في البداية، كان دي ليرنا والعديد من زملائه متفائلين بشأن مستقبل علم الآثار في ليبيا بعد سنوات من الاهمال تحت حكم الدكتاتور معمر القذافي. ولكن اليوم، يجد دي ليرنا مشكلة في تخيل ما سيبدو عليه العمل الميداني في البلاد التي مزقتها الحرب.
بعد سنوات من بدء الصراع لا تزال ليبيا غير مستقرة، حيث تجري الامم المتحدة محادثات في جنيف في محاولة لتوحيد الحكومتين المتنافستين على السيطرة في ليبيا منذ السقوط الدراماتيكي للقذافي. وفي الوقت نفسه، سيطر متطرفي تنظيم الدولة على السلطة في أجزاء من البلاد مثل مدينة درنة في شرق البلاد، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش أشكال العنف من سوء المعاملة وحتى الإعدام والجلد.
بالاضافة للتقارير عن الفظائع الإنسانية، كان هناك دفق مستمر من التقارير التي توضح بالتفصيل المخاطر التي تهدد الموارد الثقافية في ليبيا، من الدمار الأيديولوجي ألى التنمية. في عام 2013، على سبيل المثال، كان هناك معدات بناء مستعدة للتمهيد الأثري في المدينة اليونانية شحات، التي تعتبر احد خمسة مواقع لتراث العالمي في ليبيا وفقا لليونيسكو. غدامس وهي موقع آخر للتراث العالمي (المدينة التي تسمى أحيانا بلؤلؤة الصحراء، وكانت مقرا للرومان والبربر) عانت هي الأخرى من الهجمات الصاروخية في عام 2012. وفي العام نفسه، يقال أن الإسلاميين المتشددين قاموا بتدمير الأضرحة الصوفية والقبور في طرابلس لأنها لا تتفق مع معتقداتهم. في عام 2011، قام اللصوص في أكبر عملية سطو على الآثار، بسرقة كنز من ما يقارب من 8000 قطعة من العملات القديمة من قبو في مصرف ببنغازي.
وقال دي ليرنا لمجلة لايف ساينس العلمية (Live Science) أنه يخشى أن هذا سيسبب كارثة للأجيال من علماء الآثار الليبية وللتراث العالمي،. نشر دي ليرنا تعليقا يوم 28 يناير في مجلة الطبيعة (Nature) في محاولة لرفع مستوى الوعي حول الوضع داخل المجتمع العلمي، وقال إنه “من الصعب جدا ابقاء الضوء على ليبيا في هذه اللحظة”.
على مدى السنوات الأربع الماضية، كان دي ليرنا، الأستاذ في جامعة سابينزا بروما، وزملاؤه قادرين على نشر البحوث الجديدة المستندة إلى ثروة من المواد التي تم جمعها في المواسم الحقلية الماضية. لقد أظهروا أن مزارع الألبان كانت موجودة في الصحراء حينما كانت خضراء يوما؛ كما حللوا أيضا اساليب الدفن في العصر الحجري في المنطقة الصحراوية.
على الرغم من أن الوصول إلى الجزء الجنوبي الشرقي من ليبيا كان محدودا منذ عام 2011، فقد كان دي ليرنا قادرا على السفر إلى طرابلس. ولكن بتصاعد القتال بين الحكومتين في ليبيا وازدياده سوءا خلال العام الماضي، أصبح دي ليرنا غير قادر على الوصول الى ليبيا على الإطلاق. لذلك فإنه من الصعب للمراقبين الدوليين لتقييم الأضرار في البلاد من على بعد.
ويقول دي ليرنا أنه من وقت لآخر ينجح في التحدث مع أصدقائه هناك، حيث يخبرونه أن جميع المواقع الأثرية في خطر. وأضاف بانه لا يعرف ما يحدث في كثير من الأماكن، أو ما يدور في المتاحف.
يقول دب ليرنا أنه في مناطق الصراع الأخرى، مثل سوريا، لجأ علماء الآثار لصور الأقمار الصناعية لتقييم الأضرار التي لحقت بمواقع التراث الثقافي، لكن نفس النهج قد لا يعمل في ليبيا، ولأن الأقمار الصناعية لا يمكنها الكشف عن الأضرار الدقيقة مثل الكتابة على الجدران والمرسومة على الفنون الصخرية في جبال جبال أكاكوس، بالقرب من هضبة مسك.
اعناد دي ليرنا على قضاء أشهر في كل مرة في هضبة مسك، لكنه لا يتصور استئناف مواسم الحقول الأثرية الطويلة في ليبيا في أي وقت قريب. طرح في مجلة الطبيعة مجموعة من التوصيات لإحياء البحوث، داعيا الى المزيد من الدعم للمتحف والجامعة والبحث القائم على المختبرات. وقال دي ليرنا انه يرغب في رؤية المزيد من مقتنيات المتحف تظهر على الانترنت، وكذلك مكتبة لمواقع الفن الصخري على شبكة الإنترنت. يريد دي ليرنا أيضا أن توفر الجامعات العالمية الدعم والتمويل للطلاب والعلماء الليبيين للتدريب والعمل في الخارج.
وأضاف ان “الطريقة الوحيدة لإبقاء الآثار الليبية على قيد الحياة هو أن يتم تفعيل البحوث المعملية والبحوث المكتبية، والعمل على رقمنة التراث الثقافي في ليبيا على شبكة الإنترنت. ويتساءل دي ليرنا وهو خائف لأن الوضع في ليبيا جزء من صورة أوسع، أنه ربما يكون على علماء الآثار إعادة التفكير في قدرتهم على إجراء البحوث في ظل فوضى هذا الإطار السياسي.