كشف الترجمة الدبلوماسية
يظهر عالم الترجمة عموما لنا في واحدة من ثلاثة جوانب: أكاديمي، حيث يلعب فيه التدريس دورا محوريا؛ البحوث، وهذا النوع من
الملاذ الذي نصبو إليه جميعا، والذي نتلاعب به جميعا حسب قدراتنا، حتى نتمكن من ثم مشاركة النتائج التي توصلنا إليها أو التفاخر بأفكارنا في المؤتمرات أو من خلال الأوراق البحثية الكثيفة. وأخيرا، هناك الترجمة المهنية، الركيزة الأولي والأساسية (بالمعنى الواسع للكلمة)، ولكن أيضا، للأسف وبشكل مخجل، مجهولة كثيرا ، ومشكك فيها باستمرار من قبل جميع أولئك الذين يستمرون في تجاهلها من أبراجهم العاجية النظرية.
هناك العديد من المجالات في الترجمة، أي ما يعادل تقريبا المغامرين في هذا المجال النبيل والمتحدي. الترجمة الاقتصادية ليست مربحة جدا، والترجمة القانونية تكون أحيانا منحازة جدا؛ والترجمة العلمية التي غالبا ما لا يدرك فهمنا كيميائيتها؛ والترجمة التقنية التي تجعلنا نكره عمل السيارة الكلي أو الانعكاس على شاشة الكمبيوتر. وهذه الأخيرة هي على الارجح المعروفة أكثر، حيث تمثل نحو 90٪ من حجم أعمال الترجمة في جميع أنحاء العالم. ومن الواضح أن الذي نفكر به هنا هو ترجمة البرامج أو تعريبها (كتيبات وبرامج).
وبصرف النظر عن هذه هناك أخريات، وربما بنفس القدر من الأهمية، وللأسف غير معروفة أيضا، مثل الترجمة في الهيئات والوكالات الدولية؛ ترجمة الإعلان وترجمة المجتمع (ليس لها علاقة بالاتحاد الأوروبي ، وإنما بالخدمات المقدمة للمجتمع؛ وهذا النوع من الترجمة لا يعرف عنه سوى القليل جدا في جميع أنحاء أوروبا، ولكن في بلدان مثل أستراليا أو كندا فهو يؤدي وظيفة اجتماعية هامة جدا). ومن المؤكد أن تصبح الترجمة السمعية البصرية الأكثر ازدهارا في السنوات القليلة المقبلة، ولكنها أيضا الترجمة التي توجد بها الأخطاء الأكثر بشاعة (سواء عن قصد أم لا). والترجمة الدبلوماسية التي لم يسمع بها إلا عدد قليل جدا.
الهدف من هذا الفصل هو إعطاء لمحة موجزة عن العالم المعقد، والخطير، والمقصور على فئة معينة، والغير معروف للترجمة الدبلوماسية.
تتم الترجمة الدبلوماسية في البعثات الدبلوماسية والسفارات أو القنصليات. يمكن ربط جوانب معينة لهذا النوع من الترجمة بتلك التي تنفذ داخل الهيئات الدولية، من حيث نوع النصوص المترجمة والأعراف القائمة. ومع ذلك، فإن للترجمة الدبلوماسية خصائص وقواعد خاصة بها. كما أن الهالة الرومانسية الفخمة لمؤامرات القرن التاسع عشر التي يقع فيها عبء العلاقات الخارجية الكامل على السفراء وجيش من المترجمين التحريريين و الفوريين قد تم نسيانها وأصبحت من الماضي. لقد كان يطلق على المترجمين العاملين في السفارات أو البعثات الدبلوماسية اسم تُرجمان (أو Dragoman)، وخاصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد يتمتعون في تلك الأيام بدرجة معينة من الحماية. لقد تطور هذا المصطلح لاحقا، وأصبح يشمل أيضا الموظفين القنصليين، وذلك ربما بسبب حاجتهم إلى إتقان لغة البلد المضيف.
أولا، العالم الدبلوماسي عالم مغلق جدا، ويتعذر على الغرباء الوصول، وللمفارقة فهو ليس دبلوماسيا كثيرا في العديد من المناسبات. ليس كل السفارات لها، كما سيفكر المرء منطقيا، خدمات ترجمة تحريرية وشفهية. على العكس من ذلك، عدد قليل جدا من البعثات الدبلوماسية تدرك أهمية أن يكون لديها مترجمين تحريريين وفوريين محترفين بين موظفيها. وفي هذا الصدد، يمكننا أن نذكر أن من بين كل السفارات الناطقة باللغة الإنجليزية المعتمدين لدى ليبيا، فقط أستراليا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة لديهم مترجم واحد على الأقل. ومن المثير للدهشة أن السفارات الكبرى مثل السفارة الكندية، كون كندا دولة ثنائية اللغة رسميا، تترك كل مهام الترجمة التحريرية والشفهية لبعض موظفيها الإداريين. أما البعثات الصغيرة، فلا تفكر حتى في هذا الاحتمال. ومع ذلك، هناك لبعثات الدبلوماسية الأخرى التي، على الرغم من أن اللغة الإنجليزية ليست اللغة الرئيسية لبلادهم، تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة عملهم. هذا هو الحال في دول مثل تايلاند والفلبين وباكستان أو الهند (حيث يبدو أن الدبلوماسيين أنفسهم هم من يقومون بمهام الترجمة، بعد فترة من الانغماس اللغوي).
بعض السفارات، الأكبر والأكثر تمثيلا منها، لديها فريق من المترجمين التحريريين والفوريين المحترفين، حيث يقومون بتنويع مهامهم ويظهرون درجة كبيرة من الكفاءة المهنية والتخصص. وفي هذا الصدد، يمكننا أن نشير إلى حالة السفارة البريطانية، حيث يوجد فريق من المترجمين التحريريين والمترجمين الفوريين، برئاسة مترجم أعلى متخصص في الصحافة وأمور السفارة، بالإضافة إلى مترجمين إضافيين متخصصين في الشؤون العسكرية والدفاع. أما بالنسبة للقنصليات والمكاتب القنصلية، فإلى حد علمنا، ليس لديهم مترجمين تحريريين أو مترجمين فوريين بين موظفيها.
ولكن، ما هي الترجمة الدبلوماسية بالضبط؟ وماذا تشمل؟ حسنا، الحقيقة هي، قليلا من كل شيء وأكثر قليلا. هذا بالضبط هي أحد خصائصها الأكثر جاذبية، ولكنها أيضا أحد سماتها الأكثر صعوبة. على المرء أن يكشف عن نفسه كخبير عالمي، وكمثل للمعرفة بكل حروفها السبعة، من أجل، على سبيل المثال، بدء يومه بترجمة شهادة صحية للحصول على ترخيص لتصدير التمور، تليها ترجمة عكسية لمقال رأي مكثف وموجز حول الاقتصاد الكلي، وينهي يومه بمذكرة عن التحايل على السياسة الزراعية العامة.
التسلسل الهرمي الدبلوماسي
من المهم أن نحدد بعض المصطلحات والمفاهيم المشتركة في السياق الدبلوماسي. أولا، لا بد من القول أن العالم الدبلوماسي يحكمه تسلسل هرمي صارم جدا. من المهم معرفة المستويات المختلفة داخل الطبقات الدبلوماسية، لأن كل مستوى يتعامل مع جوانب مختلفة، وله نهج مختلف:
السفير ((The Ambassador: كما يسمى رئيس البعثة، ويحتل أعلى مستوى داخل السلك الدبلوماسي، وهو رئيس البعثة الدبلوماسية أو السفارة. وهناك أنواع مختلفة من السفراء: سفير “المهنة”، السفير المعين سياسيا، السفير الخاص، السفير فوق العادة، والممثل الدائم. في الدبلوماسية الفاتيكانية، يسمى السفير بالسفير البابوي (Nuncio). وفي البلدان ذات التقليد الكاثوليكي، يعتبر السفير البابوي عادة، لأسباب المجاملة، “عميد السلك الدبلوماسي”. تقع السفارات في عاصمة البلد المضيف. يمكن أن يكون لدى سفارة ما أيضا “دول معتمدة”، أي أنه قد تكون سفارة معينة في بلد معين مسؤولة أيضا عن العديد من البلدان المحيطة بها التي تم اعتمادها لها.
المستشار (Counsellor): الثاني في قيادة البعثة الدبلوماسية، ويعتبر الممثل والبديل عن السفير في حالة غيابه. وفي الدبلوماسية الفاتيكانية تسمى هذه الشخصية بالمراجع (Auditor). عندما يكون هو السفير الممثل في غياب السفير، فإنه يوقع الوثائق الرسمية كقائم بالأعمال بالنيابة (مؤقتا).
الأمين (Secretary): الفئة التي تلي المستشار، ويمكن أن يكون هناك عدة فئات فرعية: الأمين الأول والثاني والثالث. ويعتبر الأمين أو السكرتير فوق الملحق مباشرة. ومع ذلك، يمكن في بعض الحالات الجمع بين الألقاب، حيث يمكن أن يكون السكرتير الأول قنصلا في نفس الوقت، أو يمكن أن يكون السكرتير الثالث ملحقا ثقافيا أيضا.
القنصل (Consul): ويلي الأمين في التسلسل الهرمي، وتتضمن مهامه الدبلوماسية والإدارية الشؤون القنصلية في الأساس (رعاية رعايا البلد في الخارج، والتعامل مع جوازات السفر والتأشيرات وشهادات عدم الإعاقة، وما إلى ذلك). ويمكن ان يكون دبلوماسي مهني أو قنصل فخري (يتم تعيينه لمزاياه الشخصية أو سيرته، وهو لا تحتاج إلى أن يكون من رعايا البلد الذي يمثلها). في بعض البعثات الدبلوماسية الناطقة باللغة الإنجليزية، يسمى القنصل أيضا، بسبب الوظائف التي يؤديها، بالمدير الإداري للمكاتب، الموظف الاداري الأعلى، المستشار، أو نائب القنصل. يمكن أن تكون المكاتب القنصلية موجودة داخل السفارة أو في موقع آخر في نفس المدينة. كل دولة لها معايير مختلفة لإنشاء القنصليات والمكاتب القنصلية أو القنصليات الفخرية في بلدات أخرى، وذلك وفقا لمصالحها الخاصة.
الملحق ( Attaché): ويمكن لموظفي الخدمة المدنية الدبلوماسيين أو من فئة أدنى، أن يكونوا مسؤولين عن مجال خاص كالمجال العسكري، المجال السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي، وربما المعروف أكثر منها هو الملحق العسكري، والثقافي، و التجاري. كما تضع بعض البلدان أيضا ملحقين في بعثاتها الدبلوماسية وسفاراتها ولكنها لا ترغب في الافصاح عن واجباتهم الحقيقية. كما هو الحال بالنسبة للقناصل، فيمكن أيضا أن يكون هناك ملحقين فخريين.
وبصرف النظر عن موظفي السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى البعثات الدبلوماسية، هناك أيضا الموظفين المحليين، الذي يتألفون أساسا من مواطني البلد الذي تقع فيه البعثة الدبلوماسية أو السفارة. إن الموظفين المحليين ليسوا موظفي خدمة مدنية، وبالتالي لا يتمتعون بامتيازات الدبلوماسيين. ومع ذلك، فإن العديد من الموظفين المحليين يؤدون الوظائف والمهام التي تتوافق مع الموظفين الدبلوماسيين من الفئات الأعلى. ويعرف الموظفين المحليين بالموظفين المعينين محليا (أو Locally Engaged Staffor).
الصيغ والوثائق الدبلوماسية
هناك مجموعتان رئيسيتان من الوثائق في نطاق الترجمة الدبلوماسية (على الرغم من أنها ليست الوحيدة):
· الوثائق الدبلوماسية (chancery documents)
· الوثائق القنصلية (consular documents)
تتكون المجموعة الأولى من النصوص أو الوثائق التي تهدف إلى أن تكون وسيلة للتواصل الدبلوماسي بين البعثة الدبلوماسية المعنية ووزارة الشؤون الخارجية وبالعكس. النوع الأكثر شيوعا منها هو مذكرة المفرد الغائب (Third Person Note)، والتي تُستخدم للإبلاغ أو تقديم المشورة حول قضية معينة، للحصول على دعم الحكومة للهيئة أو هيئة دولية (على سبيل المثال، في حالات الترشيحات)، إلى لتوصيل إنهاء أو بدء مهام شخص كدبلوماسي، وما إلى ذلك. تُسلم مذكرة المفرد الغائب بواسطة دبلوماسي أو من خلال القنوات الرسمية الأخرى، وتتم كتابتها بصيغة المفرد الغائب (ومن هنا جاء اسمها)، ودائما تتبع نفس الهيكل، فيما يتعلق بالتقديم والتحية مثل:
“The … Embassy presents its compliments to the Ministry of Foreign Affairs and has the honour to advise / inform / request, etc. …”.
“تُقدم السفارة … تحياتها إلى وزارة الشؤون الخارجية وتتشرف بتقديم المشورة / إعلام / الطلب، الخ …”.
“The … Embassy avails itself of this opportunity to renew to the Ministry of Foreign Affairs the assurances of its highest consideration“.
” تنتهز السفارة … هذه الفرصة لتعرب لوزارة الشؤون الخارجية عن فائق احترامها”.
يوقع رئيس البعثة أو السفير المذكرة، واسم المرسل إليه، أي أنه يتم وضع وزارة الشؤون الخارجية أسفل الوثيقة، جنبا إلى جنب مع التاريخ.
الخطاب أو الرسالة هي نوع آخر من الوثيقة. وعلى عكس مذكرة المفرد الغائب، تُكتب الرسالة بصيغ المتكلم ويتم التوقيع عليها عادة من قبل رئيس البعثة. يعتبر هذا وسيلة أكثر مباشرة وشخصية للاتصالات الدبلوماسية، وعادة ما تكون موجهة إلى الوزير. وفيما يتعلق بالرسائل أو الخطابات نجد مصطلح تبادل الرسائل (Exchange of Letters)، للإشارة إلى تبادل معين من المعلومات بشأن قضية معينة.
ربما أحد أقل أنواع الوثائق المعروفة هو اللا ورقة (Non-Paper)، وهي وثيقة تنشأ عن هيئة رسمية (سفارة، وزارة، مديرية عامة، وما إلى ذلك)، وليس لديها، عن قصد، أي طابع رسمي، وبالتالي فهي لا تلزم الجهة التي أصدرت مثل هذه الوثيقة. طبيعتها معلّمة باستخدام الورق العادي، أي بدون ترويسة أو على ورق رسمي، والذي يستخدم في كل من مذكرة المفرد الغائب والرسائل. وغالبا ما تُعزز فكرة عدم الرسمية بعبارة “لا ورقة” في الجزء العلوي من الوثيقة.
لدى تولي السفير أو رئيس البعثة منصبه يسلم وثائق تفويضه إلى رئيس دولة البلد المضيف. وقبل عرض وثائق تفويضه، يجب أن يكون الدبلوماسي قد تلقى سابقا الموافقة من الحكومة المضيفة، التي تنص على أنه لا يوجد أي عائق لتوليه انتدابه في البلد المضيف.
ومن الواضح أن هناك استخدام واسع النطاق للمصطلحات الفرنسية في هذا النوع من الترجمة. وهذا ليس من قبيل الصدفة، حيث أن اللغة الفرنسية كانت لسنوات عديدة (ولا تزال) اللغة الدبلوماسية بامتياز.
على غرار مذكرة المفرد الغائب، وإن كان لها سماتها وشكلها الخاص، توجد المذكرة (Memorandum or Aide-mémoire). هذه الوثيقة تقدمها السفارة أو البعثة الدبلوماسية الى الوزارة (عادة وزارة الشؤون الخارجية)، وتشرح وضع مسألة معينة، بما في ذلك موقف أو وجهة نظر البلد التي تصدرها فيما يتعلق بقضية محددة، وتقدم فيها اقتراحات معينة. تُكتب هذه الوثيقة بطريقة غير شخصية، باستثناء أية صيغ مجاملة على عكس مذكرات المفرد الغائب. ولا يتم عادة استخدام الترويسات فيها.
المذكرة هي بلا شك واحدة من العديد من الوثائق التي يتعامل معها المترجمين في البعثات الدبلوماسية، وخاصة في المسائل المتعلقة بقضايا مثل الاقتصاد الدولي والتجارة، والزراعة، والقضايا ذات الاهتمام الدولي (حقوق الإنسان، حقوق العمال، والبيئة، وما إلى ذلك). يجب أن تتم ترجمة هذه الوثائق بدقة وحذر، نظرا لتعقيدات المسائل المطروحة. ويولى نفس الاهتمام للرسائل ومذكرات المفرد الغائب، التي تتطلب أعلى درجة من الدقة، لأن أي خطأ أو سوء فهم للمعنى الأصلي يمكن أن يضر بالدبلوماسية ويؤدي إلى صراع دبلوماسي.
تشكل الوثائق المتعلقة بالقضايا القنصلية قدرا كبيرا من الجزء الأكبر من أعمال الترجمة في السفارات. يعتبر هذا الحقل متنوعا للغاية، على الرغم من ارتباطه ارتباطا وثيقا بمجالات الترجمة القانونية والمعتمدة. وبالتالي، يجد المترجمين أنفسهم في مواجهة شهادات الميلاد والزواج والوفاة وشهادات عدم الإعاقة، وأحكام الطلاق، ونقل الملكية، وما إلى ذلك، جنبا إلى جنب مع غيرها من الوثائق التي تتعلق أساسا بالتأشيرات وجوازات السفر، وتقارير الطب الشرعي للوفيات، وتقديم المساعدة للمواطنين الموقوفين، الخ.
أما الجانب الأكاديمي، الآن، فليس على درجة عالية من التطور في عالم الترجمة الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن السفارات والبعثات الدبلوماسية تعمل كوسيط قيم في إنشاء وتحديث أنواع مختلفة من التبادل الأكاديمي فإن موظفي الترجمة في هذه الهيئات الرسمية لا يقومون عادة بترجمة الدرجات العلمية أو الشهادات لأغراض الاعتراف بها أو التحقق من صحتها.
السرية
دائما ما يكون الأمن والسرية حاسما في الترجمة المهنية، وبخاصة فيما يتعلق بالعميل. الترجمة الدبلوماسية ليست مستثنية من هذا. وعلاوة على ذلك، ربما تكون السرية مهمة أكثر من ذلك بكثير ومسلم بها في هذا المجال أكثر مما هي عليه في أي ميدان آخر من ميادين الترجمة، لأنها تنطوي على أمن دولة أو دول عدة. نحن لا نقول هنا أن على المترجم أن يصبح إنسان خارق، فذلك يحدث في الأفلام فقط. معظم المسائل والقضايا السرية اليوم، لها علاقة بالأمور “السرية للغاية”، كالزراعة. غريب، أليس كذلك؟ على أي حال، هناك عدة درجات سرية للوثائق الدبلوماسية في اللغة الإنجليزية نذكر منها:
· مفتوحة (Unclassified): وهي متاحة لأي شخص.
· مصنفة (Classified).
· لا يجوز الافصاح عنها (In confidence).
· خصوصية (Confidential).
· سرية (Secret).
· سري للغاية (Top Secret): نادرا ما يكون لدى المترجم حق الوصول إلى هذه الوثائق.
ومن الجدير بالذكر، فيما يتعلق بالسرية، هي مسألة عدم التوافق المهني. هل يمكن لمترجم في سفارة الانخراط في وظائف أخرى ذات صلة بالترجمة؟ من حيث المبدأ، فإن الجواب هو نعم، شريطة أن تكون طبيعة العمل وتطويره لا تحتمل التضارب في المصالح. وعلى أي حال، من المستحسن جدا الحصول على موافقة والتوضيح بأنها لن تتداخل مع المهام الدبلوماسية بأي شكل من الأشكال.
الوظائف والمسؤوليات
نادرا ما يتعامل المترجم الدبلوماسي حصريا مع المسائل المتعلقة بالترجمة فقط. يخضع المترجمين الدبلوماسيين لعمليات اختيار صعبة للغاية، مشابهة لتلك المطبّقة في المنظمات الدولية. العمل متنوع ومتعدد التخصصات، وهو، من حيث المبدأ، يثلج الصدر ويولد ثروة من المعرفة والخبرة. ومع ذلك، فإن عبء العمل الهائل ومستوى الخبرة المطلوب ليس معروفا في معظم الحالات.
ويمكن تحديد واجبات المترجم الدبلوماسي الأساسية على النحو التالي:
أ. الترجمة: معظم العمل متعلق بالترجمة، بما في ذلك مجموعة واسعة من الوثائق، كما رأينا في أعلاه. ويمكن القول أن المترجم يترجم قليلا (أو كثيرا) من كل شيء، حتى أغرب القضايا، وكلها يتم بوتيرة “كان لا بد من القيام به بالأمس”.
ب. الترجمة الفورية: وهي كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى للحياة، مهارة يندر الاعتراف بها (إن لم نقل مطلقا) في العالم الدبلوماسي، لدرجة أنه يمكننا القول أنه في العديد من أماكن العمل يمكننا في كثير من الأحيان سماع: “أممممم، انت تعرف الانجليزية قليلا، أليس كذلك؟ أحتاج إليك للقيام ببعض الترجمة الفورية لي مع المدير العام …”. عمل الترجمة الفورية هو أقل تواترا من الترجمة المكتوبة، على الرغم من أنه يتم التعامل مع جميع أنواع الترجمة الفورية تقريبا أثناء المناقشات الدبلوماسية، بما في ذلك، وقبل كل شيء، ترجمة الهمس. نحن ندرك قصة المترجم الدبلوماسي، مع القليل جدا من التدريب كمترجم فوري وبالكاد لديه أي “خبرة حقيقية”، الذي تم استدعائه يوما لتنفيذ ترجمة فورية ثنائية وغير رسمية و واضحة لمدة 15 دقيقة، وذلك فقط لتعارف كلا المحاورين ببعضهما”. ثم تحول الترجمة الثنائية من مدة 15 دقيقة إلى 5 ساعات من الترجمة الفورية للهمس بلغة ليست لغة المترجم الأم، حول النواحي التقنية للصحة البيطرية. لا تعليق.
ج. المعلومات والتوثيق: مكملة للترجمة. هذا مما لا شك فيه تحدي يسر للمترجمين الذين يجب عليهم أحيانا الغوص في البيروقراطية الإدارية، أو التعرجات الوزارية، لكي يجدوا المعلومات أو الشخص المناسب. لحسن الحظ، أن المترجمين هذه الأيام لديهم إمكانية الوصول إلى مصادر جيدة من الوثائق والمعلومات (قوائم المراجع والقواميس والإنترنت ومصادر المعلومات المباشرة التي يمكن الوصول إليها في العاصمة بسهولة، وما إلى ذلك). ومع ذلك، فإنه ليس من السهل دائما العثور على معلومات محددة ودقيقة حول موضوع معين، نظرا للطبيعة السرية للكثير من الأمور.
د. وظائف استشارية وبحثية : في كثير من الحالات، يكون من المطلوب من المترجم في البعثة الدبلوماسية كتابة التقارير الاقتصادية والسياسية (أو غيرها) عن البلد المضيف. وفي بعض الأحيان يتم تجاهل الحدود ويطلب من المترجم درجة مفرطة من المسؤولية أو المؤهلات (كما في حالة الترجمة الفورية) التي تتجاوز قدرات المترجم أو تدريبه.
ه. الجانب المثير جدا للاهتمام في الترجمة الدبلوماسية هو إمكانية العمل كجزء من فريق. دعونا نأخذ اللغة الإسبانية، على سبيل المثال. يمكن لمترجم الاسبانية في سفارة ما في اسبانيا أن يشارك حجم العمل، في بعض الحالات، مع نظرائه في سفارات أخرى من نفس البلد الواقعة في بلدان أمريكا اللاتينية. بهذه الطريقة يمكن لفريق كامل من المترجمين خفض عبء العمل، وبإمكانهم جميعهم مشاركة وثيقة معينة تتّبع مجموعة من المعايير المحددة سابقا، من أجل تحقيق درجة أكبر من التوحيد اللغوي. وبالتالي، ينبغي أن يكون واضحا أنه من المستحسن تحديد أعراف واستخدامات معينة للغة (الإسبانية في هذه الحالة) تكون محايدة قدر الإمكان، لكي يتم تجنب سوء الفهم اللغوي بسبب الخلافات الإقليمية.
الوضع المهني
لقد رأينا أن الترجمة الدبلوماسية المهنية ليست معروفة جدا. المترجمين الدبلوماسي ليسوا كما يُعتقد شعبيا أنها محظوظة، بمعنى أن المترجم يجني مبالغ كبيرة من المال، ولا يفعل شيئا سوى حضور مراسم الاستقبال. هذا غير صحيح، لأن ذلك عبارة عن صورة نمطية لبعض الأفلام بأسلوب القرن التاسع عشر. يجب أن يكون لدى المترجمين الدبلوماسي ثروة هائلة من المعرفة وعلى دراية واسعة بالشؤون الدولية، وخاصة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبلدانهم (أي البلد المضيف وبلد السفارة التي يعملون فيها). وبهذه الطريقة يمكن تحقيق درجة معينة من الدقة والكفاءة المهنية. العمل متنوع (وهذا الأمر دائما موضع ترحيب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار رتابة ترجمة البرامج، على سبيل المثال)، وينطوي على درجة عالية من الصعوبة والمسؤولية في كثير من الحالات.
من ناحية أخرى، فإن المهنة غير معروفة دائما، وخاصة بالنظر إلى مستوى الدقة المطلوبة للمهام المتنوعة، والمسؤولية التي تحق بها. كما هو الحال في العديد من مجالات الترجمة في العديد من الحالات المختلفة الأخرى، فإن الفراغ القانوني القائم وعدم وجود الجمعيات المهنية الكافية لرعاية مصالح هذه الفئة من المهنيين لا تساعد في هذا الوضع.
ومع ذلك، فإن العمل كمترجم دبلوماسي يوفر فرصة فريدة لتعلم العديد من المواضيع المختلفة التي لا يمكن فهمها في أي مكان آخر، والتي، على حد علمنا، لا يتم تدريسها في أي مدرسة للترجمة في أي مكان في العالم.