مقدمة
يهتم هذا الفصل أساسًا بالبحث الذي تم إجراؤه للتحقيق في تأثير بعض المتغيرات التي تؤثر على اختيار واستخدام استراتيجيات تعلم اللغة (Language Learning Strategies). بعد مناقشة بعض التعاريف المقترحة لاستراتيجيات تعلم اللغة، سيتم استعراض مراحل مختلفة من أبحاث استراتيجيات تعلم اللغة. وبعدها ستتم مناقشة العوامل التي تؤثر على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة بشيء من التفصيل. وأخيراً ، تلخص الخاتمة النقاط الهامة التي تم تناولها في هذا الفصل.
تعريف استراتيجيات تعلم اللغة ومراحل البحث فيها
لقد تم تعريف استراتيجيات التعلم بتعريفات مختلفة من قبل باحثين مختلفين. على سبيل المثال ، يرى شاموت وكوبر (Chamot and Kupper 1989:13) أن استراتيجيات تعلم اللغة هي “تقنيات يستخدمها الطلاب لفهم وتخزين وتذكر المعلومات والمهارات الجديدة”. وتعرف أكسفورد وآخرون (Oxford et al, 1989:29) استراتيجيات تعلم اللغة بأنها “أفعال أو سلوكيات أو خطوات أو تقنيات … يستخدمها المتعلمون لتعزيز التعلّم”. وتعتبر أكسفورد (Oxford, 1990:8) استراتيجيات تعلم اللغة بأنها “إجراءات محددة يتخذها المتعلم لجعل التعلم أسهل وأسرع وأكثر متعة وأكثر تلقائية، وأكثر فعالية، وأكثر قابلية للتحويل إلى مواقف جديدة”. ويعتبر أومالي وشاموت (O’Malley & Chamot, 1990: 1) استراتيجيات تعلم اللغة بمثابة “أفكار خاصة أو سلوكيات يستخدمها الأفراد لمساعدتهم على فهم أو تعلم أو تذكر المعلومات الجديدة”. وبالطبع ، فقد اقترح باحثون آخرون تعاريف أخرى، ولكن نظرًا لطبيعة هذا الفصل الذي يهدف إلى استكشاف العوامل التي تؤثر على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة، فلن نتمكن من مناقشة التعاريف المختلفة المقترحة من قبل الباحثين الآخرين.
يُعتقد أن المرحلة الأولى من أبحاث استراتيجيات تعلم اللغة هدفت إلى تحديد الاستراتيجيات التي يعتقد أنها أساسية لنجاح تعلم اللغة. ركز الباحثون خلال الثمانينات من القرن الماضي بشكل رئيسي على جمع البيانات من المتعلمين لتحديد استخدامهم لاستراتيجيات محددة. وكنتيجة لهذه المرحلة من البحث تم تطوير عدة تصنيفات وفئات لاستراتيجيات تعلم اللغة . صنف بياليستوك (Bialystok, 1979) استراتيجيات تعلم اللغة وفقاً للغرض (ما إذا كان رسميًا أو وظيفيًا) وطريقة استخدام اللغة (شفهية أو كتابية). وبينما صنفت روبين (Rubin, 1981) استراتيجيات تعلم اللغة وفقا لدورها المباشر أو غير المباشر الذي تلعبه في تعلم اللغة، قسّم بوليتزر (Politzer, 1983) استراتيجيات تعلم اللغة وفقا للسياق الذي تعمل فيه (أي ما إذا كان في سياق الفصول الدراسية، في سياق بيئة تعليم ذاتي أو في سياق التفاعل مع الآخرين). ولكن ويندن (Wenden, 1991) صنفت استراتيجيات تعلم اللغة إلى أنواع معرفية والإدارة الذاتية. وتستخدم الاستراتيجيات المعرفية لاختيار وفهم وتخزين واسترجاع المدخلات، أما استراتيجيات الإدارة الذاتية فتشمل تلك المستخدمة لتخطيط ومراقبة وتقييم تعلم اللغة.
وفي الواقع، فإن أهم تصنيفات استراتيجيات تعلم اللغة التي كانت مثمرة في إجراء الدراسات ومفيدة في مجال تعلم اللغة والتدريس هي تلك التي صنّفها أومالي وآخرون O’Malley et al., 1985a)) وأكسفورد (Oxford, 1990). وبناءا على دراستهم السابقة، صنف أومالي وزملائه استراتيجيات تعلم اللغة إلى ثلاث فئات رئيسية: فوق المعرفية (metacognitive) والمعرفية (cognitive) والتوسط الاجتماعي (social mediation). تتضمن الاستراتيجيات فوق المعرفية عمليات مثل “التخطيط” و “المراقبة الذاتية” و “التقييم الذاتي”. أما الاستراتيجيات المعرفية فتشمل “تدوين الملاحظات” و “التكرار” و “الاستدلال” و “توفير الموارد”. وأخيرا تهتم استراتيجيات الوساطة الاجتماعية بالطرق التي يتفاعل بها المتعلمون مع الناطقين الأصليين، وتشمل استراتيجيات التعاون وطلب التوضيح.
صنفت أكسفورد (Oxford, 1990) استراتيجيات تعلم اللغة إلى فئتين: مباشرة وغير مباشرة. تنقسم الاستراتيجيات المباشرة إلى استراتيجيات الذاكرة (memory strategies) والاستراتيجيات المعرفية (cognitive strategies) واستراتيجيات التعويض (compensation strategies). تساعد استراتيجيات الذاكرة المتعلمين “على تخزين واسترجاع المعلومات الجديدة” (Oxford, 1990: 37)، وتسهل معالجة الذاكرة. وتمتد الاستراتيجيات المعرفية “من التكرار إلى التحليل والتلخيص” (Oxford, 1990:43). أما استراتيجيات التعويض فتساعد المتعلمين على استخدام المدخلات اللغوية الجديدة في الفهم أو الإنتاج بغض النظر عن معرفتهم اللغوية المحدودة (Oxford, 1990: 47 and Yang, 1999: 527).
تتضمن الاستراتيجيات غير المباشرة ثلاث مجموعات: الاستراتيجيات فوق المعرفية (metacognitive strategies)، والاستراتيجيات العاطفية (affective strategies)، والاستراتيجيات الاجتماعية (social strategies). تساعد الاستراتيجيات فوق المعرفة المتعلمين على “تنسيق عملية تعلّمهم” (Oxford, 1990:135-136)، حيث توفر للمتعلمين طرق لتنظيم وتقييم تعلّمهم. أما الاستراتيجيات العاطفية فتساعد المتعلمين على التحكم في عواطفهم ودوافعهم ومواقفهم (Oxford, 1990:135). وتسهل الاستراتيجيات الاجتماعية التعلم من خلال التفاعل والتعلم مع الآخرين (Oxford, 1990:135,145).
العوامل التي تؤثر على استخدام الاستراتيجيات
لقد شهدت الثلاثة عقود الماضية زيادة كبيرة في كمية الأبحاث حول تأثير العوامل المختلفة على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة من قبل متعلمي اللغة الثانية / الأجنبية. فبعد تحديد وتصنيف استراتيجيات تعلم اللغة، ركز الباحثون على تحديد استخدام المتعلمين لاستراتيجيات محددة لتعلم اللغة والعوامل التي تؤثر على هذا الاستخدام. وشملت هذه العوامل، من بين أمور أخرى، مستوى الكفاءة (proficiency)، والعمر (age)، والجنس (gender)، ومعتقدات المتعلم (learner beliefs)، والخلفية الثقافية (cultural background)، والاختيار الوظيفي (career choice)، والحوافز (motivation). وفيما يلي مناقشة لهذه العوامل بشيء من التفصيل.
1. المعتقدات
يُعتقد أن معتقدات المتعلمين حول تعلم اللغة تؤثر على طريقة ونتائج تعلّمهم (Palmer and Goetz, 1988). ويؤثر وعي المتعلمين على اختيارهم لاستراتيجيات تعلم اللغة (Nisbet and Shucksmith, 1986).
وجدت ويندن (Wenden, 1986) أن المتعلمين كانوا قادرين على مناقشة معتقداتهم حول الطرق الفعالة لتعلم لغة ثانية، واللغة نفسها، واختيار الاستراتيجيات.
قام هورويتز (Horwitz, 1987, 1988) بتصميم قائمة المعتقدات حول تعلم اللغات (Beliefs About Language Learning Inventory) لتقييم معتقدات المتعلمين حول تعلم اللغة. وركز فيكتوري ولوكهارت (Victori and Lockhart, 1995) على معتقدات الطلاب حول فعالية الاستراتيجيات.
وجادل الباحثون (Abraham and Van, 1987; Horwitz, 1987, 1988; Wenden, 1986, 1987) بأن معتقدات المتعلمين حول تعلم اللغة تقدم تفسيراً لاختيارهم لاستراتيجيات محددة لتعلم اللغة. ويبدو أن معتقدات المتعلمين حول اللغة نفسها وكيف يتم تعلمها تؤثر على استخدامهم للاستراتيجيات.
ووجد يانغ (Yang, 1999: 518) أن معتقدات متعلمي اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باستخدامهم لاستراتيجيات تعلم اللغة . واكتشف (Yang, 1999: 530) أن أولئك المتعلمين الذين لديهم معتقدات قوية حول فعاليتهم الذاتية يستخدمون عدة أنواع من استراتيجيات تعلم اللغة، وأن “معتقدات الطلاب حول قيمة وطبيعة اللغة الإنجليزية المنطوقة” ترتبط بشكل كبير مع “الاستخدام المتكرر لاستراتيجيات الممارسة الشفوية الرسمية”.
يؤكد رايلي (Riley, 1996:155) على أن المعتقدات حول اللغة وكيف يتم تعلمها قد تشكل أو تؤثر على الأقل في سلوك المتعلمين في عملية تعلم تلك اللغة. ووجد ون وجونسون (Wen and Johnson, 1997: 40) أن متغيرات المعتقدات كانت متسقة ومؤثرة للغاية على متغيرات الاستراتيجيات، مما قادهما إلى التوصية بأن يضع المدرسون ومصممو المنهج الدراسي في اعتبارهم معرفة المتعلمين المسبقة حول تعلم اللغة.
تشير الأدلة إلى أن متعلمي اللغة لديهم معتقدات معينة حول كيفية تعلم اللغات (Wenden, 1986, 1991 and Wenden and Rubin, 1987) وأن تلك المعتقدات تؤثر على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة .
2. العمر
بسبب ندرة الدراسات الطولية في مجال استراتيجيات تعلم اللغة، حيث أنها “غير موجودة فعليًا” في مجال أبحاث اكتساب اللغة الثانية بشكل عام (Larsen-Freeman and Long, 1991: 166)، فقد عُثر على عدد أقل من الدراسات التي تبحث في استخدام استراتيجيات تعلم اللغة من قبل الفئات العمرية المختلفة. وهذا يبرره حقيقة أن الأبحاث مقيدة بحدود زمنية وتقتصر على عينات متجانسة (مثل الأطفال الصغار، المدارس الثانوية، طلاب الجامعات، أو البالغين). ولذلك، لمعرفة تأثير العمر على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة، يتعين على المرء استخلاص الاستنتاجات من نتائج هذه الدراسات. أظهرت دراسة للأطفال الصغار (Wong-Fillmore, 1979) أن الاستراتيجيات المعرفية والاجتماعية مهمة للغاية. كما أجرى تشيسترفيلد و تشيسترفيلد (Chesterfield and Chesterfield, 1985) دراسة عن المتعلمين ثنائيي اللغة، ووجد أن الأطفال طوروا استراتيجيات التلقي (التكرار والحفظ) أولاً. ثم طوروا استراتيجيات سمحت لهم بالبدء والمحافظة على التفاعلات (على سبيل المثال لفت الانتباه وطلب التوضيح). وأخيرا ، طوروا استراتيجيات لتحديد ومراقبة الأخطاء النحوية.
وقد قام برودي وأليفر (Purdie and Oliver, 1999) بمسح 58 طفلاً من تلاميذ المدارس الابتدائية الأستراليين الذين يتعلمون الإنجليزية ووجدوا أن الاستراتيجيات فوق المعرفية هي الأكثر استخدامًا وأن الاستراتيجيات الاجتماعية تأتي في المرتبة التالية في الأهمية.
كما أجرى أومالي وآخرين (Omally et al, 1985a, 1985b) بحثا على طلاب المدارس الثانوية ووجدوا أنه تم استخدام الاستراتيجيات المعرفية بشكل عام، أما الاستراتيجيات فوق المعرفية فقد تم الإبلاغ عنها من قبل بعض المتعلمين الأكثر تقدمًا. وأجرى كيلاني (Kaylani, 1996) دراسة على 255 من طلاب اللغة الانجليزية كلغة أجنبية في المدرسة الثانوية في الأردن ووجد أن تكرار استخدام استراتيجيات فوق المعرفية أعلى بشكل ملحوظ بالنسبة للمتعلمين الأكثر كفاءة.
وبعد تحديد الاستراتيجيات الناجحة التي استخدمها 105 من متعلمي الفرنسية في ثلاثة مستويات دراسية (الصف 8 ، الصف 9 – 10 والصف 10-11) في مدرستين ثانويتين في نيويورك خلص راميريز (Ramirez, 1986) إلى أن سلوكيات التعلم الناجحة كانت تعتمد على المهمة، وأن سنوات الدراسة أثرت على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة. وأظهرت الدراسة أيضا أن استراتيجيات معينة استخدمت أكثر من غيرها في مستويات الدراسة المختلفة.
وقام وايت (White, 1993) بدراسة استخدام استراتيجيات تعلم اللغة من قبل فئات عمرية معينة من متعلمي اللغة الفرنسية واليابانية في نيوزيلندا، ووجد أن المتعلمين الذين تزيد أعمارهم عن الثلاثين يستخدمون استراتيجيات الإدارة الذاتية فوق المعرفية أكثر من أولئك الذين كانوا أصغر سناً.
إن ما يقدمه استعراضنا للدراسات المذكورة أعلاه (وغيرها) يعتبر دليلا على أن العمر له تأثير على استخدام استراتيجيات تعلم اللغة.
3. الجنس
لقد أفادت الإناث في العديد من الدراسات حول استخدام الاستراتيجيات باستخدام أكثر من الذكور للاستراتيجيات. على سبيل المثال ، قام بوليتزر (Politzer, 1983) بدراسة 90 متعلما جامعيا للغة أجنبية، ووجد اختلافًا “بسيطًا نسبيًا” (ص 62) بين المتعلمين الذكور والإناث، حيث اتضح أن الإناث يستخدمن استراتيجيات التفاعل الاجتماعي بشكل أكبر. وبالمثل، درست إيرمان وأكسفورد (Ehrman and Oxford, 1988) ثمانية وسبعين متعلما ووجدوا أن الإناث يستخدمن استراتيجيات أكثر من الذكور في أربعة عوامل من بيان استراتيجيات تعلم اللغة (Strategy Inventory for Language Learning)، نسخة متعلمين اللغة الانجليزية الناطقين باللغات الاخرى: الاستراتيجيات العامة ، والاستخدام الأصيل للغة، والبحث عن المعنى وتوصيله، واستراتيجيات الإدارة الذاتية.
وبالمثل، وجد كل من أكسفورد ونييكوس (Oxford and Nyikos, 1989) اللذان حققا في 1200 طالب جامعي يدرسون الفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والإيطالية أن الإناث أبلغن عن استخدام استراتيجيات أكثر تواترا من الذكور لاستراتيجيات الممارسة الرسمية (مثل مقارنة اللغات، وصياغة ومراجعة القواعد، وتحليل الكلمات)، واستراتيجيات الدراسة العامة (مثل الدراسة بكد، إهمال المشتتات، التحضير، التنظيم، وإدارة الوقت) واستراتيجيات استنباط المدخلات الصوتية (على سبيل المثال، طلب الكلام ببطء، طلب تصحيح النطق، وتخمين ما سيقوله المتحدث).
ومن ناحية أخرى، تشير دراسات أخرى إلى أن الذكور يستخدمون استراتيجيات معينة أكثر من الإناث. وكشفت دراسة تران (Tran, 1988) للمهاجرين الفيتناميين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و 92 في الولايات المتحدة الأمريكية أن الذكور استخدموا الاستراتيجيات أكثر للتعلم ولتحسين مهاراتهم في اللغة الإنجليزية (مثل أخذ دورات اللغة الإنجليزية، وممارسة اللغة الإنجليزية مع الأصدقاء الأمريكيين، ومشاهدة التلفزيون أو الاستماع إلى الراديو باللغة الإنجليزية).
أما الدراسة الثانية التي كشفت عن استخدام الذكور لاستراتيجية معينة، فهي دراسة قام بها نايكوس (Nyikos, 1990). فمن خلال دراسة استرجاع المفردات للمتعلمين المبتدئين من مستوى الجامعة للألمانية باستخدام توليفات مختلفة من الألوان ومحفزات الصور، وجد نايكوس أن الذكور كانوا أفضل عند استخدام التحفيز البصري المكاني للون بالإضافة إلى الصورة. ومع ذلك، فقد تذكرت الإناث أكثر عندما كان اللون هو الوسيط. اقترح نايكوس أن مثل هذه الاستراتيجيات كانت نتيجة التنشئة الاجتماعية للذكور والإناث وأن مثل هذه الاختلافات يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تشجيع استخدام الاستراتيجيات في تعلم اللغة.
4. مستوى الكفاءة
بشكل عام، تشير نتائج الدراسات التي حققت في العلاقة بين الكفاءة اللغوية واستخدام استراتيجيات تعلم اللغة إلى أن المتعلمين ذوي الكفاءة العالية يستخدمون مجموعة أكبر وأوسع من استراتيجيات تعلم اللغة. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع لاقتراح علاقة سببية بين الكفاءة العالية واستخدام استراتيجيات تعلم اللغة. فعند بعض المتعلمين قد يزيد الاستخدام الأكثر للاستراتيجيات من الكفاءة، وقد يكون العكس صحيحًا في حالات أخرى (Skehan, 1989). وعند مناقشته هذه المسألة، تساءل ماكنتاير (MacIntyre, 1994: 188) “هل يؤدي (يسبب) استخدام استراتيجيات معينة إلى تحسين مستوى القدرة أم أن مستوى القدرة المرتفع يؤدي إلى استخدام استراتيجيات مختلفة؟” وجادل بأنه من الصعب تحديد ما إذا كان استخدام الاستراتيجيات يساهم في الكفاءة أو أن الكفاءة تؤثر على اختيار الاستراتيجيات.
ووجد أومالي وآخرون (O’Malley et al., 1985a) أن مبتدئي مدارس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أفادوا باستخدام استراتيجيات أكثر من طلاب المستوى المتوسط. وفي دراسة أخرى أجريت على متعلمي المدارس للغتين الإسبانية والروسية، وجد أومالي وتشاموت (O’Malley and Chamot, 1990) أن المبتدئين أفادوا باستخدام أقل للاستراتيجيات من أولئك الذين في المستوى المتوسط.
درس هوانغ وفان نارسين (Huang and van Naerssen, 1987) متعلمي اللغة الإنجليزية ذوي الكفاءة العالية والمنخفضة في الصين ووجدوا أن الطلاب ذوي الكفاءة العالية أبلغوا عن استخدام أكثر لاستراتيجيات الممارسة الوظيفية. وباستخدام المقابلات مع الطلاب المتخلفين في مدارس اللغة الإنجليزية في لندن، وجد بورت (Porte, 1988) أنهم يستخدمون استراتيجيات المفردات كتلك المستخدمة من قبل متعلمي اللغة الجيدين. درس فان وأبراهام (Vann and Abraham, 1990) الاستراتيجيات المستخدمة من قبل متعلمين غير الناجحين في اللغة الإنجليزية الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية، ووجدا أنهم، خلافا للتوقعات، قد استخدموا بنشاط استراتيجيات مماثلة لتلك المستخدمة من قبل المتعلمين الناجحين.
في الجزء الأول لدراسة من ثلاثة مراحل حول استخدام الاستراتيجيات لطلاب السنة الأولى والثانية والخامسة والسادسة الذين يتعلمون الإسبانية في الولايات المتحدة الأمريكية، وجد تشاموت وكوبر (Chamot and Küpper, 1989) أن المتعلمين في المستويات العليا قد ذكروا استخدام استراتيجيات أكثر من المبتدئين. وفي المرحلة الثانية من دراستهم الطولية لسبعة وعشرين متعلم فعال وثلاثة عشر غير فعالين، وجد تشاموت وكوبر (ص 17) أن المتعلمين الأكثر نجاحًا استخدموا استراتيجيات تعلم اللغة بشكل أكثر تكرارًا وأكثر ملاءمة وبتنوع أكثر من الطلاب غير الفعالين.
وفي دراسة أجريت على 1200 من متعلمي اللغة الأجنبية في المرحلة الجامعية، وجد كل من أكسفورد ونييكوس (Oxford and Nyikos, 1989) أن استخدام الاستراتيجيات أكثر رافقه ادراك بالكفاءة العالية، وأن أولئك الذين كانوا يدرسون اللغة لمدة أربع أو خمس سنوات استخدموا استراتيجيات أكثر من أولئك الذين كانوا متعلمي اللغة أقل خبرة. وفي دراسة أخرى أجريت على طلاب الجامعات في بورتوريكو، وجد جرين وأكسفورد (Green and Oxford, 1995) أيضًا أن الطلاب الذين يتمتعون بمستوى أعلى من الكفاءة حققوا استفادة أكبر من الاستراتيجيات المعرفية أكثر من الطلاب المستوى الأدنى من الكفاءة.
وعند جمعهما البيانات عن طريق تقارير شفوية من 36 من متعلمي المدارس للغة الفرنسية في كندا، وجد أندرسون وفاندرجريفت (Anderson and Vandergrift, 1996) أن هيمنة استخدام الاستراتيجيات المعرفية بين جميع الطلاب انخفضت مع ازدياد مستوى الكفاءة. ووجدوا أيضا أنه كلما زادت مستويات الكفاءة زاد كذلك استخدام الاستراتيجيات فوق المعرفية.
5. الخلفية الثقافية
على الرغم من حقيقة أن المتعلمين من خلفيات ثقافية مختلفة يميلون إلى استخدام أنواع معينة من الاستراتيجيات، من الصعب القول إن الدراسات والبحوث السابقة قد حققت بشكل شامل في تأثيرات الخلفية الثقافية في تحديد تفضيلات الاستراتيجية. النتيجة الرئيسية في دراسة بيدل (Bedell, 1993) المستشهد بها في أوكسفورد وآخرون (Oxford, et. al., 1995) هي أن المتعلمين من خلفيات ثقافية مختلفة يستخدمون أنواعًا معينة من الاستراتيجيات بمستويات تردد مختلفة. وفقا لبوليتزر ومكرغرتي (Politzer and McGroarty, 1985)، فإن الطلاب الآسيويون يميلون إلى تفضيل استراتيجيات الحفظ عن ظهر قلب والاستراتيجيات الموجهة نحو القواعد. وفي دراستهم، قام بوليتزر ومكرغرتي بتوزيع استبياناً على 18 متعلماً آسيوياً (معظمهم من اليابانيين) و 19 من ذوي الأصول الإسبانية (متحدثون من أمريكا اللاتينية بالإسبانية) التحقوا بدورة تحضيرية للدراسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية للتحقيق في العلاقة بين خلفية اللغة الأول للطلاب وعرقهم واستخدامهم للاستراتيجيات. وكشفت الدراسة أن الطلاب الآسيويين سجلوا أقل من المتعلمين من ذوي الأصول الإسبانية على مقياس السلوكيات اللغوية الجيدة. وخلص الباحثون إلى أن مثل هذه السلوكيات تمثل التفاعلات الاجتماعية التي يكون فيها الطلاب الآسيويون أقل احتمالا للانخراط فيها من أولئك ذوي الأصول الإسبانية. يدعي بوليتزر ومكرغرتي (Politzer and McGroarty, 1985:113-114) أن سلوكيات الفصول الدراسية مثل سؤال المعلم، وتصحيح الزملاء في الصف، والتطوُّع بالأجوبة، وسلوكيات التفاعل الاجتماعي الأخرى مثل طلب المساعدة، ومطالبة الآخرين بالتكرار، هي على ما يبدو جزءًا من المخزون الغربي وليست من الذخيرة الآسيوية.
كما جمعت لينجكاناواتي (Lengkanawati, 2004) بيانات من 56 طالبًا في جامعتين في أستراليا تعلموا اللغة الإندونيسية كلغة أجنبية و 114 طالبًا يتعلمون الإنجليزية كلغة أجنبية في إحدى الجامعات في إندونيسيا ووجدت أن الاختلافات بين المجموعتين في استخدام استراتيجيات تعلم اللغة كانت بسبب الاختلافات في ثقافاتهم التعليمية.
وجدت أكسفورد (Oxford, 1994) أن الطلاب التايوانيين أكثر تنظيماً، وتحليلاً، وقائمين على الذاكرة، وموجّهون نحو ما وراء المعرفة، من المجموعات الأخرى. وجد مكرغرتي (McGroarty, 1987) أن المتعلمين الإسبان يستخدمون الاستراتيجيات التقليدية مثل استخدام القاموس لتعلم كلمات جديدة. وبالمثل، وجد أومالي وتشاماوت (O’Malley and Chamot, 1990) أن المتعلمين الآسيويين يفضّلون استراتيجيات التعلم الراسخة الخاصة بهم. وفي المقابل، يشير كل هوانغ وفان نايرسن (Huang and Van Naerrsen, 1987) و تاياكي وميندلسون (Tyacke and Mendelsohn, 1986) إلى أن المتعلمين من الخلفية الآسيوية يفضلون استراتيجيات الحفظ عن ظهر قلب والتركيز على النظام اللغوي. ووفقا لأومالي وآخرون (O’Malley et al., 1985) فقد كان المتعلمون الآسيويون غير راغبين أكثر من المتعلمين من ذوي الأصول الإسبانية في استخدام تقنيات تعلم جديدة. لقد قاد استخدام استراتيجيات مختلفة عن تلك المستخدمة من قبل مجموعات ثقافية أخرى بوليتزر ومكرجرارتي (Politzer and Mc Groarty, 1985) إلى الاستنتاج بأن العديد من استراتيجيات تعلم اللغة “المقبولة” قد تكون مبنية على افتراضات عرقية مركزية، غربية، حول تعلم اللغة الفعال. واقترح ماكنتاير (MacIntyre, 1994) أيضًا أن تأثير العرق كمحدد لاستخدام الاستراتيجيات يمكن فهمه بشكل أكثر وضوحًا من خلال التحقق من الاختلافات المرتبطة عادة بالمتغير بدلاً من المتغير نفسه.
6. اختيار المهنة
لقد ارتبط اختيار المهنة أو مجال تخصص معين باختيار الاستراتيجيات. وقد أظهرت دراسة بوليتزر ومكرغرتي (1985)، المذكورة أعلاه، أن المتعلمين المتخصصين في الهندسة أو غيرها من العلوم الفيزيائية سجلوا أقل من المتخصصين في العلوم الاجتماعية والخلفيات الإنسانية. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى نتيجة مؤكدة من هذه الدراسة لأن التمييز بين المجموعتين كان متشابهاً جدا، ومتداخل إلى حد كبير.
وفي دراسة أجريت على ثلاث مجموعات من المتعلمين (مدربي اللغات المحترفين، ومعلمي اللغة المتحدثين باللغة الأصلية، والطلاب)، وجدت إهرمان وأكسفورد (Ehrman and Oxford, 1988) أن مدربي اللغات المحترفين أفادوا باستخدام مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات أكثر من المجموعات الأخرى في العينة، وكان الطلاب هم الأقل في الابلاغ عن استخدام جميع أنواع الاستراتيجيات.
7. الدافع
لقد أخبرت الدراسات المختلفة إن دافع أو حافز متعلمي اللغة يؤثر على اختيار واستخدام الاستراتيجيات. أشار بوليتزر ومكجرورتي (Politzer and McGroarty, 1985) إلى أن هدف تعلم اللغة الإنجليزية هو موضوع رئيسي في أي مناقشة لاستراتيجيات تعلم اللغة. وجادلت أكسفورد (Oxford, 1989a) بأن المتعلمين يتعلمون اللغات المستهدفة لأسباب وأغراض مختلفة، وقد يكون لهذا تأثير على اختيارهم لاستراتيجيات التعلم. وأكدت أكسفورد ونايكوس (Oxford and Nyikos, 1989: 295) أن الدافع كان له “تأثير عام على الاستخدام المعلن لأنواع محددة من الاستراتيجيات …” ، في حين أن نايكوس وأكسفورد (Nyikos and Oxford, 1993) اللتان كانتا تخبران عن دراسة أجريت على متعلمي اللغة الجامعيين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين كانوا يأخذون لغة كمتطلب دراسي، ذكرتا أن الطلاب الذين يركزون على الحصول على درجات جيدة ركزوا على استراتيجيات المعالجة الرسمية المتعلقة بالقواعد، واستراتيجيات الدراسة الأكاديمية، بدلا من الاستراتيجيات التي تحسّن مهارات استخدام اللغة التواصلي الأصيل.
الخلاصة
استعرض هذا الفصل باختصار الأدبيات المتعلقة بأبحاث استراتيجيات تعلم اللغة. كما قدم استكشاف التعريفات المختلفة المقترحة لاستراتيجيات تعلم اللغة عرضا عاما لمراحل البحث المنجز لتحديد وتصنيف استراتيجيات تعلم اللغة. وأخيرا ، قدم هذا الفصل استعراضا للعديد من الدراسات التي حددت مختلف المتغيرات التي ثبت أن لها تأثير على اختيار واستخدام استراتيجيات تعلم اللغة.