تخطى إلى المحتوى

تشومسكي من اللغة إلى الثورة

مدخل لا بد منه

 يعرف الكثير من القراء نعوم تشومسكي كلغوي صاحب نظريات لعبت دورا حاسما في صياغة العلوم المتعلقة باللغويات المعاصرة وهو معروف بقدر
أكبر كلغوي ومثقف جذري أحدث نقلة نوعية في إقامة ارتباط أو صلة وثيقة بين علوم اللغة واللغويات، التي نقلها من عالم التجريد والبناءات النحوية، وبين السياسة بمضمونها الاجتماعي الأكثر شمول. وإذا كان هذا بحد ذاته كافيا لوضع تشومسكي في مصاف أبرز مثقفي ومنظري القرن العشرين فلا شك أن تحليله الواعي ونقده الحاسم لمنظومة الثقافة الغربية بمركزيتها وتوسعيتها وامبرياليتها وعدوانيتها خلال التاريخ الحديث والمعاصر، وإدانته لأفكار ومؤسسات الرأسمالية الربية عموما والأمريكية خصوصا، يجعلان من تشومسكي مناضل جذريا بجهده المنصب على إعادة الاعتبار لقيم إنسانية أُفقدت أو أُفرغت من محتواها بفعل تشوهات الحياة السياسية والاقتصادية المعاصرة. إن العمل الذي يقوم به تشومسكي في هذا السياق جدير بأن يتم توسيع دائرة المطلعين عليه وأن يتم التعريف به خاصة وأن الكثير من اسهاماته في مجال القيم الإنسانية الخالدة كالحق والحرية والعدالة والمساواة جاءت نتيجة لخبراته واطلاعاته والحوارات التي أجراها في السنوات الأخيرة من القرن العشرين. ولذلك سنركز هنا على تقديم بعض من العلامات الفارقة من تفكيره ذات الصلة بتلك القيم.


مقدمة

 إذا كانت الثورة تعني النشاط والحركة المصممة لإحداث تغييرات جذرية في الوضع الراهن أو التغيير الكامل والمفاجئ، فعندها يمكننا القول بأن تشومسكي أحدث ثورة عظيمة في علم اللغة حيث لفت الانتباه لحقيقة مهمة وهي أن البشر مجهزون جينيا بخطة عامة حول قواعد كل اللغات تسمى النحو العام تخبرهم كيف يشتقون النماذج البنائية من كلام الآخرين. هذا ما يعرف عنه في علم اللغة ولكن تشومسكي لديه الكثير من الأفكار في العلوم الأخرى فهو مثلا يرى أن حرية التعبير قريبة من كونها غير مقيدة بشرط وهو بالتأكيد يوافق فولتير في قوله أنا لا أوافقك فيما تقول ولكني سأدافع حتى الموت في حقك في قوله. تشومسكي يؤكد على قول الحقيقة وكشف خداع الحكومات وتعديل سلوك الفرد حسب النتائج المتوقعة من أفعاله. إن هذه الأفكار تكاد تكون أساس لنظرية أيديولوجية أو سياسية وإن تم تطبيقها فستصبغ حياة المرء كلها، أما الفشل في تطبيقها فسيؤدي إلى الخنوع للحكومات والفساد. نقد تشومسكي للحكومات معروف وخصوصا لحكومته وهو يرى أن الخطر في الوضع الراهن هو الرأسمالية المتمثلة في الشركات العابرة للحدود، فالحكومات تخضع لتحكم قليل عبر صندوق الاقتراع أما الرأسمالية فلها القدرة على العمل بدون قيود. إن التراكيب الخاصة هي مجرد حكومات استبدادية وفي الحقيقة إنه إذا كانت الحكومات الرأسمالية نفسها هي السيئة فإن ذلك أسوأ عندما يحدث أي تركيز للسلطة.

 يبين تشومسكي أنه لهم أفعال الحكومات يجب النظر إلى امتيازات المصالح الذاتية والسلطة. السلطة السياسية تقوم على السلطة الاقتصادية ولذلك فإن أفعال الحكومات والشركات الكبرى تشكلان معا منفعة متبادلة. لقد فحص تشومسكي دور المفكرين الأمريكيين في بناء الأيديولوجيات والإعلام المؤيد للإمبريالية وتبريرهم استخدام القوة من قبل أمريكا لفرض ارادتها على باقي العالم وخصوصا العالم الثالث. كما سلط الضوء على اقتراحات التجويع والقصف وإلغاء السيادة الوطنية من قبل بعض المفكرين الأمريكيين المعروفين. كما قدم صيغة واضحة لتأكيد الواجب الأخلاقي والفكري العظيم لقول الحقيقة في حد ذاتها. إن المفكرين في وضع يسمح لهم بكشف دجل الحكومات وتحليل الأفعال وفقا لأسبابها وبواعثها وفي الغالب النوايا المخفية أيضًا.


لفد انتقد ثقافة المفكرين والإعلام والعالم الأكاديمي بطريقة ليس لها مثيل في عصرنا حيث بين الغش الفكري والفساد والإسهام في عملية التمويه وتشريب الأفكار في خدمة قوة المؤسسات. وبتقديم تساؤلات نقدية رئيسية وبتسليط الضوء على هموم الناس وفر تشومسكي إطار عمل تحليلي لفهم ما يحدث على المستوى العالمي اليوم عن طريق التفكير المنطقي للوصول إلى النتائج التي يمكن الوثوق بها. إن تشومسكي معروف من ناحيتين كفيلسوف ومفكر اجتماعي حيث أنه مشهور بجهوده لمقاومة الظلم الاجتماعي الذي قاده إلى تقديم نقد راديكالي لمؤسسات السلطة في المجتمعات الحديثة. اشتهر في البداية بعمله كفيلسوف في علم اللغة وباقتراحاته أن العقل البشري مزود منذ الولادة بخطة للغة تتطور منها كل اللغات الإنسانية لاحقا. وبغض النظر عن أفكاره في علم اللغة فإن الذي رفع تشومسكي إلى مستوى الشخصية الثقافية البارزة هو تنظيره السياسي وفعاليته اللامتناهية في الدفاع عن ضحايا السياسة الخارجية الأمريكية. فهو يجسد فكرًا عقليًا مضادًا للتسلط ومعاكسًا تمامًا للماركسية يدعوه هو بالاشتراكية التحررية.


لا يؤمن تشومسكي كثيرا بالانتخابات لتغيير المجتمع نحو الأفضل مجادلا بأن الروابط بين الحكومة والشركات الكبرى وثيقة جدا؛ فهناك عوائق يجب التغلب عليها ويقول بأن عملية الانتخاب مجرد سماح للسكان في كل مرة بالاختيار بين ممثلين متطابقين للقوة التجارية. هذا أفضل طبعا من الديكتاتورية ولكنه نموذج للديمقراطية محدود جدا ومعظم السكان يلاحظون ذلك ولا يشاركون في الانتخابات لأنها، أي الانتخابات، بيع وشراء وكل الحملات الانتخابية ممولة من قبل الشركات الكبرى. يؤمن تشومسكي بنموذج من العولمة الشعبية البناءة حيث الشعوب المهتمة بنفس القيم والمصالح تعمل لحماية حاجاتها ومصالحها وتوسيعها إن أمكن وهذا مخالف لأجندة منظمة التجارة العالمية. أحد مظاهر ومزايا هذا النموذج للعولمة هي الإنترنت التي تسهل القيام بالنشاطات البناءة والجيدة ولكن السؤال المطروح هو هل سيبقى فعل الأشياء الجيدة ممكنا بعدما يسيطر القطاع الخاص بقوته على الإنترنت بالكامل لأنهم بالتأكيد لا يريدون لها أن تستخدم بهذه الطريقة ومع ذلك لا يرى تشومسكي بأن سيطرة الشركات على الشبكة حتمية ويوضح أن فكرة جعل الإنترنت كوسيلة حقيقية للاتصال والتفاعل والتنظيم الديمقراطي يمكن تنفيذها وفي نهاية الأمر فهي ملكية عامة وبطريقة أخرى يؤمن بأن المقاومة من أجل الحصول على الحق العام للدخول والتحكم في الإنترنت أصبح مسألة رئيسية للذين يؤمنون بالديمقراطية.


 سواءًا توافق أو لا توافق على نظرياته السياسية فإن تشومسكي دائما يثير نوعا من النقاش النشط الذي لا يمكن المشاركة فيه في الكثير من البلدان وفي جوهره فهو، أي تشومسكي، متنور وديمقراطي راديكالي ومنار لحقوق الإنسان ويؤمن من كل قلبه بالحرية والديمقراطية ليس فقط لتحسين معيشتنا ولكن لأن هذه الأشياء ربما تكون ضرورية لبقاء وحياة جنسنا البشري. إن قناعته تكمن في فكرة أن أي مجتمع قائم بالكامل علة مضاعفة الأرباح واكتسابها فهو مدمر ذاتيا سلفا. إنها قناعة تستحق الاهتمام بغض النظر عن موقفك السياسي.


اللغة

إن الفاعدة الأساسية في نظرية تشومسكي عن اللغة هي وجود ملكة لغوية في الدماغ مسؤولة عن اكتساب اللغة تتكون من نظام عقلي لتخزين البيانات وأنظمة أخرى لمعالجة هذه البيانات واستخدامها. إضافة لذلك افترض أن اكتساب اللغة عبارة عن تحكم في نظام قواعد يسمح بالتمييز بين ماهو صحيح نحويًا أو لا، وقال إن نظام القواعد هذا موجود في أدمغة المتكلمين ولا يمكن اكتشافه بدراسة وتحليل جزء محدود من البيانات. بين أيضا أن هدف علم اللغة هو إيجاد الخواص العامة التي تحدد اللغات الإنسانية. وبينما اعترف من سبقوه باختلاف اللغات جادل تشومسكي لصالح الطبيعة العامة للغة ولفت الانتباه إلى التشابه فيما بينها حيث قاد للتأكيد على العمومية أو العالمية حديثًا إلى البحث عن النحو العام وهو المميزات البنائية العامة والشاملة المفترضة للغات الإنسانية؛ ووفقا لذلك يقول تشومسكي أن هذه المميزات موروثة جينيًا في أدمغتنا منذ الولادة وهذا ما يسمى بالفرضية الفطرية. إن الأطفال في نظر تشومسكي يعرفون مسبقًا ما تكون عليه اللغات الإنسانية وعليهم فقط اكتساب المميزات الخاصة باللغة التي يكتسبونها.

 منذ الوهلة الأولى أثبتت نظرية تشومسكي أن لها قوة تعميم كبيرة وقدرة على توضيح التشابه الباطني بين اللغات، وبتوفيرها لكل من المعلم والمتعلم قواعد أشمل وأعم فإنها تعتبر مرشد مفيد لتعلم وتعليم اللغات وهذه هي النقطة التي يؤكد عليها رذرفورد في مقدمة كتابه حيث يقول أنه بالرغم من أن نظرية تشومسكي لا تخبرنا بالضبط كيف يتم تعلم اللغات إلا أنها كشفت الدرجة التي تتشابه بها اللغات واكتشفت القواعد العامة والشاملة والمشتركة بين اللغات.


مع أن تشومسكي يغير أفكاره تكرارا ومرارا إلا أن اعتقاداته مازالت كما هي حيث أن هذا التغيير ملحوظ في كل تجديد لنظريته، وفي الحقيقة تعتبر نظرية تشومسكي عن اللغة في فترة تطور الآن حيث مرت بأربع مراجعات منذ عمل تشومسكي في الخمسينيات، ولازال النحو العام أو الشامل الذي يبحث عن وحدة اللغة الإنسانية هو مركز البحث العلمي في مجال علم اللغة. إذا أردنا أن ننصف تشومسكي فقد كان ولايزال اليد التي تقدم وتعدل هذه النظرية بانتظام حيث قام بكتابة العديد من الكتب والمقالات، وأعد الكثير من الدراسات لحل المسائل الغامضة وكل هذه الكتب والدراسات تتعامل مع اللغة على أساس أنها عنصر من مكونات الدماغ.


إن هذه الفكرة عن اللغة الإنسانية هي نفسها التي أكدها بعض المفكرين العرب حيث أكدوا على أن البشرية ستبقى متأخرة إلى يتوصل البشر إلى التعامل بلغة واحدة موروثة وليست مُتعلّمة وأشاروا أيضًا إلى أن تعلم لغة واحدة ليس هو الحل لمشكلة التفاهم بن الشعوب ولكن الحل هو أن تأخذ عملية وحدة اللغة الزمن الكافي لينتهي أثر الوراثة في جسم الإنسان المتحول نحو اللغة الواحدة.


يتبنى المفكرون الغرب معيارًا مزدوجا في المسائل المتعلقة بالهموم الإنسانية ويخضعون مسؤولياتهم لحقيقة الإيفاء بمطالب الدولة أو المؤسسة. تشومسكي وقلة آخرون هم مجرد استثناء بالطبع. ففي المسائل المتعلقة بالهموم الإنسانية نجده يحاول قول الحقيقة حول الأشياء المهمة لأي شخص يمكن حثه ليصبح عاملا أخلاقيًا يمكنه محاولة فعل شئ حيال الحقيقة. لقد أكد تشومسكي منذ البداية مسؤولية المفكر في عمله السياسي، ففي يناير 1995 في حديث لمركز الكتاب في سيدني قال إن المسؤولية الفكرية للكاتب أو أي شخص محترم هو قول الحقيقة وأضاف أ قول الحقيقة عن الأشياء المهمة واخبارها للجمهور المناسب أمر أخلاقي. هذا صعب غالبا ومكلفعلى المستوى الشخصي وخصوصا أولئك الذين يكونون أكثر عرضة للإنتقاد. ذلك صحيح حتى في المجتمعات المتحررة جدا، وفي المجتمعات الأخرى يمكن أن تكون التكاليف جسيمة. الحقائق التي يقصدها تشومسكي هي الحقائق العلمية التي تتضمن البشر وشؤونهم الاجتماعية والسياسية ويقول أنها لمضيعة للوقت أن تخبر الحقيقة لأولئك الذين يعرفونها جيدا ويمارسون السلطة في مؤسسات قسرية. إذا استطاع المرء أن يجد شخصا في موضع لا يلعب فيه دورا مؤسساتي ولكن يؤدي واجبه كإنسان بهموم وعطف إنساني عادي، عندها فإن الأسلوب يمكن أن يكون مؤثرا، لكن طالما يسيطر على السلطة فهو نادرا ما يستحق المخاطبة إلا إذا استحقها أسوأ الطغاة والمجرمين الذين هم أيضًا بشر على الرغم من أفعالهم الفظيعة.


تشومسكي أوضح لنا أن هناك لغة إنسانية واحدة وأن كل التعقيد الهائل للغات التي نسمعها من حولنا ليس سوى أشكال مختلفة لنفس الفكرة. لقد قام حقيقةً بثورة في علم اللغة وبعث نظرية الأفكار مثبتا أن جزءًا كبيرا من معرفتنا محدد جينيًا وأعاد الأفكار العقلية التي ترجع لقرون وأثبت أن معرفة اللاوعي هي التي تكمن وراء قدرتنا على الكلام والفهم. لقد انتقد المدرسة السلوكية في علم النفس وأعاد للعقل مركزه المتفوق في دراسة البشرية.وباختصار فإن تشومسكي قد غير الطريقة التي نفكر بها في أنفسنا وحصل على مكانة موازية لدارون وديكارت، وقام بكل هذا بينما كرس معظم وقته للسياسة والفعالية حيث وثق دجل الحكومات وكشف عن تأثير الشركات الكبرى وعمل كضمير للغرب. إن نظراءه في التأثير شخصيات معروفة مثل إنشتاين وبيكاسو وفرويد حيث يشترك مع كل منهم في شئ ما. فمثل فرويد غير فكرتنا عن العقل، ومثل إنشتاين مزج بين الابداع العلمي والفعالية السياسية، ومثل بيكاسو غير الأنظمة التي أسسها مرارا وتكرارا. وربما أكثر شبها ببرتراند رسل الذي أعد تعيين أساس الرياضيات وكرس حياته للكتابة والفعالية السياسية.


لكن بينما بعرف كل شخص شيئا ما عن الرياضيات فإن سماع الناس بعلم اللغة يرجع لتشومسكي. إن شهرة تشومسكي في علم اللغة والفلسفة وعلم النفس ضمنت في البداية أن القليل سيستمع إلى آرائه السياسية ولكن شهرته السياسية لفتت الانتباه لعمله الأكاديمي الذي جعل دراسة اللغة هي الاتجاه السائد للبحث العلمي وفي نفس الوقت جعلها ملائمة لبافي العلوم الإنسانية والتطبيقية.


في الحقيقة إن آراء تشومسكي كثيرة وتشمل العديد من العلوم من اللغة وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا إلى الرياضيات والتربية والنقد، ولأن أعماله في هذه العلوم كثيرة فقد حصل على مكانة مرموقة في تاريخ الفكر لدرجة أن البعض وصفوه بأنه من أعظم المفكرين الأحياء، ولأهمية فكره في الوقت الحاضر وجدنا أنه من المهم تقديم فكره بوضوح للمثقف العربي ولذلك سنقوم فيما يلي بسرد مفصل نوعا ما لإسهامات تشومسكي في مجال السياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع.


الاقتصاد والسياسة

الكل يخضع لنظام السوق باستثناء الشركات الكبرى، أي بمعنى إدارة الشركة. يلاحظ تشومسكي أن الآليات واضحة: برأس مال متقلب جدا وعمال ثابتين فإن عولمة الاقتصاد توفر لأرباب العمل الوسيلة لضرب قوة عمل قومية ضد أخرى. يمكن استخدام العملية لانقاص مستويات المعيشة والأمن والفرص وتوقعات الغالبية العظمى من السكان، بينما يعيش ترتفع الأرباح ويعيش الأثرياء في ترف متزايد. نلاحظ هنا أن تقلبات رأس المال وثبات العمال يعكس الشروط الأساسية لنظرية الاقتصاد الكلاسيكية التي اشتقت نتائجها حول فوائد الاستفادة النسبية والتجارة الحرة من فكرة أن رأس المال ثابت نسبيا وقوة العمل متحركة جدا. المبدأ واضح وهو أن الفائدة للمستثمرين هي القيمة الانسانية الأسمى وكل شئ آخر يجب أن يكون أقل أهمية. الحياة الانسانية لديها قيمة بقدر ما تساهم بهذه النتيجة.

يعتقد تشومسكي أن الصناعة وتطور التقنية توفر إمكانيات للإدارة الذاتية بمقياس كبير لم يتوفر في الفترة الماضية. هذا بالضبط هو الأسلوب المنطقي لمجتمع صناعي معقد متقدم. مجتمع يمكن فيه للعمال أن يصبحوا أسياد شؤونهم الخاصة في الاتجاه والتحكم ولكن يمكن أيضًا أن يكونوا في موقع اتخاذ القرارات الرئيسية الأساسية التي تتعلق بتركيبة الاقتصاد والمتعلقة بالمؤسسات الاجتماعية والتخطيط اقليميا وما وراء ذلك. في القت الحاضر المؤسسات لا تسمح لهم بالتحكم في المعلومات الأساسية والتدريب المناسب لفهم هذه المسألة. يمكن أن تعقد صفقة أوتوماتيكيا والكثير من العمل الضروري المطلوب للمحافظة على مستوى معشة مقبول يمكن أن تقوم به الآلات – على الأقل من حيث المبدأ – مما يعني أن البشر يمكن أن يتفرغوا لنوع العمل الإبداعي الذي ربما لم يكن ممكنا في المراحل المبكرة من الثورة الصناعية. يقترح تشومسكي أنه إذا ما لفت الانتباه أكثر للتعامل بطرق علمية في القيام بالأعمال غير المرغوب فيها، فإنه من الممكن أن تبقى أعمال قليلة جدا تطلب عمال. الأعمال القليلة المتبقية وغير المرغوب فيها يمكن تقاسمها جماعيا أو الدفع أكثر للذين يقومون بها، وهذا على عكس ما هو موجود اليوم حيث إن الذين يقومون بهذه الأعمال هم الأقل دخلا.


إن التحكم الديمقراطي في حياة الفرد الإنتاجية هي في صلب أي تحرير جدي للإنسان، أو أي ممارسة ديمقراطية جادة. هذا ما يجعل تشومسكي يصر أن الشعوب تحتاج إلى نشاط انتاجي حر لكي يحققوا أنفسهم، وإن لم يحصلوا عليه وجب عليهم تأجير قوتهم للآخرين الذين يعاملونهم بمقدار مقابل أجرهم وبدون إعطائهم حق التحكم المفيد فإن النتيجة هي القسر والاضطهاد. الاضطهاد يجعل المرء يقوم بأشياء ضد إرادته ولكن تشومسكي يعتبر النشاط الحر والحر والإبداعي حاجة أساسية للبشر فإنه يعني بعض النواحي النفسية للاضطهاد أيضًا كالضعف والفشل. في الحقيقة إن نتيجة جعل الهيمنة قيمة أساسية خصوصا في شكلها التي تأخذه الآن ف عمليات الشركات العابرة للحدود تؤثر في كل من الضحية وأولئك المسؤولين من الشركات.إنه لسخف نفسي يقود لألم غر محدود لأولئك الذين يحاولون صياغة أنفسهم في هذا النموذج. النتيجة كما يقول تشومسكي ه حماية الأغنياء من نظام السوق بدولة رفاهية تداخلية قوية.


 إن النمو المستمر للشركات العابرة للحدود وعولمة الاقتصاد يمكن أن تزيد الأمر سوءًا بالرغم من أن التركيز للقوة الخاصة يمكن أن يعجل من عملية إعطاء السلطة للأفراد من جديد لأنه هو الحل الأمثل لمواجهة التحدي وتوفير صيغة جديدة لمعنى الحرية. فبدءًا بشكلي التنظيم المباشر والتحكم في مكان العمل يمكن أن نتخيل شبكة من مجالس العمال وعلى مستوى أعلى تمثيل على المصانع أو على فروع الصناعة أو الحرف. وعلى التجمعات العامة لمجالس العمال التي يمكن أن تكون إقليمية وقومية ودولية في سلوكها ومن جهة أخرى يمكن أن نتصور نظام حكم يتضمن تجمعات محلية ومتحد إقليميًا ويتعامل مع المسائل الإقليمية على مستوى الحرف والصناعات والتجارة وعلى مستوى الدولة أو ما وراء ذلك من خلال الاتحاد وهلم جرا.


هذا يشير إلى استعمال النقابية التعاونية/ الاجتماعية التحريرية كأداة نقد على الأقل. وهذا أيضًا له فوائد الدفع نحو مجتمع أصح ويزيل الأشكال الأوتوقراطية للتحكم التي تقود في نظر تشومسكي إلى البطالة لأولئك المستخدمين وأن يصبح الذين يستخدمونهم منحرفين أخلاقيا. هذا يتطلب من الأفراد عدم التخلي عن التحكم في مجتمعاتهم للخبراء ولكن قبول المسؤولية الفردية عن اتجاهاتهم الأمر الذي يعتقد تشومسكي أنه ممكن. إن الشعور بالعجز أمام المجتمعات المتحضرة تعززه تلك القوى المهيمنة بالحصول على الحكم ولكن هناك شعور آخر يؤكد أن هدف المجتمعات الديمقراطية ليس قلب الحكومات ولكن أخذ الحكم من الشركات وجعلها مسؤولة أمام الشعب.


يبدو أن تشومسكي يعتقد أن هناك علاقة بين الاختلاف الفردي والجماعي ونظريه بأن الحكم ينبغي ألا يكون تخصصا يمارسه القليلون فقط، فالتخصص يؤدي إلى تركيز كبير للمصالح ونظرة مشوهة عما يجب فعله. ومن جهة أخرى فهو يسمح بإمكانية كون الحكم مهارة تخصصية تتطلب التدريب الذي يستهلك الوقت والجهد الكثيرين لتوفيره للكل. يمكن أن يكون الحكم حرفة كإنتاج الحديد مثلا، وإذا كا ذلك صحيحا فإن الحكم يجب تنظيمه صناعيا كفرع من فروع الصناعة بمجالس عال يحكمون أنفسهم ويشاركون في التجمعات الأوسع. يعلق تشومسكي بأ ثقافتهم السياسية لديها تصور عن الديمقراطية يختلف عن تصور الآخرين، حيث أن الديمقراطية بالنسبة لهم هي أن المواطن مستهلك وليس مشارك. أما بالنسبة للآخرين فهي تعني أن المواطنين ينبغي أن يحصلوا على الفرصة لتكوين أنفسهم ويشاركوا في البحث والمناقشة وتقرير المصير وتطوير برامجهم من خلال الأفعال السياسية.


الاعلام

من وجهة النظر الأيديولوجية فإن وسائل الإعلام كلها تقريبا رأسمالية لأنها في الأساس مؤسسات رأسمالية. يسلط تشومسكي الضوء على هذه النقطة بالتساؤل عن حرية الإعلام وكم هو حر حقًا. فيظهر أنه ليس حر، ففي الولايات المتحدة الإعلام مملوك للمؤسسات ويعكس أولويات ومصالح هذه المؤسسات، ولذلك فإن أولئك الذين يدعون حرية الإعلام يخدعون أنفسهم فهم متورطون في شكل من خداع النفس. إن الإعلام والصحافة تشوه الحقائق ولذلك ليس لها علاقات حميمة مع لكتابته العديد من الكتب توضح ذلك. ففي الأزمنة الأخيرة ذكر جهود اتايمز في الثمانينات في الشؤون الفلسطينية الاسرائيلية لتجاهل تقارير ووسائل تتعلق بدعوة عرفات للتفاوض موجهة نحو الاعتراف المتبادل لأن هذا كان ضد السياسة الأمريكية الرسمية.

بينما تختلف أفعال وسائل الإعلام السائدة في الديمقراطيات المؤسساتية عن تلك الدكتاتورية فإن كليهما متحكم به على نحو مطلق. من ناحية فإن الإعلام يستجيب لسياسة الحكومة، ومن الناحية الأخرى يرضخ للسياسات الأساسية لدولة المؤسسات، ويوضح تشومسكي هنا بأن هناك بديلا آخر وهو إعلام ديمقراطي حقيقي. في هذا النموذج الديمقراطي فإن الإعلام سيكون مستجيبًا للحقيقة ومسئولية الفرد الذي يجب أن يقرر كيفية فعله في المجتمع. هذا النموذج يمثل المواقع بعدل ويتحدث عن حاجة المواطنين للمعلومات الذين يجب أن يأخذوا قرارات رشيدة تحقق حاجاتهم وآمالهم بأحسن وجه. إذا كان كذلك فإن الإعلام المؤسساتي السائد وخصوصًا إعلام النخبة يكون حارسًا يقظًا يحمي الأثرياء من تهديد مشاركة وفهم العامة بتوفير معلومات مفلترة وبتشجيع لا مبالاة العامة. يسمح تشومسكي بتقديم النقد ضد بديله الديمقراط للإعلام الذي يخبر الحقيقة حيث يستطيع العمال الأحرار التقرير. فمثلا الدعوة لدمقرطة الإعلام يمكن أن تخفي جهودا غير مرحب بها لتحديد الاستقلال الفكري من خلال الضغوط الشعبية. بالسماح لوجهات نظر متنوعة فإن الإعلام الديمقراطي سيوفر شكلا من تصويب النفس. يفترض تشومسكي أننا مشتركون في الطبيعة الإنسانية وبعض الحاجات الأساسية حيث حالما يتقدم التأثير الخاجي للجهود فإن الإنسان الاقتصادي يتصوب بجهود جدية لقول الحقيقة. إن لدى تشومسكي أمل في مثل هذا التغيير بالإيمان بأن نظام قائم على الكذب والخداع فهو أصلا غير مستقر.



الاجتماع

يسلم تشومسكي بأن المجتمع الذي يسير وفق هذه الرؤية سيكون الكل فيه متعلمين ومثقفين قادرين على التعامل مع المسائل الصناعية والتجارية التي يجب عليهم اتخاذ القرارات حيالها. ويضيف إلا أن مثل هذا المجتمع يتطلب نقلة في الطريقة التي ينظر بها البشر إلى أنفسهم وقدرتهم على العمل والتقرير والخلق والانتاج والبحث. هذه ليست نقلة في الطبيعة الإنسانية ولكن مسألة إعادة تكييف للقيم التي يضعها المرء على ما ينتجه وعلى علاقاته بالآخرين. إضافة إلى ذلك فإن تشومسكي يقول أن الغاية هي تقديم مؤسسات تساعد على هذه النقلة وتحافظ عليها لتسمح بازدهار الطبيعة البشرية. كما يقول تشومسكي أن الظلم والاضطهاد سواء من قبل القوة الاقتصادية الرأسمالية الخاصة أو من قبل بيروقراطية الدولة ليسا عنصرين أساسيين للحياة الإنسانية. وكلما استمر تركيز السلطة والقوة فإننا سنرى ردود فعل قوية ضدها و جهود منظمة تقلبها وعاجلا أم آجلا ستنجح.

بذلك يؤكد تشومسكي على الحرية ويربطها بالتكافل حيث يقتبس روسو ويقول: “أنه لا يمكن أن تكون هناك حرية أو ديمقراطية حقيقية حتى يتحكم الذين يقومون بالعمل في شركة ما في إدارتها”. ويستمر بالقول بأن الاشتراكية ستتحقق فقط بقدر ما تكون كل المؤسسات الاجتماعية وخصوصًا المؤسسات المركزية الصناعية والتجارية والمالية في مجتمع متحضر تحت الحكم الديمقراطي بمجالس عمال نشطين ووحدات حكم ذاتية يشارك فيها كل مواطن مباشرة في شؤون الحكم. لكن بما أن الناس يحتاجون للمجتمع والحرية فإن تشومسكي يدعو إلى أن يكون المجتمع ترابط حر وبدون إكراه من قبل الحكومة أو أي مؤسسات فاشية. إنه شكل من الترابط الحر حيث الناس الأحرار يمكنهم أن يبدعوا ويسألوا ويحققوا أعلى تطور لقواهم.



خاتمة

الاستراتيجية العقلية للفهم كما يجادل تشومسكي تمثل المنهج العلمي الطبيعي الوحيد القابل للتطبيق. وبعيدا عن كونها غير علمية فإن الافتراضات والاستراتيجيات العقلة تقود لعلوم العقل بينما التجريبية لا. ولإرشاد القارئ فيما يمكن أن يبدو غير معروف فسألخص هنا خمس نواحي رئيسية لآراء تشومسكي العقلية:

الأولى هي أن تشومسكي مايدعوه الفلاسفة بالداخلي (Internalist)، ففي علم اللغة هذا معكوس في وجهة نظره بأن علم اللغة هو علم لملكة عقلية معنة تعمل داخل الدماغ وليس لها علاقة بأي ظاهرة لغوية خارج العقل كالسلوك اللغوي. وبالطبع فإن الظاهرة الخارجية للسلوك اللغوي تلعب دور في تكوين نظرية اللغة ولذلك عندما يعد تشومسكي نظرية آلية اللغة فهو يقصد العمليات العقلية والعصبية التي تربط مجموعة من الأحداث اللغوية العقلية بأخرى وليس ما هو خارج العقل أو أي علاقات بين هذه الأحداث العقلية والأشياء والمواقف خارج العقل. بما أن نظرة تشومسكي تتعامل مع الأحداث العقلة اللغوية وحدها وتفرض أنها تحدث بمعزل عن العمليات العقلية الأخرى، فإن هذه النظرية تفرض أيضًا أن العقل مكون من أجزاء مستقلة عن بعضها وكل جزء محكوم بقواعده ويعمل بمعزل عن الأجزاء الأخرى. الداخلية (Internalism) عند تشومسكي في اللغة مجرد تمييز بين ما يجري داخل الدماغ وخارجه، وكمفكر سياسي فهي تظهر في وجهة نظره بأن عقل المرء لا يمكن أن يُتحكم به على الرغم من أفعاله يمكن التحكم بها أحيانًا. وتبدو أيضًا في اعتقاده بأن أي فكرة عن التنظيم الاجتماعي يمكن الدفاع عنها يجب أن تُشجع الحرية الإنسانية، أي بمعنى التطور الذاتي الإنساني والتغيير الذاتي.  

الثانية هي أن بعض مزايا العقل موروثة وليست مكتسبة – الأهلانية (Nativism) – وتعني لتشومسكي في اللغة أن البشر يولدون بأهلية للغة تحتاج للتطوير فقط. وهي لا تُتعلم أو تُفرض من الخارج بالثقافة أو المجتمع أو الوالدين أو الوطن. يعتقد تشومسكي أن الأهلانية متأصلة في علم الأحياء حيث يقول أن لغتنا هي نتاج حياتنا. يمكن للمرء أن بفكر في أهلية اللغة أو ملكة اللغة (Language Faculty) التي تحدث فيها العمليات اللغوية كعضو حيوي يأخذ بعض الوقت ليتطور وينضج آليًا بدعم خارجي ضئيل. هذه الأهلانية لها نتائج غير مباشرة على فهمنا للعقل، لأن اللغة تلعب دورًا مهمًا في تمييزنا نحن كبشر. فمثلا يرى تشومسكي الفرق بين الفهم البديهي والفهم العلمي في حقيقة أن البديهة ليست متعلمة ولهذا فهي مشتركة بين البشر وخصوصًا أنها تعتمد على المعرفة المتأصلة فطريًا في اللغة، وبعكس ذلك فإن العلم يدين قليلا جدًا للغة الطبيعية مما يساعد على توضيح توفر الفهم البديهي لأي شخص بينما يتطلب العلم الدراسة والتعليم الخاص. هذا يفسر لنا أيضًا لماذا يعتقد تشومسكي أن المسائل السياسية كالمناقشات واتخاذ القرارات هي في متناول الجميع في حين أن المسائل والتحليلات العلمية ليست كذلك.

الناحية الثالثة هي العمومية أو الشمولية (Universalism) وتعني في فكر تشومسكي اللغوي ما يسميه النحو العام الذي يقصد به أن اللغة فطرية وموروثة وهي نفسها عند كل البشر في مراحل تطورها الأولى. وفي السياسة تعني له أن هناك طبيعة عامة  لكل البشر وهذه الطبيعة ملائمة أخلاقيًا وسياسيًا، فهي تعتمد على أفعال البشر وحاجاتهم وأهدافهم حيث أنه إذا كانت هناك مثلاً حاجات أساسية لدى البشر كجزء من طبيعتهم فينبغي أن يتم إشباعها بأي شكل من التنظيم الاجتماعي يمكن أن يُعتبر مثاليًا.
الناحية الرابعة وهي الفردانية (Individualism) وتظهر عنده في فكرة أن لكل فرد لعته أو لغاته الخاصة وهي مراحل معينة لنمو النحو العام. أما في السياسة فتبدو ف إصراره المستمر على إطلاق العنان للتعبير الفردي وتتمثل أيضًا في افتراضه للصيغة المثلى للتنظيم الاجتماعي: الفوضوية النقابية (anarchosyndicalism) وهي شكل من التنظيم السياسي الذي يوفر الوسيلة لإشباع كل من حاجة التعبير عن الذات وعن المجتمع.

الخامسة والأخيرة، وهي أن تشومسكي استدلالي (Constructivist)، وهذا ناشئ عن الداخلية والأهلانية ويدعم فكرة أن الأشياء وعالم الفهم البديهي وبطريقة مختلفة العلم هو بمقدار كبير نتاج عقولنا. وكما يقول تشومسكي فإن تركيب خبرتنا وفهمنا للخبرة هما انعكاس لطبيعة عقولنا وأنه لا يمكننا الوصول إلى ما هو العالم في الحقيقة، وكل ما نستطيع فعله هو تطوير مركبات وتوفير ما نعتبره رؤية وفهمًا لكي نكون مقتنعين بذلك.
الفهم البديهي هو مركزي بشري (Anthropocentric) ويخدم مصالحنا. العلوم تحاول أن تكون موضوعية ولكنها هي والظواهر التي تتعامل معها مركبات بشرية ومصنوعة من قبلنا لكي تساعدنا على الفهم، وفي هذه الحالة فإنها لا زالت نتاج عقولنا.
هذه المجالات المتباينة تتوحد ليس بخروج تشومسكي المستمر عن التقليدي ولكن بتأكيده المتواصل على التوضيح، ففي كل من اللغة والسياسة على حد سواء يبحث تشومسكي عن فهم وتوضيح لماذا الأشياء كما هي وتغييرها إن أمكن. على الرغم من الإصرار المستمر على التوضيح والتفسير فإنه من المهم ملاحظة أن طبيعة التوضيح مختلفة جذريا في المجالين.


التعليم العلمي المميز الآن لعلم اللغة هو نتاج بناء النظريات حيث أن العمق التحللي مطلوب أكثر من التوسع الوصفي. مثل هذا التوضيح غير ممكن في السياسة وحتما ليس الآن وربما أبدًا، لأن سلسلة الاستنتاج من الملاحظة إلى النتيجة قصيرة وواضحة في السياسة، فمثلًا تفجير المدنيين خطأ ولذلك يجب العمل على إيقافه. لا يحتاج المرء لنظريات للوصول لهذه النتيجة، ولكن النقاش لتبريرها ينشأ من المعارضة والعصيان. ومع ذلك هناك حاجة لتوضيح لماذا يقوم الناس بمثل هذه النشاطات ويحاولون تبريرها. التوضيح هذا ذو منفعة اقتصادية تقريبًا وكل شئ تابع لذلك. إن إثبات مثل هذا الادعاء المدمر ممكن فقط إذا كان التوثيق الذي لصالحه هائل جدًا لكون مفحمًا، وهنا يكون التوسع الوصفي أساسيًا. لقد وفر تشومسكي التوثيق المناسب في شكل عدد كبير من الكتب والمقالات والدراسات بعناوين مختلفة. لكن في دراسة اللغة هناك مجال أكثر للمناقشة المعقدة وطبيعة الوضوح مختلفة. يوضح تشومسكي الاختلاف في تضاد ما يدعوه بمشكلة أفلاطون ومشكلة أورويل. يمكن تلخيص مشكلة أفلاطون في السؤال الآتي: كيف يمكننا أن نعرف الكثير عندما يكون الوضوح ضئيلًا، وخصوصًا كيف تكون لنا كل هذه المعرفة المعقدة للغتنا الأولى، وكيف نكتسب هذه المعرفة؟ أما مشكلة أورويل المميزة لمعتقداتنا السياسية فهي عكس ذلك تمامًا، فالتساؤل يقول: كيف نبقى جاهلين إلى هذا الحد وهناك كل هذا الوضوح الهائل، وخصوصًا كيف نصدّق الإعلام الموجه نحونا من قبل المؤسسات حتى عندما تكون الادعاءات مختلفة عن البديهة والأدلة والبراهين الواضحة؟
nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
Libya: From King Idris Until NowAfter the independence of Libya…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة