حول الموضوع كإشارة لذلك. يمكن تتبع المحاولات المبكرة في النظرية إلى أكثر من 2000 سنة لشيشرون وهوراس، حيث كان السؤال الرئيسي الراهن آنذاك هو ما إذا كان يجب على المترجم أن يكون وفيا للنص الأصلي باعتماد نهج “حرفي” (كلمة مقابل كلمة) أو ما إذا كان ينبغي عليه اتخاذ نهج “حر” (المعنى مقابل المعنى). استمرت هذا النقاش حتى النصف الثاني من القرن العسرين عندما أجريت تحليلات منهجية أكثر من قبل منظري أوروبا الغربية. ارتكزت هذه التحليلات المنهجية، التي ارتقت بدراسات الترجمة من دورها كنشاط تعلم للغات في المقام الأول، على نظريات الترجمة في السياقات اللغوية والأدبية والثقافية والفلسفية الجديدة (Munday, 2001: 162). إن هذا النهج اللغوي هو الذي سيكون موضوع نقاشنا في هذا الفصل.
يسأل جوزيف غراهام (Joseph Graham, 1981: 24) في مقالته ‘نظرية للترجمة‘ما إذا كان فعل الترجمة العريق هو في الحقيقة موضوع يحتاج للتنظير عليه. ويبدو أن هذا هو الحال في الواقع إذا ما اعتبرنا أن الكم الكبير من المؤلفات المتوفرة اليوم
بدأ النهج اللغوي لنظرية الترجمة الذي يركز على القضايا الرئيسية كالمعنى، والتكافؤ والتغير في الظهور منذ نحو خمسين عاما. تميز هذا الفرع من علم اللغة، والمعروف باسم اللسانيات البنيوية (structural linguistics)، بأعمال رومان ياكوبسون، يوجين نيدا، نيومارك، كولر، فيناي، وداربلنت، كاتفورد وفان لوفين-زوارت. ولكنه لم يدم طويلا حتى بدأ بعض المنظرين في ادراك أن اللغة لا تقتصر فقط على التراكيب، وأنها أيضا حول الطريقة التي تستخدم بها في سياق اجتماعي معين. يطلق على هذا الجانب من النهج اللغوي باللسانيات الوظيفية (functional linguistics) (Berghout lecture 7/9/05)، حيث برزت فيه أعمال كاتارينا ريس، جوستا هولز-مانتاري، فيرمير، نورد، هاليداي، جوليان هاوس، منى بيكر، وحاتم وميسون.
بالطبع ساهم منظرين آخرين في تطوير النهج اللغوي للترجمة، ولكن تم اختيار المذكورين أعلاه للمناقشة بسبب تأثيرهم في المقام الأول، وأيضا ربما بسبب أنهم الأكثر تمثيلا للاتجاهات السائدة في ذلك الوقت.
يقول دوغلاس روبنسون (Robinson, 2003: 73) أنه بالنسبة لبعض المترجمين يكون “الغرض الكلي للترجمة هو تحقيق التكافؤ. وأن النص الهدف يجب أن يطابق النص المصدر على أكمل وجه ممكن”. إن المعنى اللغوي والتكافؤ هما المسألتين الرئيسيتين للعالم البنيوي الروسي رومان جاكوبسون الذي يحدد في كتابه “حول الأعمال اللغوية للترجمة” (On Linguistic Works of Translation) عام 1959 أن هناك ثلاثة أنواع من الترجمة:
1) الترجمة داخل اللغة الواحدة (intralingual) – إعادة الصياغة أو التلخيص أو التوسيع أو التعليق ضمن اللغة
2) الترجمة بين لغتين (interlingual) – المفهوم التقليدي للترجمة من النص المصدر إلى النص الهدف أو “تحويل المعنى من لغة إلى أخرى” (Stockinger, 2003: 4)
3) الترجمة بين نظامين مختلفين للاشارة (intersemiotic) – تغيير نص مكتوب إلى شكل مختلف مثل الفن أو الرقص
(Berghout lecture 27/7/05; Stockinger, 2003: 4).
بالنسبة لجاكوبسون، فإن المعنى والتكافؤ مرتبطان بنموذج بين اللغات في الترجمة، والذي “ينطوي على رسالتين متكافئتين برمزين مختلفين” (Jakobson, 1959/2000: 114). ويرى أن أفكار سوسير (Saussure) حول اعتباطية الدال (اسم) للمدلول (كائن أو مفهوم) وكيف يمكن نقل هذا التكافؤ بين لغات مختلفة. على سبيل المثال، قد يكون مفهوم “سياج” مختلفا تماما لشخصين أحدهما يعيش في الريف والآخر سجين في السجن. ويتوسع جاكوبسون في عمل سوسير حيث يرى أنه قد يتم نقل المفاهيم بإعادة الصياغة، ولكن دون تحقيق التكافؤ الكامل. إن نظرية جاكوبسون ترتبط بالاختلافات النحوية والمعجمية بين اللغات، وكذلك في مجال علم الدلالة.
يعتبر التكافؤ أيضا مهما لمترجم الكتاب المقدس الأمريكي يوجين نيدا (Eugene Nida) الذي يرفض جدال “الترجمة الحرة” مقابل “الترجمة الحرفية” لصالح مفهوم التكافؤ الرسمي والديناميكي، وهو مفهوم يحول التركيز إلى الجمهور الهدف. وقد تم ذلك من أجل جعل قراءة وفهم الكتاب المقدس أسهل للناس الذين يجهلونه (www.nidainstitute.org). يرتكز التكافؤ الرسمي على شكل ومحتوى رسالة النص المصدر، أما التكافؤ الديناميكي، الذي سمي فيما بعد بالتكافؤ الوظيفي (Venuti, 2000:148)، فيهدف “إلى الطبيعية الكاملة للتعبير” (Munday, 2001: 42) في النص الهدف. إن كتابه في 1964 “نحو علم للترجمة” (Toward a Science of Translating ) وعمله المشترك مع تابر (Taber) في عام 1969 “النظرية والتطبيق في الترجمة” (Theory and Practice of Translation ) فيهدفان إلى خلق نهج علمي يتضمن الاتجاهات اللغوية لكي يستخدمها المترجمين في عملهم (Munday, 2001: 38). كما ينظر نيدا الى نظرية تشومسكي للنحو العالمي كوسيلة لتحليل التراكيب الأساسية (underlying structures) للنص المصدر من أجل إعادة بناءها في النص الهدف، بحيث يمكن تحقيق استجابة مماثلة بين الجمهور الهدف والنص الهدف، والجمهور المصدر والنص المصدر.
تتحرك نظريته اللغوية نحو مجالات علم الدلالة والبرجماتية، الأمر الذي قاده إلى وضع أنظمة لتحليل المعنى، التي تشمل ما يلي:
1) التراكيب الهرمية (Hierarchical structures) الكلمات المندرجة والكلمات المحتوية (superordinates and hyponyms)، مثلاً، الموسيقى, والشعر, والنحت, والغناء «كلمات مندرجة» تحت «كلمة محتوية» هي «الفنّ».. قد لا يكون من الممكن في سياق ثقافي ما ترجمة “نحت”، ولذلك قد نحتاج إلى استخدام “فن” .
2) تحليل المكونات (Componential analysis)، الذي يحدد خصائص الكلمات التي ترتبط بطريقة ما، مثل “شقيق” (brother) في الأحاديث الأفروأمريكية التي لا تشير بالضرورة إلى وجود علاقة بذكر مولود من نفس الوالدين.
3) الاختلافات البنائية الدلالية (Semantic structural differences) حيث يتم تحديد المعنى التلميحي والدلالي للألفاظ المتجانسة (homonyms)، على سبيل المثال كلمة “bat” الانجليزية تعني “الخفاش” وقطعة من المعدات الرياضية (Berghout lecture 14/9/05).
يشعر منظر الترجمة البريطاني بيتر نيومارك الذي تأثر بعمل نيدا، أن الفرق بين اللغة المصدر واللغة الهدف سيكون دائما مشكلة كبيرة، مما يجعل التكافؤ الكلي مستحيلا (Munday, 2001: 44). كما استبدل مصطلح “التكافؤ الرسمي” و “التكافؤ الديناميكي” بالترجمة “الدلالية” و “الترجمة التواصلية”، وغير محور الترجمة رجوعا إلى النص المصدر ودعم النهج الحرفي.
لقد كانت محاولة نيدا في المنهج العلمي مهمة في ألمانيا وأثرت على عمل فيرنر كولر الذي اعتبر أن التكافؤ قد يكون دلالي، اعتمادا على التشابه في القدرة الصوتية للإنسان (register)، واللهجة والأسلوب؛ وقد يكون “نص معياري”، استنادا إلى “قواعد الاستخدام” لأنواع معينة من النص؛ وقد يكون “براجماتي” يضمن امكانية الفهم في الثقافة المستقبلة “(Koller in Venuti p.147). كما عمل أيضا في مجال التوافق (correspondence)، وهو حقل لغوي مخصص لفحص أوجه التشابه والاختلاف بين اثنين من الأنظمة اللغوية. وأحد الأمثلة على ذلك هي البحث في منطقة “الأصدقاء الكاذبين”، مثل الفعل الفرنسي (rester)، الذي لا يعني (to rest) “الراحة” ولكن (to remain) “البقاء”.
على الرغم من أن النقاش حول التكافؤ قد تراجع، فإنه لا يزال موضوع تمكن من جذب قدر معين من الاهتمام من جانب بعض الشخصيات البارزة في نظرية الترجمة. يعترف كلا من منى بيكر (Mona Baker) وباسنت (Bassnett) بأهميته، ولكنهما في نفس الوقت، يضعانه في سياق العوامل الثقافية وأخرى غيرها.
لقد تغير تركيز النهج البنائي للترجمة في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات بعمل فيناي (Vinay)، داربلنت (Darbelnet) وكاتفورد (Catford)، وكذلك مفهوم تحول الترجمة (translation shift)، الذي يتناول التغييرات اللغوية التي تحدث في الترجمة بين النص المصدر والنص الهدف (Munday, 2001: 55). ووفقا لفينوتي فإن “نظريات الترجمة التي تمنح امتياز للتكافؤ يجب أن تصل حتما الى تفاهم مع وجود “تحولات” بين النصوص الأجنبية والمترجمة” (Venuti, 2000:148).
يقارن فيناي وداربلنت في كتابهما الصادر عام 1958 (Stylistique comparée du français et de l’anglais) بين الاختلافات بين الفرنسية والإنجليزية ويحددان طريقتي ترجمة تشبهان إلى حد ما الطريقتين الحرفية والحرة (Vinay and Darbelnet in Venuti p.128). تناقش الترجمة المباشرة (الحرفية) ثلاث استراتيجيات ممكنة:
1) الترجمة الحرفية أو كلمة مقابل كلمة
2) الترجمة اقتراضية (Calque)، حيث يتم نقل تعبير اللغة المصدر حرفيا إلى اللغة الهدف.
3) الاقتراض (Borrowing) – يتم نقل كلمة اللغة المصدر مباشرة في اللغة الهدف، مثل “كمبيوتر”.
تغطي الترجمة الغير مباشرة (Oblique translation) أو الحرة أربع استراتيجيات:
1) الإبدال – تبادل أجزاء الكلام التي لا تؤثر على المعنى، مثلا استبدال عبارة فعلية (after he left) بأسمية (بعد مغادرته)
2) التعديل – عكس وجهة نظر (انها ليست باهظة الثمن / انها رخيصة)
3) التكافؤ – يتم نقل نفس المعنى بتعبير مختلف، وهذه الاستراتيجية تعتبر ذي فائدة أكثر في ترجمة الأمثال والتعابير.
4) التكيف – قد تحتاج الاشارات الثقافية للتعديل حتى تصبح ملائمة، ولذلك يتم تحويل ثقافة اللغة المصدر إلى ثقافة اللغة الهدف وإعادة كتابة النص.
تبرز ميزتين أخريين هامتين من عمل فيناي و داربلنت. أولهما هي فكرة “العبودية” (servitude)، التي تشير إلى التغييرات الإجبارية من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف. و فكرة “الاختيار” (option)، التي تشير إلى الخيارات الشخصية التي يقوم بها المترجم، كمثال التعديل أعلاه. يعتبر الاختيار عنصر هام في الترجمة لأنه يسمح باحتمال تفسير شخصي للنص، ولا سيما النصوص الأدبية (Munday, 2001: 59-60).
في عام 1965 تم أول تطبيق لمصطلح “التغيير” (shift) في نظرية الترجمة من قبل كاتفورد في عمله نظرية لغوية للترجمة (A Linguistic Theory of Translation)، الذي ناقش فيه نوعين من التغيير:
1) تغيير المستوى، حيث قد يتم التعبير عن مفهوم نحوي بجذر كلمة (فمثلا يمكن تمثيل النهايات التي تعبر عن المستقبل في اللغة الفرنسية في اللغة الإنجليزية بواسطة الفعل المساعد “will“).
2) تغيير الفئة، التي يوجد منها أربعة أنواع – التغييرات النحوية (دائما ما يتم في اللغة الفرنسية استخدام أداة التعريف تقريبا بالتزامن مع الاسم)؛ التغييرات النوعية (التغيير من أحد أنواع الكلام إلى آخر). الوحدة أو الرتبة (يتم تقسيم الجمل الأطول إلى جمل أصغر لتسهيل الترجمة). اختيار المصطلحات غير المطابقة (مثل الأسماء المعدودة).
إن منهج كاتفورد اللغوي المنظم للترجمة يأخذ لعين الاعتبار العلاقة بين التكافؤ النصي والتوافق الرسمي. التكافؤ النصي هو تكافؤ النص الهدف مع النص المصدر، أما التوافق الرسمي هو كون النص الهدف أقرب ما يكون إلى النص المصدر (Munday, 2001: 60). كما يعتبر كاتفورد قانون الاحتمالات في الترجمة، وهي الميزة التي يمكن ربطها بالاهتمام العلمي بالترجمة الآلية (machine translation) في ذلك الوقت.
بعد نحو ثلاثين عاما على اقتراح فيناي وداربلنت الاستراتيجيات المباشرة وغير المباشرة للترجمة، وضعت كيتي فان لوفين-زوارت (Kitty van Leuven-Zwart) نظرية أكثر تعقيدا باستخدام مصطلحات مختلفة، استنادا إلى عمل فيناي وداربلنت. كانت فكرتها أن الترجمة النهائية هي النتيجة النهائية لتغييرات عدة بعيدا عن النص المصدر، وأن الأثر التراكمي للتغييرات الطفيفة سيغير المنتج النهائي (www.erudit.org). كما أشارت إلى نموذجين التغيرات في الترجمة:
1) المقارنة (Comparative) – حيث يتم إجراء مقارنة بين التغيرات داخل وحدة معنى أو transeme(عبارة، جملة) بين النص المصدر والنص الهدف. ثم أجرت بعدها تحليلا مفصلا للغاية لبناء العبارة أو المعنى الأساسي للكلمة، وكيف يمكن نقل هذا المعنى إلى اللغة الهدف. وتقترح نموذجا للتغير قائما على النقل الدلالي على المستوى الجزئي.
2) وصفية (Descriptive) – تقع في المجالات اللغوية الأسلوبية والبراغماتية وتتعامل مع ما يحاول المؤلف أن يقول، ولماذا وكيف يمكن أن يتم تحويله إلى اللغة الهدف. كما تتعامل مع الاختلافات بين الثقافة المصدر والهدف وتخدم كنموذج على المستوى الكلي للأعمال الأدبية (Berghout lecture 31/8/05; Munday pp 63-66).
رأت السبعينات والثمانينات ابتعاد عن الجانب البنائي للنهج اللغوي كاعتبار وظيفي أو تواصلي يُعطى للنص. واصلت كاثارينا ريس (Katharina Reiss) العمل على التكافؤ، ولكن على مستوى النص وليس على مستوى الكلمة أو الجملة. كما اقترحت استراتيجية ترجمة لأنواع مختلفة من النصوص، حيث قالت أن هناك أربع وظائف نصية رئيسية:
1) الإعلامية (Informative) – تم تصميمها لترحيل الحقيقة. يجب أن يكون النص الهدف من هذا النوع تمثيلي تماما للنص المصدر، ويتجنب الحذف ويقدم تفسيرات إذا لزم الأمر.
2) معبرة (Expressive) – مستوى “أعلى” من نص أدبي مثل الشعر الذي ينبغي أن يهدف فيه النص الهدف إلى إعادة خلق الأثر الذي كان يسعى مؤلف النص المصدر إلى تحقيقه. وتقول ريس في هذه الحالة أن “الوظيفة الشعرية تحدد النص الكامل” (Reiss in Venuti p.172).
3) فعالة (Operative) – مصممة لتحث القارئ على استجابة سلوكية معينة، مثل الإعلان الذي يؤثر على القارئ لشراء منتج معين أو خدمة معينة. ولذلك ينبغي للنص الهدف أن يُحدث نفس التأثير على قارئه مثل قارئ النص المصدر.
4) صوتي وسطي (Audomedial) – تكملة الأفلام، الإعلانات التلفزيونية، وما إلى ذلك بالصور والموسيقى من الثقافة الهدف في النص الهدف (de Pedros p.32).
لقد وجهت انتقادات في بعض الاحيان إلى ريس لأن الطريقة المختارة للترجمة قد لا تعتمد فقط على نوع النص، والتي قد يكون لها أيضا غرض متعدد الوظائف (Berghout lecture 7/9/05; Munday pp73-76).
أما في مجال اللسانيات الوظيفية تأتي نظرية جوستا هولز-مانتاري (Justa Holz-Mänttäri) للعمل الترجمي التي تأخذ في الاعتبار المسائل العملية، وفي نفس الوقت، تركز بقوة على قارئ النص الهدف. وهذا يعني، على سبيل المثال، أن أشياء مثل نوع النص المصدر يمكن تغييرها إذا اعتبرت غير مناسبة للثقافة الهدف. ترى هولز-مانتاري الترجمة كفعل ينطوي على سلسلة من اللاعبين، حيث يؤدي كل واحد منهم دورا محددا في هذه العملية. اللغة المستخدمة لتسمية اللاعبين تشبه كثيرا تلك المستخدمة في المصطلحات الاقتصادية الغربية – البادئ، المفوض، منتج النص المصدر، منتج النص الهدف، مستخدم النص الهدف، متلقي النص الهدف، مما يضيف بعدا آخر لنظرية الترجمة مازال ذكره نادرا حتى الآن (Munday pp77-78).
تم إدخال عبارة “سكوبوس” (skopos) اليونانية التي تعني “هدف” أو “غرض” لنظرية الترجمة من قبل هانز فيرمير (Hans Vermeer) في السبعينات. ترتكز نظرية سكوبوس، التي ترتبط بنظرية الفعل الترجمي لهولز-مانتاري (Vermeer p.227)، على الغرض من الترجمة والوظيفة التي يؤديها النص الهدف في الثقافة الهدف، والذي قد لا يكون بالضرورة نفس غرض النص المصدر في الثقافة المصدر. يبقى التركيز مرة أخرى على قارئ النص الهدف، أثناء تقرير المترجم ما هي الاستراتيجيات التي يجب عليه توظيفها لكي “يصل إلى مجموعة من المخاطبين في الثقافة الهدف” (Venuti, p223). ولذلك فإن القضايا الثقافية في سياق لغوي اجتماعي يجب أن تأخذ في الاعتبار. تعتبر نظرية سكوبوس مهمة لأنها تعني أن نفس النص المصدر يمكن ترجمته بطرق مختلفة وفقا للغرض والارشادات التي يقدمها مفوض الترجمة.
في عام 1984 اشترك فيرمير وريس في تأليف “الأساس لنظرية عامة للترجمة” (Grundlegung einer allgemeine Translationstheorie) بالاستناد في المقام الأول على نظرية سكوبوس، احيث حاولا فيه إنشاء نظرية عامة للترجمة لجميع النصوص. ونتيجة لذلك، تم تقديم انتقادات لنظرية سكوبوس على أساس أنه تنطبق فقط على الأعمال غير الأدبية (Munday p.81)؛ فهي تقلل من أهمية النص المصدر، ولا تولي اهتماما كافيا بالتفاصيل اللغوية. أنا أميل إلى الاختلاف مع هذه النقطة الأخيرة لأنني ننظر إلى نظرية سكوبوس كوسيلة للتعبير عن قدرة المترجم. إذا كان قادرا على انتاج نص هدف يلبي المتطلبات المنصوص عليها في بداية المهمة، والتي قد تقع في مكان ما بين نقيضي التقرير المفصل أو موجز ترجمة، بينما يعمل مع الوقت الممكن والقيود المالية. إذن فالمستوى اللغوي ليس منطقة تستحق الانتقاد.
تجادل كريستيان نورد (Christiane Nord) في عمله “تحليل النص في الترجمة” (Text Analysis in Translation, 1989/91) بأن هناك نوعين من الترجمة:
1) وثائقية (Documentary) – حيث يعرف القارئ أن النص مُترجم.
2) إسهاميه (Instrumental) – حيث يعتقد القارئ بأن النص المترجم أصلي.
تركز كريستيان على النص الهدف عندما تقترح تحليل النص المصدر الذي يمكن أن يساعد المترجم في اتخاذ قرار بشأن الطرق التي يستعملها. بعض الميزات التي تتوجب المراجعة تشمل مادة الموضوع، والمحتوى، والافتراضات، والتكوين، والرسوم التوضيحية، والخط المائل، وتركيب الجملة (Munday p.83). وفي عملها “الترجمة كنشاط هادف” (Translation as a Purposeful Activity, 1997 ) تطورت نظريتها لأنها تعترف بأهمية سكوبوس. تسمح المعلومات المقدمة من قبل المفوض للمترجم بترتيب القضايا المهمة قبل اتخاذ قرار بشأن الادراج، والحذف، والتوسعات، وما إذا كانت الأولوية في الترجمة للنص المصدر أو النص الهدف. ومن خلال الأخذ في الاعتبار فكرة هولز-مانتاري لدور اللاعبين، نجحت كريستيان في توفير وجهة نظر تستوعب ثلاثة مفاهيم مهمة في النهج الوظيفي في الترجمة.
ما يرتبط بنظرية كريستيان نورد لتحليل النص المصدر هو تحليل الخطاب والسجل (discourse and register analysis) الذي يفحص كيف تنقل اللغة المعنى في سياق اجتماعي. احد دعاة هذا النهج هو رئيس قسم علم اللغة في جامعة سيدني، مايكل هاليداي (Michael Halliday)، الذي يقيم عمله على النحو الوظيفي النظمي (العلاقة بين اللغة المستخدمة من قبل مؤلف النص والبيئة الاجتماعية والثقافية). يقول هاليداي أن نوع النص يؤثر على سجل اللغة (اختيار الكلمات وتراكيب الجمل). ويقول أيضا أن السجل يمكن تقسيمه إلى ثلاثة متغيرات:
1) الحقل أو المجال (Field) – موضوع النص
2) مجرى الخطاب (Tenor) – مؤلف النص والقارئ المقصود
3) صيغة الخطاب (Mode) – شكل النص
وكل هذه المتغيرات تعتبر هامة على المستوى الدلالي. وقد وجهت بعض الانتقادات لمصطلحات هاليداي المعقدة ونهجه، ويرجع ذلك أساسا لأنها مبنية على اللغة الإنجليزية (Munday pp89-91; Berghout lecture 7/9/05).
يدرس عمل جوليان هاوس (Juliane House) عام 1997 “تقييم جودة الترجمة : إعادة النظر في نموذج” (Translation Quality Assessment: A Model Revisited ) سجل النص المصدر والهدف، ويتوسع في أفكار هاليداي عن المجال، ومجرى الخطاب وصيغته. لقد أنشأت جوليان نموذجا للترجمة يقارن المتغيرات بين النص المصدر والنص الهدف قبل اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي استخدام ترجمة واضحة (overt) أو مخفية (covert) (Stockinger, p.18). ترتكز الترجمة الواضحة أو الجلية على النص المصدر بشكل واضح، ولا تحاول التكيّف بأي شكل مع الوظيفة الاجتماعية والثقافية لتناسب الجمهور المستهدف (مثل ترجمة كريستيان نورد الوثائقية). وهذا يعني أن الجمهور المستهدف يدرك جيدا أن ما يقرؤونه هو ترجمة قد تكون مترسخة في زمن وسياق أجنبي، كما هو الحال مع عمل إميل زولا “جيرمينال” (Germinal)، التي نشرت لأول مرة باللغة الفرنسية في عام 1885 وترجمها ليونارد تانكوك (Leonard Tancock) إلى الإنجليزية في عام 1954. يعرف قراء الإنجليزية أنهم يقرؤون ترجمة لوصف ظروف تعدين الفحم في شمال فرنسا في القرن الثامن عشر، وهي تحتفظ بجميع أسماء العلم من النص الفرنسي الأصلي (Ma Brûlé, Philomène, Bonnemort, Mouque – p.282). وهذه ليست سوى أحد التقنيات المستخدمة للكشف عن الطبيعة الظاهرية للنص. أما الترجمة المخفية (مثل ترجمة كريستيان نورد الإسهاميه) فهي التي يُنظر فيها إلى النص الهدف كنص أصلي في الثقافة الهدف، كما هو الحال مع المنشورات الارشادية التي توزع على السواح في الأماكن السياحية، والتي تبدو أنها كتبت بشكل فردي للجمهور الناطق بالعربية والناطق بالإنجليزية أو الفرنسية (وربما الجماهير الألمانية والإسبانية والإيطالية واليابانية)، لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل أن نحدد أو نفرق بين النص المصدر و النص الهدف.
يستفيد عمل منى بيكر (Mona Baker) عام 1992 “بعبارة أخرى: كتاب منهجي في الترجمة” (A Coursebook on Translation ) من عمل هاليداي، ويثير عددا من القضايا الهامة. تتناول بيكر البناء النصي والوظيفي، وكيفية اختلاف أشكال الكلمة بين اللغات، مثل استبدال صيغة الأمر بالمصدر في كتيبات التعليمات بين اللغتين الانجليزية والفرنسية. كما تثير قضايا الجنس (ذكر أو أنثى) عند مناقشتها الطرق التي يمكن التغلب بها على مواقف الجنس الغامضة، مثل التوافق الوصفي في اللغة الفرنسية. وبالإضافة إلى ذلك ناقشت ثلاثة مفاهيم برجماتية حيث تشير البرجماتية إلى ” طريقة استخدام الكلام في المواقف التواصلية” (Baker in Munday p.95):
1) الاتساق (Coherence) ويتعلق بفهم الجمهور للعالم، والذي قد يكون مختلف لقراء النص المصدر وقراء النص الهدف.
2) الافتراضات المسبقة (Presupposition) حيث يُفترض أن مُتلقي الرسالة لديه بعض المعرفة المسبقة. “وأسفاه على عبدالسلام!” حيث يُفترض أن القارئ يعرف أن شيئا سيئا قد حدث لعبد السلام. وهذا يثير مشاكل في الترجمة لأن قراء النص الهدف قد لا تكون لديهم نفس المعرفة كقراء النص المصدر. تكمن الحلول الممكنة لذلك في إعادة الصياغة أو الحواشي.
3) التعريض (Implicature) حيث يكون المعنى ضمني بدلا من ذكره. على سبيل المثال الجملة “جلال اراد ان تغادر مريم” قد تعني أن “جلال سعيد الآن لأن مريم غادرت”، والتي قد تؤدي إلى سوء ترجمة لمقصد الرسالة.
اشترك باسل حاتم (Basil Hatim) وايان ميسون (Ian Mason) في تأليف كتابين هما “الخطاب والمترجم” (Discourse and the Translator) عام 1990 و “المترجم كتواصلي” (The Translator as Communicator) عام 1997، حيث طبّقا فيهما بعض العوامل اللغوية الاجتماعية على الترجمة. لقد استكشفا طرق التي يمكن بها نقل المعنى غير اللفظي، مثل التغيير من صيغة المبني للمعلوم إلى صيغة المبني للمجهول مما قد يغير أو يقلل من تركيز الفعل. كما درسا أيضا الطريقة التي يتم بها نقل الخيارات المعجمية إلى الثقافة الهدف، على سبيل المثال نقل الجملة “تم اكتشاف أستراليا في عام 1770 من قبل الكابتن كوك” إلى جمهور السكان الأصليين (Berghout lecture 12/10/05). ومع ذلك، أعتقد أنهما يميلا إلى العودة إلى مناقشة الترجمة الحرفية مقابل الحرة مع تحديدهم للعناصر المستقرة والديناميكية داخل النص، والتي تكون بمثابة مؤشرات لاستراتيجية ترجمة (Munday p.101). ويعتقد ميسون في مقالته عام 2003، “المعلمات النصية في الترجمة: النقل والثقافات المؤسسية” (Text Parameters in Translation: Transitivity and Institutional Cultures) أنه ينبغي النظر إلى نحو هاليداي الشامل في سياق المؤسسات الترجمية، مثل الاتحاد الأوروبي حيث “يمكنها القيام بمساهمة أكثر أهمية في دراسات الترجمة” (Venuti p.333). ومن المثير للاهتمام أن نتائج هذه الدراسة تكشف نزعة مترجمي الاتحاد الأوروبي إلى “البقاء قريبا إلى حد ما من نصوصهم المصدرية” (Mason In Venuti p.481).
ومثل كل النظريات الأخرى، فإن تحليل الخطاب والسجل قد لاقى نصيبه من الانتقادات. فقد وصفت بأنه معقد وغير قادر على التعامل مع التفسير الأدبي. كما إن إمكانية تحديد نية الكاتب الحقيقية، والترسخ في اللغة الإنجليزية قد خضعا أيضا لبعض التدقيق.
يشتمل النهج اللغوي لنظرية الترجمة على المفاهيم التالية: المعنى، التكافؤ، والتغير، غرض النص وتحليله، وسجل الخطاب، والتي يمكن دراستها في سياقات علم اللغة البنائي والوظيفي، وعلم الدلالة، والبرجماتية، والتوافق، وعلم اللغة الاجتماعي وعلم الأسلوب. وفي الوقت نفسه، بينما تسعى الترجمة إلى تعريف نظريتها من خلال النهج اللغوي، تطور نهج يوجين نيدا العلمي إلى سعي للحصول على تصنيف أكثر انتظاما لكل نظريات الترجمة، والذي يقول أنه يجب أن يقوم على علم اللغة وفقه اللغة والسيميائية (Nida, p.108 ).
المراجع
Berghout, Anita. Lectures at Newcastle University 27/7/05; 31/8/05; 7/9/05; 14/9/05; 12/10/05
de Pedros, Raquel. “Beyond the Words: The Translation of Television Adverts.” Babel Revue Internationale de la Traduction. Vol. 42 1996. pp 27-43 John Benjamins Publishing Company
Graham, Joseph F. “Theory for Translation.” Translation Spectrum. Essays in Theory and Practice. Gaddis Rose (ed.) pp 23-30. Albany: State University of New York Press, 1981.
Halliday, M.A.K. An Introduction to Functional Grammar. Edward Arnold: London, 1994.
Jakobson, Roman. “On Linguistic Aspects of Translation.” 1959. pp 113-119. Translation Studies Reader. (2nd Edition). L. Venuti. New York: Routledge, 2000.
Libert, Alan. Lectures at Newcastle University 24/3/05; May 2005
Mason, Ian. “Text Parameters in Translation: Transitivity and Institutional Cultures.” pp 477-481 Translation Studies Reader. (2nd Edition). L. Venuti. New York: Routledge, 2000.
Munday, Jeremy. Introducing Translation Studies. Theories and Applications. London: Routledge, 2001.
Nida, E.A. Contexts in Translating. Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins, 2001. pp 107-114.
Nord, Christiane. Translation as a Purposeful Activity. Manchester: St Jerome, 1997.
Reiss, Katharina. “Type, Kind and Individuality of Text: Decision Making in Translation.” 1971. Translation Studies Reader. (2nd Edition). L. Venuti. New York: Routledge, 2000. Pp. 168-179.
Robinson, Douglas. Becoming a Translator. An Introduction to the Theory and Practice of Translation. (2nd Edition). London: Routledge, 2003.
Snyder, William. “Linguistics in Translation.” Translation Spectrum. Essays in Theory and Practice. Gaddis Rose (ed.) pp 127-134.
Steiner, George. After Babel: Aspects of Language and Translation. London: Oxford University Press, 1975.
Stockinger, Peter. Semiotics of Cultures. Culture, Language and Translation. Paris: ESCoM, 2003.
Venuti, Lawrence. The Translation Studies Reader. (2nd Edition). New York: Routledge, 2000.
Vermeer, Hans J. “Skopos and Commission in Translational Action.” pp 227-237.Translation Studies Reader. (2nd Edition). L. Venuti. New York: Routledge, 2000.
Vinay, Jean-Paul and Darbelnet, Jean. “A Methodology for Translation.” 1958. Translation Studies Reader. (2nd Edition). L. Venuti. New York: Routledge, 2000. pp 128-137.
مراجع ثانوية
Zola, Émile. Germinal. Paris: Gallimard, 1978.
Zola, Émile. Germinal. Hammondsworth: Penguin, 1954. Translated by Leonard Tancock.