تخطى إلى المحتوى

حركة الترجمة في العالم العربي

حركة الترجمة في الوقت الحاضر

لقد وجد العرب أنفسهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر متأخرين عن الأمم الأخرى في كل المجالات تقريبا. وبعبارة أخرى، فقد كانوا في الطرف المستقبل لما تنتجه الأمم الأخرى. وبسبب عملية التطور التي تجري بسرعة كبيرة، حيث يتم ابتكار اختراعات كثيرة كاستجابة لمطالب المجتمعات الصناعية الغربية، فقد كافح العرب حتى يدخلوا هذه التطورات في مجتمعاتهم. لقد أدركوا أن الطريقة الوحيدة لنشر ما تم تحقيقه هي عبر ترجمته للعربية. بهذه الطريقة فقط يمكنهم اللحاق بالتطورات الحديثة، وارضاء حاجات المجتمعات العربي الحديثة.

لقد كانت أهمية الترجمة في العصر الحديث واضحة، حيث ظهرت منظمات دولية وتأسست حركات عالمية واقليمية. ومع الانجازات الكثيرة في الحقل العلمي والتكنولوجي، فقد تلقت الحاجة لتبادل المعلومات بين دول العالم دافعا كبيرا. فد تم تشجيع التعاون الدولي، وكذلك العلاقات الدبلوماسية والثقافية. تم التقليل من المسافات الثقافية والجغرافية بين الدول كنتيجة للتطورات في أنظمة الاتصالات.

تم احياء الترجمة حديثا كنشاط ابداعي فكري من قبل مجموعة من المفكرين العرب الذين دفعهم الفضول لترجمة كتب ممتعة حيث كانت ترجماتهم ملهمة. بدأت الترجمة على نطاق واسع في مصر وسوريا ولبنان والأردن وانتشرت لاحقا في كل الدول العربية.

العنصر الآخر الذي أضاف طاقة لنشاط الترجمة هو تعريب التعليم الذي أدى إلى ترجمة أعداد كبيرة من الكتب التي تتعامل مع تخصصات مختلفة مما جعل من تدريس معظم التخصصات باللغة العربية ممكنا.

ونظرا للتأثير الأجنبي، فقد تم تقديم اللغة الإنجليزية والفرنسية كلغات للتعليم العالي. أدى هذا إلى بطء عملية التعريب، لأن لغة تدريس معظم المواد كانت إما الإنجليزية أو الفرنسية. وبما أنه لم تكن هناك حاجة ملحة لترجمة الكتب دراسية المنهجية، فقد تمت فقط ترجمة القليل من الكتب العلمية والدوريات من هذه اللغات إلى العربية. استمر هذا الوضع في معظم الدول العربية ما عدا سوريا التي كان فيها تعليم جميع التخصصات وفي كل المستويات باللغة العربية منذ الحرب العالمية الأولى.

سمات حركة الترجمة

يشير المصطلح “حركة الترجمة” إلى عملية دينامية متعلقة أساسا بترجمة الأعمال العلمية والأدبية المكتوبة باللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى إلى العربية. انبثقت هذه الحركة في بداية القرن التاسع عشر وساهمت كثيرا في الصحوة العربية الحديثة. تم تشجيع هذه الحركة من قبل المفكرين المدفوعين بميولهم الثقافية والأدبية. وعلاوة على ذلك فقد ازدهرت حركة الترجمة بسبب ظهور شركات النشر الخاصة، وتعَهُّد الوزارات الحكومية بالترجمة حيث وفرت ترجمات جيدة. السؤال هو ما إذا حققت حركة الترجمة دورها في نشر المعرفة الفكرية والعلمية، وبالتالي المساهمة في نهضة العالم العربي.

للوصول إلى نتائج حول ما أنجزته حركة الترجمة في العالم العربي، سنستخدم بيانات مسح قامت به منظمة التربية والعلوم والثقافة بالجامعة العربية. وفقا للمسح، فإن عدد الترجمات في الدول العربية ما بين سنة 1970 و 1980، أي إحدى عشرة سنة، هو 2840 مادة موزعة على الدول العربية المبينة أدنا في الجدول التالي:

يمكننا من خلال الجدول المبين أعلاه الوصول إلى النتائج الآتية:

  • · هناك اختلاف كبير في عدد الترجمات التي قامت بها كل دولة، حيث كانت الأولى مصر بنسبة 62% من الترجمات، تتبعها سوريا بنسبة 17% ثم لبنان بنسبة 5.4%.
  • · الاستنتاج الثاني هو أن العدد الإجمالي للترجمات ضئيل جدا مقارنة بعدد السكان أو حاجاتهم الفكرية.

أما بالنسبة لتوزيع مادة مواضيع الترجمات، فإن المسح يشير إلى ما يأتي:

على ضوء المسح المذكور أعلاه والوثائق والجداول المتعلقة به، يمكن للمرء أن يلخص السمات الرئيسية لحركة الترجمة العربية:

1. السمة الأولى للحركة هي أن هناك عدم توازن بين الحاجة والانتاج. لقد تم ترجمة العديد من الكتب للمتعة فقط. تمت ترجمة الكثير من تلك الكتب بسبب الانتباه الذي حققته في الغرب وبسبب النجاح الذي حققته هناك. وعلى الرغم من أنها تتعامل مع اسلوب المعيشة الغربي، فإن تلك الكتب مفيدة في تزويد اللغة العربية بالأعمال الأدبية القيمة في اللغات الأخرى.

لقد عرفت تلك الترجمات القراء والكتّاب العرب بالأعمال المكتوبة في اللغات الأخرى، بحيث أصبح من النادر أن تجد كاتب عربي حديث لم يتأثر مباشرة أو غير مباشرة بالدراسات والكتب والمقالات المترجمة من الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى.

العيب الرئيسي الوحيد في حركة الترجمة هو أن الترجمات كانت مختارة على أساس فردي، وهو تتطلب اللجوء لخطة عربية شاملة للترجمة. ووفقا لخرما (Kharma, 1983: 223) كميا، لم يكن هناك خطة على المستويين الوطني والإقليمي تحكم أو حتى ترشد نشاطات الترجمة حسب المجالات المتنوعة التي تحتاجها الدولة أكثر.

لمعالجة الموقف ينبغي صياغة خطة لإعادة التوازن بين الحاجة والانتاج وفق الخطوات التالية:

‌أ- ينبغي أن تأخذ في الاعتبار حاجات الفئات العمرية المختلفة والجنس والميول والتخصصات والبيئات المختلفة.

‌ب- يجب إجراء مسح لهذه الحاجات في المجتمعات العربية.

‌ج- يجب أن تضع معايير لاختيار الكتب التي سيتم ترجمتها.

عادة ما تكون الكتب التي تتم ترجمتها مختارة من قبل متعلمين عاديين يسعون لترجمة شيء ذو قيمة ثقافية عالية، حيث أن معايير اختيارهم للكتب التي ستترجم هي أذواقهم وأمزجتهم الشخصية. الناشرين أيضا يختارون الكتب التي سيترجمونها وفقا لاهتمام القراء بكتب معينة وحسب الربح المادي الذي سيجنونه منها.

2. السمة الثانية لحركة الترجمة هي عدم وجود توازن في اختيار مواضيع الترجمة. يشير الجدول أعلاه لندرة ترجمات الكتب في العلوم النظرية والتطبيقية، فهي لا تتعدى 18% من إجمالي الكتب المترجمة، فيما شكلت ترجمات الكتب الأدبية القسط الأكبر بما يقارب 40%، أما النسبة الباقية فهي موزعة بين التخصصات الأخرى.

3. السمة الثالثة تتمثل في عدم تلقي حركة الترجمة اهتمام متساوي في كل الدول العربية، حيث تذبذب الانتباه والوقت المخصص للترجمة واختلف من دولة لأخرى. المهم أكثر هو أن حركة الترجمة في العالم العربي ككل كانت أقل انتاجية من حركات الدول الأخرى.

nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
لقد أجرت منظمة التربية والعلوم والثقافة بالجامعة العربية منذ 1981…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة