ملخص
من المسلم به أن الترجمة من وإلى اللغة الإنجليزية تعتبر جزء من الصورة الأوسع للعولمة، وهي العملية المستمرة التي تميل فيها اللغة لكسب الاعتراف بها كمصطلح عالمي للاتصال. وفي الآونة الأخيرة، أثبتت الكتابة الأكاديمية بأنها مهمة ومثيرة، على الأقل بقدر ما يتعلق بالترجمة، شأنها شأن الخطاب الأدبي والكتابة. نستهل هذا الفصل بمجموعة من الافتراضات النظرية للتحقق من الاقتراح المذكور أعلاه، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الأدلة التجريبية لإثبات حقيقة أن معظم الاعراف والانتظاميات المرتبطة عادة بالكتابة الأكاديمية يمكن أن تتحول إلى تحديات جدية للمترجم.
مقدمة
يبدأ المؤلفون من افتراض أن هناك حاجة ملحة عموما للعالمية في استخدام اللغة، فضلا عن الاستخدام الموحد للمفاهيم المختلفة، والفروق الدقيقة في الاستخدام، وما إلى ذلك. وفيما يتعلق باللغة الإنجليزية، فإن “عالميتها” كلغة عالمية قد كانت واضحة لمدة حوالي 100 سنة.
من ناحية أخرى، لقد وجد أن الكتابة الأكاديمية تمثل أهم أحد مجالات التواصل التعليمي، متجاوزة في ذلك، على سبيل المثال، الأدب القصصي. وفضلا عن كونها (ينظر إليها على أنها) شكل موحد ودقيق ومعياري للغة، تميل الكتابة الأكاديمية إلى أن تكون شكلا أكثر مهنية للكتابة. وكقاعدة عامة، فهي شكل من أشكال الكتابة المستخدمة بين العلماء. و بطبيعة الحال، يتطلب هذا النوع من الكتابة البحث والتحليل المتعمق والتلخيص، جنبا إلى جنب مع التحرير والتدقيق الدوري. وتعتبر الكتابة الأكاديمية مفيدة، وتكمن في الواقع وراء مئات المواضيع والحقول (والتخصصات الفرعية).
وبالانتقال إلى الترجمة، فإننا نجد عادة آراء متناقضة مختلفة بشأن أصعب أنواع الترجمة. يقول البعض أنه الترجمة في مجال القصص الأدبي، أي النصوص الأدبية، على الرغم من أن هناك في الواقع العشرات من البيانات والحجج والأدلة التي تقول عكس ذلك. ويبدو أن العمل الأصعب هو ترجمة النصوص التي تنتمي إلى مجالات متخصصة أو تقنية (والتي لا حاجة إلى القول بأنها غالبا ما تكون مكتوبة باللغة الإنجليزية الأكاديمية). يعتبر كل من المترجمين الأدبيين والأكاديميين متخصصون في مجالاتهم أو حقولهم (أو حتى الحقول الفرعية). فمعظم المترجمين يحملون شهادات عليا في الأدب أو علم اللغة، ولكن الكثير من المترجمين الآخرين هم من حاملي الشهادات في بعض المجالات الأكاديمية المتعلقة بالمواد التي يترجمونها (الفيزياء وعلم الأحياء والكيمياء والأنثروبولوجيا وعلوم الحاسوب، وما إلى ذلك). وقبل أن يكون المرء مترجما، يجب أن يكون كاتب ممتاز، وذلك أساسا بسبب حقيقة أن الأسلوب والمفاهيم الخاصة بكل من الأدب والكتابة الأكاديمية تميل إلى أن تكون مصقولة جدا ومعقدة ومجردة.
الأكاديمي مقابل الأدبي
في حين أن المترجمين الأدبيين يهدفون أساسا إلى تحقيق التنوع بين اللغات للأدب المكتوب (كتب الخيال والروايات والقصص القصيرة والشعر والمقالات، وما إلى ذلك) من خلال نقل محتويات مجموعة متنوعة من الوثائق (بما في ذلك أيضا مقالات المجلات والتقارير المميزة) في الشكل الذي تفرضه الهياكل المحددة للغة الهدف، يواجه مترجمي النصوص الأكثر تقنية مجموعة مماثلة من القيود اللغوية، على الرغم من أن مجموعة النصوص التي يتوجب عليهم ترجمتها قد لا تبدو بنفس الدرامية. وعمليا ينظر معظم الناس إلى وظيفة المترجم الأدبي على إنها ابداعية أكثر (أو على الأقل، أساسا)، لأن عليه إنتاج نصوص في اللغة الهدف تنقل بأمانة النبرة، والصوت، والمحيط، أي ‘أسلوب’ النص المصدر. وفي كثير من الأحيان، يُبرز النص الأصلي للمترجم الأدبي تحديات لا يمكن إنكارها مثل الاستعارات، والعامية، والاشارات الثقافية، التي يجب عليه أن يجد لها بديل أو ما يكافئها في اللغة الهدف (إذا اعتقد أنها مناسبة). ولهذا السبب فإن وظيفة المترجم الأدبي قد تشمل أشياء مثل العمل الوثيق مع مؤلف النص المصدر (أو حتى العمل في أزواج)، لكي يكونوا على يقين من أنهم قد التقطوا الأسلوب والظلال الأدبية الدقيقة على أكمل وجه ممكن، أو كما يُفضل بعض الكتّاب متعددي اللغات أن يكونوا ناطقين بأعمالهم الأدبية، أو التخصص في واحد فقط أو اثنين من الأنواع (على سبيل المثال، الخيال، الشعر، المقال، وما إلى ذلك)، أو اختيار الترجمة إلى لغة المرء الأم فقط.
على ما يبدو إن الاستنتاج الواضح المستمد من معظم الاعتبارات المذكورة أعلاه هو أن “أوج” نشاط المترجم سيكون عندئذ في الترجمة الأدبية، والتي يمكن إن تُظهر مهارات تعبير تفوق حتى تلك التي لدى المؤلفين متعددي اللغات! وعلاوة على ذلك، يمكن أن يشمل العمل في أزواج ترجمة نصف النص الأصلي، ثم ترجمة كل النص بالكامل بمساعدة المترجم الآخر (تمهيد التحولات، كما كانت)، أو أن يكون المترجم الثاني بمثابة المراجع للنص المُترجم ككل، والتحقق من وضوحه، وسلاسته، واتساقه، وصحته، وكفايته الأسلوبية ونبرته العامة.
ومع ذلك، فإن ذلك ليس صحيحا تماما، إذ أن الترجمة الأكاديمية قد تُشكل سلسلة مشابهة من المشاكل. فعلى عكس الترجمة الأدبية، تنطوي الترجمة الأكاديمية عادة على ترجمة الدراسات الأكاديمية، والملخصات، والمقالات، والمخطوطات. ولذلك، قد تبدو وكأنها عزف على نفس الوتر. وصحيح أن المترجمين الأكاديميين لا يحتاجون عادة إلى نيل شهادة في مجال محدد للنصوص التي يترجمونها؛ ومع ذلك، فإن الخبرة هي الكلمة الرئيسية في هذا المجال. وعلاوة على ذلك، فإن ما تتطلبه الترجمة الأكاديمية على وجه التحديد هو التحكم الجيد في الكتابة الأكاديمية باللغة الهدف، والذي يتضمن أيضا معرفة ممتازة بالمفردات، وتراكيب الجدل العامة والنظرية، الخ، في مجال التخصص المعني. وكالمترجمين الأدبيين، يختار معظم المترجمين الأكاديميين الترجمة إلى لغتهم الأم، في حين يقوم بعض المترجمين الأكاديميين باقتصار نطاق النصوص التي يترجمونها على مؤلف أو مؤلفين، وذلك بسبب أسلوب الكاتب المحدد. وبالطبع فإن هذا التقييم المبدئي لا يتعلق بالمترجمين الفوريين، الذين يستخدمون مهنيا في المقابلات الأكاديمية أو في المؤتمرات، لأن عملهم لا يشمل الكتابة الصحيحة.
ومن المسائل ذات الصلة، والتي نوقشت كثيرا مؤخرا، هو ما إذا كانت أغلب مهام الترجمة التي يقوم بها المترجم الأدبي، أو التي يقوم بها المترجم الأكاديمي ممتعة، وذلك بسبب التحديات والابداع المقترن بكلتيهما جوهريا.
تهتم الترجمة الأكاديمية بنقل الأنواع الأجنبية أو الأصلية المكتوبة بلغة المصدر لمجموعة واسعة من المقالات والمخطوطات، والملخصات، والتلخيصات، والعروض، والمقدمات، والخلاصات، وما إلى ذلك. وهذا ما يسمى عادة بالأدبيات المتخصصة أو التقنية، أي النصوص التي تستخدم في الغالب كمصادر مرجعية. والمترجمون الأكاديميون لا يتصلون دائما بمؤلفي النصوص التي يتم ترجمتها، بل بباحثين مختلفين الذين قد يحتاجون إلى تلك النصوص كمصادر أولية للمعلومات.
تحديات محددة
المسألة الأولى التي سنطرحها في مناقشة إمكانيات وخصوصية الترجمة الأكاديمية تتعلق بماهية ترجمة النص المتخصص. وقد عرف ماركيل (Markel, 1998) هذا النوع من الكتابة بأنه كتابة حول موضوع تقني، يهدف إلى نقل معلومات محددة إلى جمهور معين لغرض معين، ولذلك فنحن في الواقع نتحدث عن الكتابة التقنية والكتابة الأكاديمية مطوية في قالب واحد. وبالتالي، فهي تمثل عنصرا مفيدا، ومرحب به أكثر في تدريب المترجم نفسه، مما يعوض عن المجموعة المتنوعة للسمات اللغوية التي يواجهها المرء في الواقع فعلا. إن الإلمام بالعديد من الأنواع سوف يجهز الأخصائي المستقبلي في ترجمة النصوص المكتوبة في مجالات محددة من اللغة بالمهارات اللازمة لتوليد (وإعادة انتاج) النصوص التي تتفق مع تلك الأنواع.
وقد لاحظ العديد من الباحثين (أنظر مثلا Franco Aixelá, J., 2004 و Sarukkai, S., 2001) في مجال الترجمة وجود نقص نسبي في الاهتمام بالمسائل (النظرية أساسا) التي ينطوي عليها ترجمة الخطاب الأكاديمي، وخاصة ترجمة المواد التقنية والعلمية. وهناك ميل عادة للنظر إلى ترجمة الخطاب الأكاديمي على أنها أقل أهمية، هامشية، ولا تتم معالجتها كثيرا، أو خالية من الصعوبات الأساسية. ومع ذلك، فإن الواقع نفسه يدل على أن ترجمة النصوص الأكاديمية تحدث بشكل متكرر، ولا يمكن التقليل من أهميتها. فعلى سبيل المثال، تفرض معظم المجلات العلمية التي تنتمي إلى العالم غير الناطق بالإنجليزية، كشرط أساسي مطلق للنشر، الكتابة باللغة الإنجليزية (وإلا، أن تُكتب الملخصات بلغتين)، وتفعل ذلك أيضا العديد من الأقسام الجامعية في الرسائل والأطروحات أو السير الذاتية. كما أن المجلات التي تنشر نسخ مترجمة من الأوراق المدرجة ليست نادرة على الاطلاق. ومن ناحية أخرى، هناك إجماع تقريبا على تعقيد وتعدد الترجمة الأكاديمية، بما في ذلك تحديات الترجمة التي تمتد من الأعراف والهياكل المحددة، والمصطلحات التقنية، واعراف النوع إلى مسائل ثقافية أكثر دقة.
إن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المترجمين في مجال الترجمة الأكاديمية يتولد عن مفارقة (ظاهرية) أن الخطاب الأكاديمي يبدو أنه عالمي (لنشوئه من عالمية العلم) ومتغير (لأنه منصب في تقاليد ثقافية محددة، مما يولد تباينا ملحوظا، بل ومثبط للهمة أحيانا) في آن واحد ( Mauranen, 1993).
وقد لاحظت دراسات مختلفة في الخطاب المقارن اختلافات هامة، وذلك أساسا بقدر ما يتعلق بأعراف الكتابة الأكاديمية في لغات مختلفة. ولذلك من الطبيعي أن نأخذ هذه المعرفة (العملية والنظرية) في الاعتبار والاستفادة منها في الحقل قيد النظر، دراسات الترجمة. ومن ثم، فإن الترجمة الأكاديمية يمكن أن تكون مختلفة جدا في مختلف الثقافات. وهكذا، فإن هناك باحثون يقرون بشكل مقنع أن الكتابة الأكاديمية تختلف في لغات مختلفة، وينبغي أن تتم معاملتها على هذا النحو. “إن خطاب العلم في عالمنا العالمي لا يزال ثقافيا للغاية سواء في هياكله النصية، أو في تسلسله وفي عملياته المعرفية” (Hoorickx-Raucq, 2005: 105).
والاستنتاج المنطقي الكافِ هو أن الترجمة (الجيدة، الصحيحة)، حتى وإن كانت في المجال التخصصي للخطاب الأكاديمي، يجب أن تلتزم بمعظم الأعراف التي تفرضها اللغة الهدف. وينبغي أن يكون هذا بالتقيد الأمثل بالمعايير الأسلوبية للغة الهدف (Siepmann, 2006: 144–145)، أو على الأقل تسوية وسطية بين الحفظ والتكيّف (Stolze & Deppert 1998: 127).
قضايا محددة
وكما ذكرنا سابقا، فإن ترجمة الخطاب الأكاديمي تنطوي على مجموعة واسعة من القضايا المعقدة التي تنشأ في مستويات مختلفة. وتمتد السلسلة المعنية من النهج العام أو استراتيجية الترجمة المستخدمة من قبل المترجم إلى القضايا المتعلقة بنص معين، أو حتى سمات مكوناته اللغوية أو النصية. ففي ترجمات النصوص التقنية الخالصة، والاقتصادية ، والقانونية، والفنية، والتعليمية، الخ (أي الترجمة لأغراض محددة)، يجب أن يتضمن التفاعل الدائم، الذي ينشئه المترجم بين النص في مجمله ومكوناته، تحليلا جوهريا، وفكرة عن الأسلوب الخاص للمادة، والذي من المرجح في أغلب الأحيان أن يميز كاتب النص نفسه. لذلك، هناك حاجة إلى نهج شامل لترجمة الخطاب الأكاديمي، ليس فقط على المستوى النظري البحت، ولكن أيضا كمسألة فعل عملي. وفي هذا الصدد، يمكن توفير مكملة لازمة للنظرية في المجال من خلال مجموعات مختلفة من البيانات المكتسبة عبر الاستكشاف والدراسة اليقظة لقضايا معينة تتميز بها الترجمة الأكاديمية.
وإذا انتقلنا إلى موضوع المواد اللغوية التي سيتم تدريسها، يمكننا أن نجد (وأثبتت الأبحاث) أن اللغات المختلفة تظهر اختلافات كبيرة فيما يتعلق بأعراف الخطاب الأكاديمي. وقد سعت العديد من الدراسات في الماضي إلى توضيح التنوع الهائل للنطاقات الفرعية التي تختلف فيها اللغات عندما يتعلق الأمر بالخطاب المكتوب، ولا سيما في المجال التقني، كالمعاجم وعناصر وقواعد تكوين الكلمات، واستخدام وانتشار الفئات النحوية المختلفة، والتراكيب النحوية، وترتيب الكلمات، وأعراف الخطاب، والأسلوب العام، وأجزاء من إطار الخطاب القياسي، وما إلى ذلك. ومن بين اعراف المكونات المختلفة (القياسية) على نطاق واسع، نذكر صيغة الملخص، وبيان الأطروحة (thesis statement)، والاثباتات، والاستنتاجات.
الحاجة إلى بحوث مجموعات الوثائق
نحن لا نحاول تحليل مجموعة ضخمة من مجموعات وثائق (corpora) المقالات البحثية، التي ستكون موضوعا لمسعى أعمق بكثير. وهذا سينطوي على مقارنة الأصول الأصلية العربية مع ترجمتها الإنجليزية، وتحليل الأصول الأصلية الإنجليزية من حيث استخدام الملخص أو بيان الأطروحة، الخ ، وأعراف الشكل العام. وعلى أية حال، فإن نتائج مثل هذه الدراسات التي يمكن أن نصل إليها تبين بوضوح أنه، على سبيل المثال، يتم استخدام بيان الأطروحة بشكل أكثر في المقالات البحثية الإنجليزية الأصلية مما هي عليه في المقالات البحثية العربية الأصلية، وأن الترجمات الإنجليزية للأخيرة تتوافق كثيرا مع الأصول العربية. كما أن النتائج ستكشف عن وجود فروق بين المجموعتين الأصليتين من حيث موقع بيان الأطروحة ودرجة الوجود التوثيقي، مع تتطابق الترجمات الإنجليزية مع الأصول العربية ثانية. يمكن للمقارنة بين النسخ الأصلية العربية وترجماتها الإنجليزية أن تحدد بعض التغييرات (أو التعديلات) التي أجريت أثناء الترجمة. وربما ستشير نتائج مماثلة إلى أن الاختلافات بين اللغتين في بيان الأطروحة (أو صياغة الملخص)، في كل من الاستخدام والشكل، يمكن أن تخلق مشاكل في الترجمة(جدية أحيانا).
إذن، فأحد الأعراف التي قد تختلف فيها اللغات هو استخدام بيان الأطروحة. إن بيان الأطروحة عبارة عن جملة (أو سلسلة من الجمل)، تظهر عادة في نهاية القسم التمهيدي من الورقة البحثية، وتذكر الفكرة الرئيسية أو الأهداف الرئيسية للورقة، وغرضها المباشر هو تيسير قراءة النص. وعلى الرغم من أن المصطلح نفسه يستخدم أساسا في سياق كتابة المقالة لتدريس الكتابة في اللغات الأجنبية، إلا أنه يُستخدم أحيانا في الإشارة إلى أنواع أخرى. و يتم استخدامه في هذا الفصل في سياق الكتابة الأكاديمية، ويشير نموذجيا إلى المقالات البحثية. على الرغم من أنه معترف به كأحد أعراف الخطاب الأكاديمي في الإنجليزية، ويتم تقديمه كسمة هامة في معظم الكتب، إلا أنه لم يتم إجراء العديد من الدراسات المتعلقة بالتعبير عن بيان الأطروحة وترجمته في الكتابة الأكاديمية العربية. ولذلك يبدو أن وضعه ذاته غير واضح إلى حد كبير، على الأقل في الكتابة الأكاديمية العربية. وبناء على ذلك، فقد اقترح أن الكتابة الأكاديمية العربية لا تهتم بمسؤولية الكاتب كالكتابة الأكاديمية الإنجليزية.
ينبغي أن تتضمن مجموعة الوثائق التي يجب أن يستخدمها مشروع من النوع التحليلي المذكور أعلاه (والذي يمكن أن يكون بداية لدراسة مستقبلية أوسع نطاقا)، مادة تمثيلية عالية لحدوث بيان الأطروحة (أو الملخص، كيفما تكون الحالة ). وعلى أي حال، نموذجيا ينبغي أن تتضمن مجموعة الوثائق المعنية حوالي 100 وحدة (أي نصوص منشورة، ويفضل أن تكون بين عامي 2013 و 2017)، في مقالات تمثل مجال بحثي واحد، ويُنصح بتقسيمها على نحو ملائم إلى ثلاث مجموعات فرعية، والتي ينبغي أن تتألف من عدد متساو من المقالات العربية، والترجمات الإنجليزية المقابلة لتلك المواد.
ويجب أن يتضمن التحليل الشامل الذي يتعين إجراؤه على تلك المواد تحديد حالات بيانات الأطروحة (أو الملخصات)، وفقا للمعايير العامة لتحديدها. بعد ذلك، ينبغي إجراء مقارنة بين مجموعات الوثائق الفرعية الثلاث من حيث وجود بيان الأطروحة (أو الملخص)، موضع بيان الأطروحة في المقدمة، ودرجة المشاركة التأليفية كما هي مُعرب عنها في صيغتها. تكمن المرحلة النهائية من التحليل في الفحص المناسب للنسخ العربية الأصلية وترجماتها الإنجليزية. ويتم تبيين درجة التوافق في استخدام بيان الأطروحة (أو الملخص) وصيغتها لكل زوج أصلي وترجمة، والتي منها سيتم توليد جدول التوافق النهائي.
وستتعلق نتائج هذا التحليل الدقيق بدرجة المشاركة التأليفية الصريحة في بيان الأطروحة، ومدى اتباع الأعراف العامة للنوع من قبل المترجمين، والأهم من ذلك، درجة التوافق بين النصوص العربية و ترجماتها باللغة الإنجليزية.
وبالتأكيد، ستؤكد نتائج التحليل فرضية مشروع البحث المذكور، التي تتمثل في أنه في الواقع هناك اختلافات كبيرة في تواتر استخدام بيان الأطروحة في النسخ الأصلية العربية والأصول الإنجليزية. ومع ذلك، لا يمكن القول أن هذا الاختلاف ينعكس في الترجمات الإنجليزية للأصول العربية. كما ينبغي ملاحظة الاختلافات بين مجموعتي الأصول الأصلية من حيث الموقع والصيغة، وفي الحالتين، تميل الترجمات الإنجليزية إلى أن تتوافق مع النسخ الأصلية العربية. ويمكن أن تظهر مقارنة أخرى لبيانات الأطروحة التي يمكن تحديدها في النسخ الأصلية العربية وترجماتها الإنجليزية أن هناك ميل لاستخدام الترجمة الحرفية، وربما في نصف الحالات. كما يمكن في بعض الحالات الأخرى ملاحظة التغيرات التي يمكن وصفها عموما بأنها تحسينات من حيث أعراف اللغة الهدف.
تفسير التحليل القائم على أبحاث مماثلة يمكن أن يثبت، حتى بشكل غير مباشر، مجموعة من خصائص الترجمة الأكاديمية في العربية. وبالتالي، يمكن القول بأن الكتابة الأكاديمية العربية هي عموما مكيّفة للقارئ بدرجة أقل قليلا من الكتابة الأكاديمية الإنجليزية (حيث يمكن أن يُفسر بيان الأطروحة باعتباره جانبا من جوانب الكتابة الموجهة للقارئ)، وعلى الأرجح في التزامها بالأعراف الخاصة بها، وهذا يعتبر نموذجي لهذا النوع في اللغة العربية. ويشير ذلك إلى أنه قد تنشأ قضايا معقدة في ترجمة الخطاب الأكاديمي بين اللغتين، والتي تمثل تحديات كثيرة لكل من المترجمين المهنيين وغير المهنيين، فالفوارق في الأعراف البلاغية قد تؤدي إلى ترجمة لا تتفق مع أعراف اللغة الهدف.
وفي الواقع، هناك العديد من التحديات التي يواجهها المترجمون في المجال الأكاديمي، فمثلا عادة ما تميل النسخ الأصلية الأنجلو أمريكية لاستخدام الاستعارة أكثر في التعبير، بل وحتى أكثر عامية. وبالتالي، يجب على المرء أن يجد مكافئات أكاديمية ملائمة في لغته (أي اللغة الهدف) وبالعكس.
النتائج والتجريبية والأمثلة
لقد أظهرت لنا كل من الملاحظة المنهجية والخبرة التجريبية أنه لا توجد علاقة فردية بين ما يمكن اعتباره أكاديميا (و / أو قياسيا) باللغتين الإنجليزية والعربية. لنأخذ مثالا بسيطا جدا، يمكننا مقارنة المصطلحات والعبارات العربية مثل يقوم بـ، يصنع، يكون، ينفذ، مقارنة بـ، حول، عن، بخلاف (التي تميل إلى أن تكون أكثر “رسمية” قليلا) مع نظيراتها الإنجليزية (to do, to make, to be, to carry out, compared to, about, on, unlike, etc.). وهذا يعني أساسا اهمية امتلاك أو اكتساب الحس السليم الذي تشتد الحاجة إليه في مسائل الترجمة والتكيّف (والتكافؤ).
ومن البديهي أن نقول إن الترجمة (أي نوع من الترجمة، وليس فقط النوع الأكاديمي) يجب أن تتفادى الفهم الخاطئ للنص الهدف في السياق، ومع ذلك، فإن أهم مكونات السلسلة المترجمة هو، بطبيعة الحال، العبارات والمصطلحات المتخصصة أو التقنية.
وتظهر الملاحظة القياسية، والتي تبدو عامة، ولكنها راسخة فيما يتعلق بالتحديات النموذجية في الكتابة الأكاديمية والرسمية، أنه عادة ما تتمثل المراوغات الأكثر شيوعا في استخدام المبني للمجهول، ومجموعة الفاعل وما يرتبط بها (على سبيل المثال، التعبير عن المؤلف بالجمع، واستخدام التجريد، وما إلى ذلك)، واستخدام الأزمنة، وترتيب الكلمات، والمفاعيل النحوية المختلفة. وهكذا، فإن النصوص الأكاديمية والتقنية المكتوبة باللغة الإنجليزية، على عكس نسخها العربية، ستكثر من استخدام تراكيب مثل “أُجريت التجارب التي …”، “تمت معالجة المواد البحثية باهتمام…”، “قد تكون هناك مثل هذه الحالات عندما …”، الخ.
ويمكن استخلاص استنتاجات (علينا أن نعترف بأنها مبسطة إلى حد ما، وغير علمية، إن لم تكن بالأحرى ساذجة) أخرى من تجربة توظيف إمكانية اللجوء إلى محركات الترجمة المستخدمة غالبا (بمزاياها، وأوجه قصورها الرئيسة)، مثل مترجم جوجل، بابل أو بنج. وتميل نتائجنا الشخصية إلى إثبات أن قواعد البيانات هذه، إذا ما استخدمت بطريقة مناسبة، وتم تنقيحها بشكل خاص، ضمن سياقات مختلفة، يمكن أن تولد نتائج جيدة ومدهشة. والنتيجة الرئيسية، على أية حال، هي أن اللغة الإنجليزية في الغالب أكثر بساطة من ناحية التعبير.
معظم المصطلحات العربية المتعددة المعاني عرضة لصعوبات خطيرة و درجات مختلفة من الخداع في مجال الترجمة الانجليزية – العربية. فهناك، على سبيل المثال، مترجمون يقومون بشكل صحيح بترجمة الكلمات الإنجليزية التي لا تعتبر مصطلحات متخصصة حقا، على الأقل بقدر ما يتعلق الأمر بها، والتي تحدث بشكل واضح في سياقات تقنية متخصصة، بمصطلحات يكون تكوينها أو سماتها له مسحة تقنية (في بعض الأحيان، غير عملي)، على أساس مقاطع مُتعلمة، والجمع بين الأشكال.
الخلاصة
ولذلك، يمكن استخلاص استنتاج مبدئي، مبني على هذه الحالة، بأن اللغة الإنجليزية (أو على الأقل يبدو أنها) لغة غير منطقية، وبرجماتية، وتستفيد من تراكيب أبسط، وأكثر شفافية وانشائية، وأكثر قابلية للتحليل، بدلا من التراكيب العلمية الأطول، الصعبة، الغير اشتقاقية. من ناحية أخرى، إذا كانت الكتابة الأكاديمية في العربية تميل إلى استخدام التعبيرات والألفاظ الجديدة أكثر بكثير من نظيرتها الإنجليزية، فإن هذه الأخيرة تكون في كثير من الأحيان أكثر استخداما للتعبيرات والألفاظ المبتكرة الجديدة فيما يتعلق ببعض المصطلحات المتخصصة أو التقنية وتراكيب العبارات الجاهزة.