تخطى إلى المحتوى

أخذ العينات: قضية شائكة في العلوم الاجتماعية

تخيل للحظة أنك عالم سياسي مبتدئ تجمع بيانات عن مواقف الليبيين تجاه ما بعد يوم 17 فبراير. وقررت كباحث أن تجري مقابلات

شخصية مع أول 100 شخص عشوائيا في ميدان الشهداء  (الساحة الخضراء سابقا) يوم الجمعة. وكنت محظوظا بعد تلك الظهيرة، حيث كان الكثيرين سعداء بالإجابة عن أسئلتك. وإن انتبهت ولو قليلا للاحظت أن أعلام الاستقلال المُخططة بأهلتها ونجومها البيضاء ترفرف خفاقة، ولأدركت أن الصادق الغرياني يخاطب زحمة ولم تكن لتندهش ذلك المساء أن 99% من عينتك كانوا راضيين عن الوضع الحالي لليبيين ومؤيدين لما حدث ويسمونه ثورة. إن تقرير ما تُشكله عينة تمثيلية قد يسبب صداعا أليما للباحثين. على الرغم من أن المثال الذي ذكرناه أعلاه قد يكون متطرفا نوعا ما إلا أنه من السهل على علماء اللغة التطبيقيين التقليل من مخاطر استخدام استراتيجيات معاينة أقل من التامة.

المعيار الذهبي هو المعاينة الاحتمالية التي تهدف إلى تكوين عينة تمثيلية لمجتمع الدراسة الكلي.     يعتمد هذا على المعاينة العشوائية التي يتم فيها اختيار كل عنصر من العينة بحيث يكون لديه احتمال مساوي مع الآخرين لضمه في العينة (Ness Evans & Rooney, 2013: 126). وطبعا نادرا ما يحدث هذا في علم اللغة التطبيقي، ولكنه مع ذلك لا يشكل مشكلة، لأن علماء اللغة التطبيقيين، نموذجيا يفحصون نظريات ولا يعممون لمجتمعات الدراسة ككل (Rooney, 2013: 127). وعلى الرغم من ذلك، فإن التعيين العشوائي للأفراد في المجموعات يعتبر مهم جدا لأنه يُشكّل فرضية في إجراءات إحصائية عديدة (Rooney, 2013: 127).
السبب في عدم استخدام علما اللغة التطبيقيين العينات العشوائية هو أنهم لا يستطيعون تحملها بسبب تكلفتها العالية. فعلى سبيل المثال ناتسن للبحوث الاجتماعية (NatCen Social Research) في لندن، تستخدم لوحة عشوائية هاتفية وعلى الانترنت (http://www.bsa.natcen.ac.uk/)) تغطي المملكة المتحدة مبنية على عينة تمثيلية للاتجاهات الاجتماعية البريطانية. تكلفة استخدام تلك اللوحة (تضم 2446 شخص فوق سن 18) تفوق الألف جنيه استرليني لكل سؤال. وهي مكلفة لأن خلق عينة تمثيلية حقيقية من سكان المملكة المتحدة، استنادا على ملف عناوين الرموز البريدية، عملية معقدة جدا وتستغرق وقتا طويلا. وعلاوة على ذلك، يجب الاتصال بأعضاء اللوحة بالهاتف لأن البعض منهم قد لا تكون لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت. أما الطريقة الأخرى للقيام بأخذ عينات عشوائية فهي من خلال الاتصال بأرقام عشوائية (Random Digit Dialling)، وهي عملية مكلفة جدا لأنه يجب القيام بالعديد من المكالمات للحصول على أحد أرقام السكان التي تعمل[1]. كما إنه يجب زيادة حجم العينة وفقا للمجموعة المستهدفة حتى يمكن إجراء التحليل الإحصائي. على سبيل المثال، إذا كان الباحث يعرف (أو يقدّر) أن المجموعة المستهدفة هي حوالي 5 في المائة من سكان المملكة المتحدة، فإنه من أجل العثور عليهم في عينة عشوائية، يجب الاتصال بأعداد كبيرة من الناس (سيسفرالاتصال بمئة  شخص عن 5 مشاركين فقط؛ والاتصال بألف سوف يسفر عن 50 وهلم جرا). أحد الطرق لتقليص تكلفة أخذ العينات العشوائية هي من خلال وزن مجموعة البيانات، ولكن هذا مفيد هامشيا فقط، حيث أنه من الصعب في بعض الأحيان حتى حساب الأوزان.
وعلاوة على ذلك، فإن استطلاعات الرأي في المملكة المتحدة خلال الانتخابات الوطنية لعام 2015 التي كانت قائمة (من الناحية النظرية) على أخذ العينات العشوائية الطبقية (أي الجمع بين التصنيف والعشوائية، حيث أخذت عينات عشوائية لمجموعات معينة من السكان) أخطأت في نتيجة الانتخابات المتوقعة بشكل مذهل. ووجدت دراسة أن استطلاعات الرأي أدت إلى نتيجة خاطئة للانتخابات العامة بسبب عينات استطلاع غير تمثيلية[2].
أما أخذ العينات غير الاحتمالية فهو أكثر شيوعا في مجال علم اللغة التطبيقي، وسميت كذلك لأنه “من المستحيل تحديد احتمال اختيار أي فرد واحد” (Ness Evans & Rooney, 2013: 131). إن أخذ العينات غير الاحتمالية سهل الاستخدام، وأقل تكلفة بسبب عدم بذل أي جهد لضمان أن تعكس العينة الخصائص العامة لمجتمع الدراسة. وكما يوضح دورنيي، ھناك “استراتيجيات تحاول تحقيق مفاضلة، أي أخذ عينة تمثيلية معقولة باستخدام الموارد التي تكون ضمن وسائل الباحث العادي” (Dörnyei, 2007: 97).
هناك أنواع مختلفة من العينات غير الاحتمالية: أخذ عينات الحصص (Quota sampling) التي يكون هدفها اختيار مشاركين بخصائص معينة إلى أن يتم الوصول إلى الأعداد الكافية. فعلى سبيل المثال، سيتم استخدام هذا النوع من أخذ العينات في دراسة حول آثر نوع الجنس (ذكر أو أنثى) على اكتساب اللغة الثانية، حيث سيستلزم البحث عدد متساو من متعلمي اللغة من الذكور والإناث. الإجراء الثاني هو أخذ عينات الإحالة (Referral sampling)، التي تسمى أيضا بأخذ عينات كرة الثلج (Snowball sampling) لأن المشاركين هم من يجندون أصدقائهم، الذين بدورهم سينشرون الدعوة للمشاركة لأصدقائهم، وهلم جرا (Ness Evans & Rooney, 2013).
ويحتاج الباحثون إلى توخي الحذر الشديد “عند تعميم النتائج على المجتمعات التي قد تختلف عن مجتمع الدراسة المأخوذة منه العينة” (Ness Evans & Rooney (2013, p. 132). وعادة ما يستخدم علماء اللغة التطبيقيون أخذ العينات الملائمة (Convenience sampling) لأنهم يجمعون البيانات عادة من تلامذتهم الذين يمثلون مجموعة من المشاركين “الأسرى”، حيث يُجبر الطلاب على المشاركة للحصول على رصيد جزئي في مادة دراسية أو يكسبون القليل من المال. يمكن الوصول للطلاب بسهولة، وهم يتمتعون بالذكاء، وعلى استعداد، ومن ذوي الخبرة في ملء الاستبيانات والإجابة على الأسئلة، كما أنهم غير مكلفين ماليا. وتعتبر مثل هذه العينة جيدة، طالما يدرك الباحث أن النتائج لا يمكن تعميمها بشكل تلقائي على مجتمع الدراسة ككل (حتى الطلاب). إن عينة من الطلاب (يفضل أن يكونوا من مؤسسات مختلفة) تعتبر جيدة بالنسبة للبحوث المتعلقة بآراء الطلاب، ولكنها لن تكون كافية للبحث على نطاق أوسع، على سبيل المثال، حول آراء السكان الليبيين عما حدث بعد 17 فبراير.
إن تحيز الاختيار الذاتي أمر لا مفر منه في مجال علم اللغة التطبيقي. وبما أننا كعلماء لغة تطبيقيين لا نستطيع إرغام الناس على المشاركة (وحتى إن استطعنا، فقد تكون البيانات ذات نوعية رديئة)، فإن أولئك فقط الذين يهتمون بموضوع الدراسة ولديهم آراء حوله سيكونون على استعداد لقضاء بعض الوقت في ملء استبيان يتعلق بموضوع الدراسة على الانترنت، أو إجراء مقابلة معهم حوله. التحيز لا يقوض البحث ولكنه يتطلب من الباحثين أن يكونوا حذرين جدا عند تفسير النتائج. فعلى سبيل المثال، قام ديوايل وماكنتاير (Dewaele and MacIntyre, 2014, 2016)  باستخدام استبيان على الانترنت لجمع البيانات عن المشاعر الإيجابية والسلبية في الفصل من 1746 متعلم للغات الأجنبية من جميع أنحاء العالم. وكما هو الحال في الأبحاث عن اللغة والعاطفة، فقد كان لديهم نسبة كبيرة من الإناث المشاركات (74٪)، ومن المشاركين الجامعيين (88٪)، وكان متوسط ​​العمر 24 عاما. لقد كان متوسط ​​درجات الاستمتاع باللغة الأجنبية أعلى بكثير من متوسط درجات القلق في الفصل. وأدركا بعد ذلك أنه لا يمكنهم الاستنتاج أن متعلمين اللغة الأجنبية عموما يقرون بالاستمتاع في فصول اللغة أكثر من قلقهم فيها. ربما قد تكون العينة كبيرة جدا في البحوث اللغوية التطبيقية، ولكن قد يكون من المحتمل جدا أن المتعلمين الذين يحبون تعلم اللغات الأجنبية كثيرا هم الذين سيقومون بملء الاستبيان. أما أولئك الذين لا يحبون فصول اللغات الأجنبية فقد كانوا الأقل احتمالا أن يشاركوا. ومن ثم، فإن المشاركين في عينتهم قد كانوا من متعلمين اللغات الأجنبية المتحفزين. وختاما، من الجيد العمل مع العينات غير العشوائية ما دامت التوضيحات اللازمة متضمنة في قابلية تعميم النتائج.

المراجع

Dewaele, J.-M., & MacIntyre, P. (2014) The two faces of Janus? Anxiety and enjoyment in the foreign language classroom. Studies in Second Language Learning and Teaching, 4, 237-274.
Dewaele, J.-M., & MacIntyre, P. (2016) Foreign language enjoyment and foreign language classroom anxiety. The right and left feet of FL learning? In P. MacIntyre, T. Gregersen & S. Mercer (Eds.), Positive psychology in SLA(pp. 215-236). Bristol: Multilingual Matters.
Dörnyei, Z. (2007) Research methods in applied linguistics. Oxford: Oxford University Press.
Ness Evans, A., & Rooney, B. J. (2013) Methods in psychological research. New York: Sage Publications (3rd ed.).
nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
نظرا للظروف الاقتصادية والسياسية، واستبدادية حكم القذافي الذي حارب الحركات…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة