكية من متجر أو محل كبير. تحفز التعبئة والتغليف أو المعلومات الواردة على ملصقات المنتج المشتري أداء بعض الحركات الجسدية التي يمكن تسجيلها بسهولة بواسطة كاميرا فيديو مخفية في جدران المحل الأربعة. يُستخدم مقياس قوة الاستماع (Audiometers) من قبل بعض المهتمين بالتلفزيون لمعرفة نوع البرامج وكذلك المحطات التي يفضلها الناس. يتم وضع جهاز في التلفزيون نفسه لتسجيل هذه التغيرات. ويمكن استخدام هذه البيانات لمعرفة الحصة السوقية بين المحطات التلفزيونية المتنافسة.

6. الطرق الاسقاطية

لقد تم تطوير الطرق الإسقاطية (أو ما يسمى في بعض الأحيان بطرق إجراء المقابلات غير المباشرة) لجمع البيانات من قبل علماء النفس لاستخدام توقعات المشاركين في الاستنتاجات حول الدوافع الكامنة، الحاجة، أو النوايا التي يرفض المشارك إما الكشف عنها أو أنه لا يستطيع معرفتها بنفسه. يميل المشارك في الطريقة الاسقاطية إلى تقديم المعلومات بدون وعي بإسقاط مواقفه أو مشاعره الخاصة حول الموضوع قيد الدراسة. تلعب الطرق الاسقاطية دورا هاما في أبحاث الحوافز أو في الدراسات الاستقصائية للمواقف والاتجاهات.

استخدام هذه التقنيات يتطلب تدريبا متخصصا مكثفا. ففي مثل هذه التقنيات، لا يتم أخذ ردود الفرد على حالة المثير بقيمتها الاسمية. قد تثير المحفزات العديد من الأنواع المختلفة لردود الفعل. طبيعة المنبهات (المحفزات أو المثيرات) والطريقة التي يتم تقديمها بها في إطار هذه التقنيات لا تشير بوضوح إلى الطريقة التي ستُفسّر بها الاستجابات. قد يكون الحافز رسم، صورة، أو بقعة حبر، وهلم جرا. يتم تفسير الاستجابات لهذه المحفزات على أنها تدل على وجهة نظر الفرد نفسه، بنية شخصيته، احتياجاته، وتوتراته، وما إلى ذلك في سياق بعض المفاهيم النفسية التي تم صياغتها مسبقا لما تعنيه استجابات الفرد تجاه حافز ما.

سنحاول الآن توضيح  الطرق الاسقاطية الهامة بإيجاز.

(أ) اختبارات ربط الكلمات

تستخدم هذه الاختبارات لاستخلاص معلومات بشأن الكلمات التي لها ارتباطات كبيرة. في هذا النوع من الاختبار يطلب من المشارك أن يذكر الكلمة الأولى التي تخطر على باله، ظاهريا وبدون تفكير، كلما قرأ القائم بالمقابلة  كل كلمة من القائمة. اذا قرأ الباحث كلمة “بارد” مثلا، فقد يقول المشارك كلمة “ساخن” وما شابه ذلك. يتم في هذه التقنية عموما استخدام قائمة من 50 إلى 100 كلمة. يشير تحليل الكلمات المطابقة المقدمة من المشاركين إلى ما إذا كانت الكلمة المعنية ستستخدم للأغراض المفترضة أم لا. وتستغل الفكرة نفسها في بحوث التسويق لمعرفة الجودة التي ترتبط في الغالب بالعلامة التجارية للمنتج. قد يتم سرد عدد من صفات منتج ما، وربما يطلب من المشاركين كتابة الأسماء التجارية التي تمتلك واحدة أو أكثر من هذه الصفات. هذا الأسلوب سريع وسهل الاستخدام، ولكنه يعطي نتائج يمكن الاعتماد عليها عند استخدام الكلمات المعروفة على نطاق واسع والتي لها معنى واحد أساسا. ويكثر استخدام هذه الطريقة في بحوث الإعلان.

(ب) اختبارات استكمال الجملة

تعتبر هذه الاختبارات امتدادا لأسلوب اختبارات ربط الكلمات. في هذه الطريقة، قد يُطلب من المشارك إكمال جملة (مثل: النساء اللاتي يرتدين الحجاب هنّ …) لإيجاد الربط بين لبس الحجاب وخصائص شخصية معينة. يمكن عرض عدة جمل من هذا النوع على المشارك حول نفس الموضوع. تكشف تحليل ردود المشارك عن موقفه تجاه هذا الموضوع، وبعد ذلك يتم أخذ مجموع هذه المواقف من جميع أفراد العينة لتعكس وجهات نظر المجتمع. تسمح هذه التقنية باختبار ليس فقط الكلمات (كما في حالة اختبارات ربط الكلمات)، ولكن باختبار الأفكار أيضا، وبالتالي، تساعد في تطوير الفرضيات وبناء الاستبيانات. هذه الطريقة سريعة وسهلة الاستخدام أيضًا، ولكنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى مشاكل تحليلية، وخاصة عندما تكون الاستجابة متعددة الأبعاد.

(ج) اختبارات استكمال القصص

تذهب هذه الاختبارات إلى خطوة أبعد حيث يفبرك الباحث القصص بدلا من الجمل ويطلب من المشاركين إكمالها. يتم إعطاء المشارك ما يكفي من القصة لتركيز اهتمامه على موضوع معين ويطلب منه توفير خاتمة لهذه القصة.

(د) اختبارات الإسقاط اللفظية: في هذه الاختبارات يطلب من المشارك أن يعلق على أو يشرح ما يفعله الآخرون. على سبيل المثال، لماذا يدخن الناس؟ قد تكشف الأجوبة عن دوافع المشارك الخاصة.

 (هـ) الطرق التصويرية

هناك العديد من التقنيات التصويرية. وفيما يلي نذكر المهمة منها:

  • اختبار الإدراك الشعوري الموضوعي: ويتكون من مجموعة من الصور (بعض الصور تتعامل مع الأحداث العادية اليومية، وقد يكون بعضها الآخر صور غامضة لحالات غير عادية) التي تعرض على المشاركين حيث يُطلب منهم وصف ما تمثله الصور حسب اعتقادهم. تشكل ردود المستطلعين الأساس للباحث الذي يبني عليه استنتاجاته حول بنية شخصيتهم، واتجاهاتهم، ومواقفهم، وما إلى ذلك
  • اختبار روزنزويج (Rosenzweig test): هذا الاختبار يستخدم الرسوم الكرتونية بحيث يكون لدينا سلسلة من الرسوم الكاريكاتورية مع الكلمات المدرجة في “البالونات” أعلاها. يطلب من المشارك أن يضع كلماته في فراغات البالونات الفارغة المخصصة لهذا الغرض في الصورة. ومما يكتبه المشاركين على هذا النحو، يمكن دراسة مواقفهم واتجاهاتهم.
  • اختبار رورسكهاتش (Rorschach test): هذا الاختبار يتكون من عشر بطاقات عليها بصمات من بقع الحبر. يكون التصميم متناظرًا ولكن بلا معنى. ويطلب من المشاركين وصف ما يرون في بقع الحبر المتناظرة ويتم تفسير الردود على أساس إطار نفسي ما محدد مسبقا. يستخدم هذا الاختبار كثيرا، ولكن مشكلة الصلاحية لا تزال تمثل مشكلة كبيرة لهذا الاختبار.
  • اختبار بقعة حبر هولتزمان (Holtzman Inkblot Test): هذا الاختبار من هولتزمان هو تعديل لاختبار رورسكهاتش الموضح أعلاه. يتكون هذا الاختبار من 45 بطاقات ملطخة بالحبر (وليس 10 بقع حبركما في حالة اختبار رورسكهاتش) وهي تقوم على اللون والحركة والتظليل والعوامل الأخرى المعنية في استيعاب بقعة الحبر. يتم الحصول على رد واحد فقط لكل بطاقة من المشارك ويتم تفسير ردود المشارك على ثلاثة مستويات من حيث ملائمة الشكل. يتم تفسير شكل الردود لمعرفة دقة (F) أو عدم دقة (F-) استيعاب المشارك؛ والتظليل والألوان للتحقق من احتياجاته الوجدانية والعاطفية. وحركة الاستجابات لتقييم الجوانب الحيوية من حياته.

هناك العديد من المميزات الخاصة لاختبار بقعة حبر هولتزمان. فهو أولا، على سبيل المثال، يستخلص عدد ثابت نسبيا من الردود لكل مشارك. ثانيا، يسهل دراسة استجابات المشارك على بطاقات مختلفة في ضوء معايير كل بطاقة ولا يخلط بين بعضها البعض. ثالثا، يستخلص معلومات من المشارك أكثر من تلك التي يمكن استخلاصها بعشرة بطاقات في اختبار رورسكهاتش،لأن البطاقات (45) المستخدمة في هذا الاختبار توفر مجموعة متنوعة من المحفزات للمشارك ولذلك فإن مجموعة الاستجابات التي يستخلصها الاختبار أوسع نسبيا.

ومع ذلك نجد أن هناك بعض القيود المفروضة على هذا الاختبار أيضا. أحد الصعوبات في استخدام هذا الاختبار هي أن معظم المستطلَعين لا يعرفون محددات تصوراتهم، ولكن بالنسبة للباحث الذي يتحتم عليه تفسير بروتوكولات المشارك وفهم شخصيته (أو موقفه) من خلالها، فإن معرفة العوامل المحددة لكل استجابة من استجاباته يعتبر أمر لا بد منه. هذه الحقيقة تؤكد أن الاختبار يجب أن يُجرى بشكل فردي ويجب كذلك أن يتم إجراء تحقيق بعد الاختبار لمعرفة طبيعة ومصادر الاستجابات وهذا يحد من نطاق اختبار هولتزمان كاختبار جماعي للشخصية. ليس هذا فقط، “ففائدة اختبار هولتزمان لا تزال تحتاج للتأطير لاستخدامه في أغراض الاختيار الشخصي، التوجيه المهني، وما إلى ذلك”[12].

هذه القيود جعلت بعض الناس يجرون بعض التغييرات عند تطبيق هذا الاختبار. على سبيل المثال، وضع فيشر وكليفلاند في منهجهما للحصول على درجة الحاجز لشخصية الفرد سلسلة من الخيارات المتعددة لأربعين (40) بطاقة في اختبار هولتزمان. وتُعرض كل هذه البطاقات على المشارك مع ثلاثة خيارات مقبولة [مثل “فارس بدرع” (استجابة الحاجز)، “الأشعة السينية” (استجابة اختراق) و “زهرة” (استجابة محايدة)]. يقوم المشارك باختيار الخيار الذي يفضله أكثر شئ، ويضع علامة مختلفة على الخيار الذي يفضله أقل شئ، ويترك الخيار الثالث فارغا. وفي النهاية فإن عدد استجابات خيارات الحاجز المختارة من قبل المشارك يحدد درجة حاجزه في الاختبار.

  • اختبار تومكينس-هورن لترتيب الصور

تم تصميم هذا الاختبار لإجرائه للمجموعات، وهو يتألف من خمسة وعشرين لوحة، يحتوي كل منها على ثلاثة اسكتشات يمكن ترتيبها بطرق مختلفة لتصوير تسلسل الأحداث. يطلب من المشارك أن يرتبها في التسلسل الذي يعتبره معقولًا. يتم تفسير الاستجابات على أنها تُقدم أدلة تثبت معايير ما، ومواقف المشارك، الخ.

(و) طريقة الألعاب

يُطلب من المشاركين في هذه الطريقة الارتجال أو تمثيل موقف يتم فيه تعيين أدوار مختلفة. يمكن أن يلاحظ الباحث بعض الصفات، مثل العداء، الهيمنة، والتعاطف والتحيز أو غياب مثل هذه الصفات. لقد استخدمت هذه الطرق لمعرفة مواقف الصغار من خلال التلاعب بالدمى. وعادة ما تعطى دمى تمثل جماعات عرقية مختلفة إلى الأطفال الذين يسمح لهم باللعب بها بحرية. تشير الطريقة التي ينظم بها الأطفال الدمى إلى مواقفهم تجاه فئة الأشخاص الممثلة في الدمى. وتعرف هذه الطريقة أيضا باختبار اللعب بالدمى، وكثيرا ما تستخدم في الدراسات المتعلقة بعلم الاجتماع. قد يوفر اختيار اللون والشكل، والكلمات، وقد يوفر معنى الانتظام وردود الفعل الأخرى فرص للاستدلال عن المشاعر العميقة.

(ز) المسابقات والاختبارات والامتحانات

هذه أيضا هي طريقة لاستخراج المعلومات التي لها علاقة بقدرات معينة عند المشاركين بشكل غير مباشر، حيث يتم في هذا الإجراء تأطير الأسئلة الطويلة والقصيرة لاختبار قدرة المشاركين على الحفظ والتحليل.

(ح) قياس العلاقات الاجتماعية

يعتبر قياس العلاقات الاجتماعية (Sociometry) طريقة لوصف العلاقات الاجتماعية بين الأفراد في المجموعة. تحاول هذه الطريقة وصف أوجه الجذب أو النفور بين الأفراد من خلال الطلب منهم الإشارة إلى من سسيختارون أو يرفضون في مواقف مختلفة. وبالتالي، فإن طريقة قياس العلاقات الاجتماعية هي أسلوب جديد لدراسة الدوافع الكامنة للمشاركين. “هذه الطريقة هي محاولة لتتبع تدفق المعلومات بين المجموعات ومن ثم دراسة الطرق التي تنتشر بها الأفكار الجديدة. يتم تطوير هذه المقاييس (Sociograms) لتحديد القادة والأتباع”[13]، وهي عبارة عن خرائط تصور خيارات اجتماعية. هناك نسخ كثيرة منها وعلى القارئ استشارة المراجع المتخصصة في قياس العلاقات الاجتماعية لهذا الغرض. ويتم تطبيق هذا النهج لنشر الأفكار حول المخدرات بين الممارسين للمهن الطبية.

7. المقابلات المعمقة

المقابلات المعمقة هي تلك المقابلات التي تم تصميمها لاكتشاف الدوافع الكامنة والرغبات، وغالبا ما تستخدم في بحوث الحوافز. وتُجرى هذه المقابلات لاستكشاف احتياجات، ورغبات ومشاعر أفراد العينة. وبعبارة أخرى، فهي تهدف إلى استخلاص اللاوعي وأنواع أخرى أيضا من المواد المتعلقة بديناميات الشخصية والدوافع. ولذلك، فإن المقابلات المعمقة تتطلب مهارة كبيرة من طرف الشخص الذي يجريها، وفي الوقت نفسه تتطلب وقتا أطول. لا ينبغي على الباحث استخدام المقابلات المعمقة إلا إذا كان قد تلقى تدريبًا خاصًا حول كيفية إجرائها.

قد تكون المقابلة المعمقة اسقاطية في طبيعتها أو لا. الفرق يكمن في طبيعة الأسئلة المطروحة. توفر الأسئلة غير المباشرة حول المواضيع التي تبدو غير ذات صلة المعلومات التي يمكن أن تكون لها علاقة بسلوك المخبر أو موقفه من الموضوع قيد الدراسة. وهكذا، على سبيل المثال، قد يُطلب من المشارك الوتيرة التي يسافر بها عبر الجو، ثم قد يطلب منه مرة أخرى في مرحلة لاحقة رواية رأيه بشأن مشاعر أقارب رجل ما قتل في حادث طائرة. ويمكن بعد ذلك الربط بين الردود على الأسئلة من النوع الأخير وتردده (عدم رغبته) في الطيران. إذا تضمنت المقابلة المعمقة أسئلة من هذا النوع، فيمكن اعتبارها مقابلة اسقاطية معمقة. ولكن لكي تكون مفيدة، لا يجب أن تكون المقابلات المعمقة بالضرورة اسقاطية في طبيعتها؛ فحتى المقابلات المعمقة غير الاسقاطية بامكانها كشف جوانب مهمة من الوضع النفسي الاجتماعي لكي يتم فهم مواقف الناس.

8. تحليل المحتوى

يتكون تحليل المحتوى من تحليل محتويات المواد الوثائقية مثل الكتب والمجلات والصحف ومحتويات جميع المواد اللفظية سواءا المنطوقة منها أو المطبوعة[14]. كان تحليل المحتوى قبل عام 1940 مجرد تحليل كمي للمواد الوثائقية المتعلقة ببعض الخصائص التي يمكن تحديدها وفرزها. ولكن منذ عام 1950 أصبح معظم تحليل المحتوى تحليلا نوعيًا يتعلق بالاستيراد العام أو المستندات الموجودة. “الفرق هو إلى حد ما شبيه بذلك الذي بين المقابلة العارضة والمقابلة المعقمة”[15]. غالبا ما يرتبط اسم برنار بيريلسون (Bernard Berelson) مع هذا النوع الأخير من تحليل المحتوى. “تحليل المحتوى هو قياس من خلال النسبة …. يقيس الانتشار وهذا ما يعتبر أحيانا مؤشرا على شدة القوة”[16].

يعتبر تحليل المحتوى نشاط رئيسي  للمرء إذا كان مهتمًا بدراسة طبيعة المواد اللفظية. على سبيل المثال، تنطوي مراجعة الأبحاث في أي مجال على تحليل محتويات المقالات والبحوث التي تم نشرها. قد يكون التحليل على مستوى بسيط نسبيا أو قد يكون مخفيا. يكون التحليل في مستوى بسيط عندما نتتبع خصائص معينة في المستند أو المواد اللفظية التي يمكن تحديدها وعدها (مثلا: على أساس المفاهيم العلمية الرئيسية في كتاب). وربما يكون التحليل على المستوى الخفي أيضًا عندما يقوم الباحث مثلا بدراسة موقف الصحافة من التعليم من خلال الكتّاب المميزين.

جمع البيانات الثانوية

البيانات الثانوية تعني البيانات المتاحة بالفعل، أي أنها تشير إلى البيانات التي تم جمعها وتحليلها من قبل شخص آخر. عندما يستخدم الباحث البيانات الثانوية، فعليه أن ينظر إلى المصادر المختلفة التي يمكنه من خلالها الحصول عليها. في هذه الحالة فهو بالتأكيد لن يواجه المشاكل التي ترتبط عادة بجمع البيانات الأصلية. يمكن أن تكون البيانات الثانوية بيانات منشورة أو بيانات غير منشورة. وعادة ما تتوفر البيانات المنشورة في: (أ) منشورات مختلفة من الحكومة المركزية، أو الإدارات المحلية؛ (ب) منشورات مختلفة من الحكومات الأجنبية أو الهيئات الدولية والمنظمات التابعة لها؛ (ج) المجلات الفنية والتجارية؛ (د) الكتب والمجلات والصحف. (هـ) التقارير والمنشورات من مختلف الجمعيات التي لها علاقة بقطاع الأعمال والصناعة والبنوك والبورصات، وما إلى ذلك؛ (و) التقارير التي يعدها علماء الأبحاث والجامعات والخبراء الاقتصاديين، وما إلى ذلك في مختلف المجالات؛ و (ز) السجلات العامة والإحصائيات، والوثائق التاريخية، وغيرها من مصادر المعلومات المنشورة. أما مصادر البيانات غير المنشورة فهي كثيرة، ويمكن العثور عليها في اليوميات، والرسائل، والسير الذاتية المنشورة و غير المنشورة، وقد تكون أيضا متاحة من العلماء والباحثين، والاتحادات التجارية، ومكاتب العمل والأفراد وغيرها من المنظمات العامة والخاصة.

يجب أن يكون الباحث حذرا جدا في استخدام البيانات الثانوية. ويجب عليه إجراء فحص دقيق لأنه من الممكن  أن تكون البيانات الثانوية غير مناسبة أو قد تكون غير كافية في سياق المشكلة التي يريد الباحث دراستها. في هذا الصدد يلاحظ الدكتور بولي (A.L. Bowley) على نحو مناسب جدا أنه ليس من الجيد أخذ الإحصاءات المنشورة على ظاهرها بدون معرفة معناها وحدودها، لأنه من الضروري دائما أن تنتقد الحجج التي يمكن أن تعتمد عليها.

ولكي يكون الباحث حذرًا، يجب عليه قبل استخدام البيانات الثانوية أن يتأكد أنها تتمتع بالصفات التالية:

1. موثوقية البيانات: يمكن اختبار الموثوقية عن طريق معرفة هذه الأشياء عن البيانات المذكورة: (أ) من جمع البيانات؟ (ب) ما هي مصادر البيانات؟ (ج) هل تم جمعها باستخدام الطرق الصحيحة (د) في أي وقت تم جمعها؟ (هـ) هل كان هناك أي تحيز من الشخص الذي جمعها؟ (و) ماذا كان مستوى الدقة المطلوب؟ وهل تم تحقيقه؟

2. ملائمة البيانات: البيانات التي قد تكون مناسبة لبحث ما قد لا تكون بالضرورة مناسبة لبحث آخر. وبالتالي، إذا كانت البيانات المتاحة غير صالحة، فينبغي أن لا تُستخدم من قبل الباحث. في هذا السياق، يجب على الباحث أن يدقق بعناية فائقة في تعريف المصطلحات المختلفة ووحدات جمع البيانات المستخدمة عند جمع البيانات من المصدر الرئيسي الأصلي. وبالمثل، فإنه يجب أيضا دراسة موضوع ونطاق وطبيعة البحث الأصلي. وإذا وجد الباحث اختلافات في هذه الأشياء، فستكون البيانات غير صالحة للبحث الحالي، وينبغي أن لا تستخدم.

3. كفاية البيانات: إذا وجد أن مستوى الدقة الذي تم تحقيقه في البيانات غير كافي لغرض البحث الحالي، فإنها ستعتبر غير كافية ويجب عدم استخدامها من قبل الباحث. ستعتبر أيضًا البيانات غير كافية إذا كانت تتعلق بهدف قد يكون إما أضيق أو أوسع من مجال البحث الحالي.

يمكننا أن نستنتج من كل هذا أن استخدام البيانات المتاحة بالفعل أمر محفوف بالمخاطر للغاية. وينبغي للباحث استخدام البيانات المتاحة بالفعل فقط عندما يجد أنها موثوقة، ومناسبة وكافية. لكن لا يجب عليه تجاهل استخدام هذه البيانات إذا كانت متوفرة بسهولة من المصادر الأصيلة، وكانت مناسبة وكافية، لأنه في هذه الحالة لن يكون اقتصاديًا قضاء الوقت والطاقة في المسوحات الميدانية لجمع المعلومات. قد تكون هناك أحيانا ثروة من المعلومات التي يمكن استخدامها موجودة في البيانات المتاحة بالفعل والتي يجب أن يتم استخدامها من قبل الباحث الذكي ولكن بحذر.

اختيار الطريقة المناسبة لجمع البيانات

إذن، هناك طرق مختلفة لجمع البيانات. ولذلك يجب على الباحث أن يختار بحكمة الطريقة / الطرق الخاصة بدراسته، واضعا نصب عينيه العوامل التالية:

1. طبيعة ونطاق وهدف البحث: هذا يشكل أهم العوامل المؤثرة في اختيار طريقة معينة. يجب أن تكون الطريقة المختارة من النوع الذي يناسب نوع البحث الذي سيجريه الباحث. هذا العامل مهم أيضا في تحديد ما إذا كان سيتم استخدام البيانات المتاحة بالفعل (البيانات الثانوية) أو أن البيانات غير متوفرة حتى الآن (البيانات الأولية) ويتعين جمعها.

2. توافر التمويل: توافر التمويل اللازم للمشروع البحثي يحدد بشكل كبير الطريقة التي سيتم استخدامها لجمع البيانات. عندما تكون الأموال تحت تصرف الباحث محدودة للغاية، فإنه سيكون عليه اختيار طريقة أرخص نسبيا والتي قد لا تكون فعالة مثل بعض الطرق المكلفة الأخرى. التمويل، في الواقع، يشكل عائقا عمليًا كبيرا وعلى الباحث أن يتصرف وفقًا لهذا القيد.

3. عامل الوقت: كما يجب أخذ توافر الوقت بعين الاعتبار عند اختيار طريقة معينة لجمع البيانات. فبعض الطرق تستغرق وقتًا أكثر نسبيا، بينما تستلزم الأخريات مدة أقصر نسبيا. و بالتالي فإن الوقت المتوفر للباحث يؤثر على اختيار الطريقة التي سيتم جمع البيانات بواستطها.

4. الدقة المطلوبة: تعتبر الدقة المطلوبة عامل مهم آخر يجب أخذه في الاعتبار عند اختيار طريقة جمع البيانات.

ولكن يجب على المرء أن يتذكر دائما أن لكل طريقة من طرق جمع البيانات استخداماتها وأنه ليست هناك طريقة مثلى في جميع الحالات. على سبيل المثال، يمكن اعتبار الهاتف أسلوب المقابلة المناسب (على افتراض مجتمع دراسة لديه هواتف) إذا كان التمويل محدود، والوقت محدود أيضا وكانت البيانات التي سيتم جمعها متعلقة بعدد قليل من العناصر مع أو بدون وجود درجة معينة من الدقة. في حالة كان التمويل يسمح وهناك رغبة في معلومات أكثر، يمكن القول بأن طريقة المقابلة الشخصية قد تكون أفضل نسبيا. وفي حال توافر الوقت، وكان التمويل محدود ويرغب في جمع الكثير من المعلومات بدون دقة، فيمكن اعتبار طريقة الاستبيان البريدي معقولة. عندما يكون التمويل متوافر، والوقت متوفر أيضا ويرغب في جمع الكثير من المعلومات بدون دقة، فيمكن عندها استخدام إما المقابلة الشخصية أو الاستبيان البريدي، أو الاستخدام المشترك لهاتين الطريقتين باعتبارها طرق مناسبة لجمع البيانات. عندما تكون المنطقة الجغرافية المراد تغطيتها واسعة، فإن استخدام الاستبيانات البريدية التي تكملها المقابلات الشخصية ستسفر عن نتائج أكثر موثوقية أكثر من استخدام إحدى الطريقتين لوحدها. ويمكن استخدام البيانات الثانوية في حالة ما إذا وجد الباحث أنها موثوقٌ بها، وكافية ومناسبة لأبحاثه. في حالة دراسة التأثيرات المحفزة في الأبحاث السوقية أو دراسة مواقف الناس في الدراسات الاستقصائية النفسية / الاجتماعية، فيمكننا اللجوء إلى استخدام واحد أو أكثر من الطرق الإسقاطية المذكورة أعلاه. تعتبر هذه الطرق ذات قيمة كبيرة في حال امكانية الحصول على الأسباب من المشارك الذي يعرف السبب لكنه لا يريد الاعتراف بذلك أو في حالة كان السبب يتعلق ببعض المواقف النفسية الكامنة وكان المشارك ليس على علم بها. ولكن عندما يكون المشارك يعرف السبب، ويمكنه أن يقول الشيء نفسه إذا طلب منه ذلك، فإن الاستبيان غير الإسقاطي، الذي يستخدم أسئلة مباشرة، قد يسفر عن نتائج مرضية حتى في حالة مسوحات المواقف. وبما أن الطرق الاسقاطية مازالت في مرحلة تطور مبكرة ولأن صلاحية الكثير منها لازالت قيد التمحيص، فعادة ما يعتبر من الأفضل الاعتماد على الأساليب الإحصائية الواضحة مع استخدام الطرق الاسقاطية كتكميل لها. ومع ذلك، فهي ذات قيمة عالية في مرحلة ما قبل الاختبار والبحث عن الفرضيات.

وبالتالي، فإن النهج المرغوب فيه أكثر فيما يتعلق باختيار الطريقة يعتمد على طبيعة المشكلة المعنية، وعلى الوقت والموارد (المال والأفراد) المتاحة بالاضافة إلى درجة الدقة المطلوبة. ولكن، فوق كل هذا، يعتمد الكثير على قدرة وخبرة الباحث. وكما علق الدكتور بولي في هذا السياق بأنه “عند جمع البيانات الإحصائية فإن الحس السليم هو المطلب الرئيس وأن الخبرة اللازمة هي كبير المعلمين.”

طريقة دراسة الحالة

تعتبر طريقة (أو منهج) دراسة الحالة نوع مشهور جدا من التحليل النوعي وينطوي على رصد دقيق وكامل لوحدة اجتماعية، حيث تكون تلك الوحدة شخص، عائلة، مؤسسة أو جماعة ثقافية أو حتى المجتمع بأكمله[17]. هي طريقة للدراسة المتعمقة وليس الواسعة. تضع دراسة الحالة مزيد من التركيز على التحليل الكامل لعدد محدود من الأحداث أو الظروف والعلاقات فيما بينها. تتعامل دراسة الحالة مع العمليات التي تجري والعلاقات فيما بينها. وبالتالي، فإن دراسة الحالة هي في الأساس عملية دراسة مكثفة لوحدة معينة قيد البحث. الهدف من طريقة دراسة الحالة هو تحديد العوامل التي تشكل أنماط سلوك وحدة معينة ككل متكامل.

وفقا لأودم (H. Odum)، فإن “منهج دراسة الحالة هو الأسلوب الذي يتم فيه تحليل عامل فردي سواءا كان مؤسسة أو مجرد حلقة في حياة الفرد أو مجموعة وفقا لعلاقته بأي آخر في المجموعة”[18]. وهكذا، فإن الدراسة الشاملة لشخص ما (ماذا فعل ويفعل، ماذا يعتقد انه يفعل أوفعل وماذا كان يتوقع القيام به، وما يقول أنه يجب فعله) أو مجموعة تسمى حياة أو تاريخ حالة. وقد استخدم بورغيس (Burgess) عبارة “المجهر الاجتماعي” لوصف طريقة دراسة الحالة[19]. “يصف بولين يونغ (Pauline V. Young) دراسة الحالة بأنها “دراسة شاملة لوحدة اجتماعية حيث تكون تلك الوحدة شخص أو جماعة أو مؤسسة اجتماعية، حي أو مجتمع”[20]. وباختصار، يمكننا القول بأن منهج دراسة الحالة هو شكل من أشكال التحليل النوعي حيث يتم فيه رصد دقيق وكامل لفرد أو موقف أو مؤسسة؛ وتبذل الجهود لدراسة كل جانب من الجوانب المتعلقة بالوحدة بالتفاصيل الدقيقة ومن ثم تشتق التعميمات والاستنتاجات من بيانات الحالة.

الخصائص: تتمثل الخصائص المهمة لمنهج دراسة الحالة فيما يلي:

1. بموجب هذه الطريقة يمكن للباحث أن يأخذ وحدة اجتماعية واحدة أو أكثر لغرض دراسته. كما يمكنه أخذ موقف لدراسة نفس الوحدة بشمولية.

2. يتم دراسة الوحدة المختارة بشكل مكثف، أي أنه يتم دراستها بالتفاصيل الدقيقة. عموما، تمتد الدراسة على مدى فترة طويلة من الزمن للتأكد من التاريخ الطبيعي للوحدة وذلك للحصول على ما يكفي من المعلومات لاشتقاق الاستنتاجات الصحيحة.

3. نقوم في هذه الطريقة بدراسة كاملة للوحدة الاجتماعية تغطي جميع الجوانب. نحاول من خلال هذا الطريقة فهم مركب العوامل التي تعمل داخل الوحدة الاجتماعية باعتبارها وحدة متكاملة.

4 إن منهج هذه الطريقة  نوعي وليس كمي، حيث لا يتم جمع المعلومات الكمية فقط، ولكن يبذل كل جهد ممكن لجمع المعلومات المتعلقة بجميع جوانب الحياة. وعلى هذا النحو، فإن دراسة الحالة تعمق فهمنا وتعطينا رؤية واضحة للحياة. على سبيل المثال، عندما نقوم بدراسة حالة رجل ما على أنه مجرم بطريقة دراسة الحالة، فإننا لا ندرس فقط عدد الجرائم التي قام بها، ولكن نتعمق في العوامل التي دفعته لارتكاب هذه الجرائم. قد يكون الهدف من هذه الدراسة هو اقتراح السبل الممكنة لإصلاح المجرم.

5. يتم بذل الجهد في منهج دراسة الحالة لمعرفة العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين العوامل المسببة.

6. يتم في منهج دراسة الحالة دراسة نمط سلوك الوحدة المعنية مباشرة وليس عن طريق النهج المجرد وغير المباشر.

7. تنتج طريقة دراسة الحالة فرضيات مثمرة إلى جانب البيانات التي قد تكون مفيدة في اختبارها، وبالتالي فإنه يجعل المعرفة المعممة أغنى وأثرى. إن غياب هذه الطريقة قد يعوق العلوم الاجتماعية المعممة.

التطور والنطاق

طريقة دراسة الحالة هي طريقة بحث ميداني منهجي مستخدمة على نطاق واسع في علم الاجتماع هذه الأيام. يرجع الفضل في إدخال هذه الطريقة إلى مجال البحث الاجتماعي إلى فريدريك لو بلي (Frederic Le Play) الذي استخدمها كوسيلة للإحصاءات في  دراساته عن ميزانيات العائلات. كان هربرت سبنسر (Herbert Spencer) أول من استخدم مواد الحالة في مقارنته لثقافات مختلفة. ولجأ الدكتور ويليام هيلي (William Healy) إلى هذه الطريقة في دراسته لجنوح الأحداث، واعتبرها وسيلة أفضل وأرقى من مجرد استخدام البيانات الإحصائية. وبالمثل، استخدم علماء الانثروبولوجيا والمؤرخين والروائيين والمسرحيين هذا الأسلوب في المشاكل المتعلقة بمجالات اهتمامهم. حتى خبراء الإدارة يستخدمون أساليب دراسة الحالة للحصول على أدلة حول العديد من المشاكل الإدارية. باختصار، يتم استخدام منهج دراسة الحالة في العديد من التخصصات. ليس هذا فحسب، ولكن استخدامه آخذ في الازدياد يوما بعد يوم.

الافتراضات: يستند منهج دراسة الحالة على عدة افتراضات، يمكن سرد المهمة منها فيما يلي:

 (أ) افتراض التماثل في طبيعة الإنسان الأساسية على الرغم من حقيقة أن السلوك البشري قد يختلف  وفقا للمواقف.

(ب) افتراض دراسة التاريخ الطبيعي للوحدة المعنية.

(ج) افتراض الدراسة الشاملة للوحدة المعنية.

المراحل الرئيسية المعنية

تكمن المراحل الكبرى في دراسة الحالة فيما يلي:

(أ) التعرف على وتحديد حالة الظاهرة التي يتم دراستها أو الوحدة المعنية قيد الاهتمام.

(ب) جمع البيانات، وفحص وتاريخ ظاهرة معينة.

(ج) تشخيص وتحديد العوامل المسببة كأساس للعلاج الاصلاحي أو التطويري.

(د) تطبيق تدابير علاجية أي ما معناه المعالجة والعلاج (وغالبا ما تتميز هذه المرحلة كحالة عمل).

(ت) برنامج متابع لتحديد فعالية العلاج المستخدم.

المزايا

هناك العديد من المزايا لمنهج دراسة الحالة التي تنبع من مختلف الخصائص المذكورة أعلاه. يمكننا فيما يلي الاشارة إلى المزايا الهامة منها:

(أ) بما أنها دراسة مستفيضة لوحدة اجتماعية، فإن منهج دراسة الحالة يمكّننا من فهم كامل لنمط سلوك الوحدة المعنية. ووفقا لقول تشارلز هورتن كولي (Charles Horton Cooley) فإن “دراسة الحالة تعمق إدراكنا وتعطينا رؤية أكثر وضوحا عن الحياة لأنها تصل إلى السلوك مباشرة وليس عن طريق النهج غير المباشر والمجرد “.

(ب) يمكن للباحث من خلال دراسة الحالة الحصول على سجل حقيقي ومستنير عن التجارب الشخصية التي من شأنها أن تكشف عن المساعي الداخلية والتوترات والدوافع التي تدفع بالمرء إلى العمل إلى جانب القوى التي توجهه نحو تبني نمط معين من السلوك.

 (ج) تمكن هذه الطريقة الباحث أن يتتبع التاريخ الطبيعي للوحدة الاجتماعية وعلاقتها مع العوامل الاجتماعية والقوى العاملة في البيئة المحيطة بها.

(د) تساعد في صياغة الفرضيات ذات الصلة بالإضافة إلى البيانات التي قد تكون مفيدة في اختبارها. وبالتالي، فإن دراسات الحالة تجعل المعرفة المعممة أغنى وأثرى.

(هـ) تيسر الطريقة الدراسة المكثفة للوحدات الاجتماعية والذي يعتبر عادة غير ممكن عند استخدام سواءًا طريقة الملاحظة أو طريقة جمع المعلومات من خلال الجداول. هذا هو السبب الذي يجعل الباحثين في كثير من الأحيان يستخدمون منهج دراسة الحالة، وخاصة في البحوث الاجتماعية.

(و) المعلومات التي يتم جمعها وفقا لطريقة دراسة الحالة تساعد الباحث كثيرا في مهمة بناء الاستبيان أو الجدول الزمني المناسب لأن هذه المهمة تتطلب معرفة وافية حول الكون المعني.

(ز) يمكن للباحث استخدام واحد أو أكثر من طرق البحث العديدة وفقا لطريقة دراسة الحالة وهذا يتوقف على الظروف السائدة. وبعبارة أخرى، يمكن استخدام طرق مختلفة مثل المقابلات المعمقة، والاستبيانات، والوثائق وتقارير دراسة الأفراد، والرسائل، وما شابه ذلك في ظل منهج دراسة الحالة.

(ح) أثبت منهج دراسة الحالة أنه مفيد في تحديد طبيعة الوحدات التي سيتم دراستها بالاضافة إلى طبيعة الكون. ولهذا السبب تسمى طريقة دراسة الحالة في بعض الأحيان بطريقة تنظيم البيانات.

(ط) تعتبر هذ الطريقة وسيلة لفهم ماضي الوحدة الاجتماعية جيدا بسبب تركيزها على التحليل التاريخي. الى جانب ذلك، فإنها أيضا تقنية لاقتراح تدابير التحسين في سياق البيئة الحالية للوحدات الاجتماعية المعنية.

(ي) تشكل دراسات الحالة نوع مثالي للمواد الاجتماعية لأنها تمثل سجلًا حقيقيًا للتجارب الشخصية التي لا تنال، في كثير من الأحيان، اهتمام معظم الباحثين المهرة الذين يستخدمون طرق أخرى.

(ق) تعزز طريقة دراسة الحالة خبرة الباحث، وهذا بدوره يزيد من قدرته على التحليل ومهارته.

(ل) هذه الطريقة تمكننا من دراسة التغيرات الاجتماعية. تمكن الدراسة الدقيقة للجوانب المختلفة لوحدة اجتماعية ما الباحث أن يفهم التغيير الاجتماعي جيدا آنذاك والآن. هذا يسهل عملية تكوين الاستنتاجات، ويساعد أيضًا في المحافظة على استمرارية عملية البحث. في الواقع، قد تعتبر بوابة إلى، وفي الوقت نفسه الوجهة النهائية للمعرفة المجردة.

(م) لا غنى عن تقنيات دراسة حالة للأغراض العلاجية والإدارية. كما أنها ذات قيمة كبيرة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعديد من المشاكل الإدارية. تعتبر بيانات الحالة مفيدة جدا للتشخيص والعلاج وغيرها من مشاكل الحالات العملية.

القيود

يمكننا كذلك أن نبرز القيود الهامة في منهج دراسة الحالة في النقاط التالية.

(أ) نادرا ما تكون مواقف الحالات قابلة للمقارنة ولذلك فإن المعلومات المجموعة في دراسات الحالة غالبا ما تكون غير قابلة للمقارنة. بما أن الشخص قيد دراسة الحالة يروي التاريخ بكلماته، فإن المفاهيم ووحدات التصنيف العلمي المنطقي يجب أن يتم قرائتها فيها أو استخراجها منها من قبل الباحث.

(ب) لا يعتبر ريد باين (Read Bain) بيانات الحالة كبيانات علمية مهمة نظرا لأنها لا توفر جوانب المعرفة “غير المشخصنة، العالمية، غير الأخلاقية، غير العملية، المتكررة للظواهر”[21]. لا يتم جمع المعلومات الحقيقية في كثير من الأحيان لأن ذاتية الباحث تتدخل في جمع المعلومات عند استخدام طريقة دراسة الحالة.

(ج) دائمًا هناك خطر التعميم الخاطئ في ضوء حقيقة أنه لا توجد قواعد محددة متبعة في جمع المعلومات، وكذلك بسبب دراسة وحدات قليلة فقط.

(د) أنها تستهلك وقت أكثر وتتطلب الكثير من النفقات. هناك حاجة إلى وقت أكثر في منهج دراسة الحالة لأن المرء يدرس دورات التاريخ الطبيعي للوحدات الاجتماعية وبدقة أيضا.

(هـ) غالبا ما يتم تشويه بيانات الحالة لأن الشخص موضوع الدراسة، وفقا لريد باين، قد يكتب ما يعتقد أن الباحث يريده. وكلما زادت الألفة، كلما أصبحت العملية برمتها أكثر ذاتية.

(و) تستند طريقة دراسة الحالة على عدة افتراضات قد لا تكون واقعية جدا في بعض الأحيان، ولذلك فإن فائدة بيانات الحالة هي دائما موضع للشك.

(ز) يمكن استخدام منهج دراسة الحالة في مجال محدود فقط، لإنه ليس من الممكن استخدامه في حالة وجود مجتمع كبير. كما أن أخذ العينات ليس ممكنًا أيضا في ظل منهج دراسة الحالة.

(ح) تعتبر استجابة الباحث قيدًا هاما لمنهج دراسة الحالة، فهو كثيرا ما يعتقد أن لديه المعرفة الكاملة عن الوحدة وأنه يمكنه بنفسه الإجابة عنها. في حالة كان ذلك غير صحيح، فإن العواقب ستتبع. في الواقع، هذا هو خطأ الباحث أكثر مما يكون خطأ في طريقة دراسة الحالة.

الخلاصة

على الرغم من القيود المذكورة أعلاه، نجد أنه يتم إجراء  دراسات الحالة في العديد من التخصصات، ولا سيما في علم الاجتماع، كأداة من أدوات البحث العلمي في ضوء العديد من المزايا المشار إليها فيما سبق. يمكن إزالة معظم القيود إذا ما كان الباحثين دائما على وعي بها ومدربين تدريبا جيدا على استخدام الأساليب الحديثة لجمع بيانات الحالة والتقنيات العلمية لتجميعها وتصنيفها ومعالجتها. بالاضافة الى ذلك، يمكن إجراء دراسات الحالة، في العصر الحديث، بطريقة تكون فيها البيانات قابلة للتقدير والمعالجة الإحصائية. وربما هذا هو السبب الذي جعل دراسات الحالة تصبح مشهورة أكثر يومًا بعد يوم.


[1]  ربحي مصطفى عليان، و عثمان محمد غنيم، مناهج وأساليب البحث العلمي: النظرية والتطبيق، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2000، ص81.

[2]  زكريا إبراهيم السنوار، نهال صلاح الجعيدي. المقابلة في التاريخ الشفوي. الجامعة الاسلامية، غزة. ص1.

[3] ربحي مصطفى عليان، و عثمان محمد غنيم، مناهج وأساليب البحث العلمي: النظرية والتطبيق، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2000، ص108-109.

[4]  المرجع السابق، ص109-111.

[5]  محمد حسين ، بحوث الاعلام ،القاهرة ،عالم الكتب للنشر والتوزيع ،1999، ص206.

[6]  رحيم يونس كرو العزاوي، مقدمة في مناهج البحث العلمي، سلسلة المنهل في العلوم التربوية، عمان، دار دجلة، 2008، ص 132.

[7]  المرجع السابق، ص 133.

[8]  ربحي مصطفى عليان، و عثمان محمد غنيم، مناهج وأساليب البحث العلمي: النظرية والتطبيق، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2000، ص 83-83.

[9]  المرجع السابق، ص84.

[10]  يشير تحيز الباحث هنا إلى الدرجة التي يُعير بها معنى الإجابة بسبب فعل أو موقف ما للباحث.

[11]  أحمد سليمان عودة، فتحي حسن ملكاوي، أساسيات البحث العلمي.. في النربية والعلوم الانسانية، إربد، مكتبة الكتاربي، 1992، ص186.

[12] S.L. Dass, “Personality Assessment Through Projective Movie Pictures”, p. 17.

[13] G.B. Giles, Marketing, p. 40–41.

[14]  رحيم يونس كرو العزاوي، مقدمة في مناهج البحث العلمي، سلسلة المنهل في العلوم التربوية، عمان، دار دجلة، 2008، ص 101.

[15] Carter V. Good and Douglas E. Scates, Methods of Research, p. 670.

[16]  المرجع السابق ص 670 .

[17]  يونس كرو العزاوي، مقدمة في مناهج البحث العلمي، سلسلة المنهل في العلوم التربوية، عمان، دار دجلة، 2008، ص 102.

[18] H. Odum, An Introduction to Social Research, p. 229.

[19] Burgess, Research Methods in Sociology, p. 26 in Georges Gurvitch and W.E. Moore (Eds.) Twentieth Century Sociology.

[20] Pauline V. Young, Scientific Social Surveys and Research, p. 247.

[21] Pauline V. Young, Scientific social surveys and research, p. 262.

nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
غالبًا ما يميل المدرسون إلى تركيز ملاحظاتهم وتعليقاتهم أو  ما…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة