
لقد أصبح منظر حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنيتسوف وهي تبحر عبر البحر الأبيض المتوسط في طريقها إلى الشاطئ السوري أحد رموز دعم موسكو العسكري للنظام السوري. وعندما انجزت حاملة الطائرات مهمتها في سوريا في يناير من هذا العام وأطلقت نداء مفاجئا في شرق ليبيا، اقترح المحللون على الفور أن ليبيا قد تصبح بلدا آخر نستعرض فيه موسكو قوتها العسكرية. ولكن بينما ترى روسيا فرصة لتصبح صانعة للقرار في البلاد، فإنها مترددة في الالتزام بحل الصراع عسكريا.
إن رحلة الأدميرال كوزنتسوف عبر البحر الأبيض المتوسط تدعم طموحات روسيا المتنامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتستند هذه الاستراتيجية بشكل كبير إلى إشراك الحلفاء السوفييت السابقين (الذين حافظوا على علاقات مع روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي) في المنطقة، منذ انهيار الولايات المتحدة الأمريكية،. ليبيا هي واحدة من تلك الحالات التي أدى فيها النظام الذي دعمته موسكو خلال الحرب الباردة إلى إقامة علاقات قوية بين الجيشين اللذين يساعدان روسيا على إحراز تقدم في ليبيا اليوم. ومع ذلك، فليست الطموحات الجيوسياسية البحتة التي تحفز الكرملين على الانخراط في تسوية الأزمة، ولكن أيضا الحسابات المالية البراغماتية.
فقد خسرت موسكو مليارات الدولارات الامريكية فى صفقات فاشلة فى مجال النفط ونقل الاسلحة عقب سقوط نظام القذافى. كانت ليبيا واحدة من الدول القليلة في المجموعة الروسية من مستوردي الأسلحة الذين كانوا قادرين على دفع النقود الصعبة. في عام 2008، ألغت روسيا 4،5 مليار دولار من الديون الليبية لدى الاتحاد السوفيتي مقابل توقيع عدد من صفقات الأسلحة التي تقدر في عام 2011 بين 5 مليار و 10 مليار دولار. وقد علّقت هذه الصفقات فى ظل حظر الاسلحة الذى فرضته الامم المتحدة بعد الاطاحة بنظام معمر القذافى، ولم تشهد موسكو بعد تنفيذ البلاد لهذه العقود. ومن خلال لعب دور الحكم في ليبيا، تأمل روسيا في تحقيق مكاسب سياسية ومالية على المدى الطويل في شكل عقود مربحة وولاء أي حكومة ليبية جديدة.
اللاعب الذي تعتقد روسيا أنه يمكن أن يعجل بهذه النتيجة هو المشير خليفة حفتر، وهو قائد محارب للجيش الوطني الليبي ويقع مقره الرئيسي في طبرق. وتثير خلفية حفتر العسكرية ملفه بين صناع السياسة الروس الذين تلقى معظمهم تدريبا عسكريا خلال الحرب الباردة. ويرى الكرملين أن هذا الجنرال من عهد القذافي هو محور سياسته في ليبيا، فهو لا يعتبره فقط أساسيا للحل السياسي، وإنما أيضا لأنه قوي بما فيه الكفاية لإجبار الأطراف الأخرى على إيجاد حل من هذا القبيل.
تتمتع روسيا و حفتر بزواج مريح مفيد للطرفين. يستفيد القذافي المنتظر كثيرا من الغطاء الدبلوماسي الدولي الذي يمكن أن توفره موسكو، مما ساعده على وضع نفسه كبديل قوي لحكومة طرابلس في نظر القوى الأوروبية. ومن خلال الشراكة مع حفتر، تحقق روسيا عددا من أهدافها، من توسيع نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وإشراك مصر بشكل مكثف، إلى الحصول على شريحة مساومة أخرى في علاقاتها مع نظراءها الغربيين.
تعتبر موسكو الاتفاق السياسي الليبي الموقع في ديسمبر 2015 بدعم الأمم المتحدة العقبة الرئيسية أمام المصالحة الوطنية لأنه يهمش حفتر، الرجل الذي يسيطر على أقوى قوة في ليبيا. وترى روسيا أن المصالحة الوطنية تحدث عن طريق دمج الحكومة المدعومة دوليا والجيش، ولكن بطريقة ترى أن حفتر يضطلع بدور قيادي في الحكومة المستقبلية.
ولكن مثل هذه النتيجة تتطلب من روسيا أن تلعب دور صانع القرار، وأن تجلب مختلف أصحاب المصلحة الليبيين، بمن فيهم حفتر، إلى طاولة المفاوضات. وفيما يتعلق بموسكو، فإن فشل الاتفاق السياسي الليبي في التوصل إلى اتفاق وطني قد فتح فراغا دبلوماسيا لكي تستغله، خصوصا مع انتهاء الاتفاق بحلول نهاية عام 2017.
وتحقيقا لهذه الغاية، كثفت الحكومة الروسية جهودها أيضا لبناء علاقات مع حكومة طرابلس وأصحاب المصلحة الآخرين، مثل كتائب مصراتة. وفي عام 2016، أنشأت موسكو “فريق اتصال من أجل المصالحة في ليبيا” بين الوزارات التي تضم دبلوماسيين روس سابقين في طرابلس، فضلا عن نواب روس، كلفوا باستعادة العلاقات القديمة وتطوير شبكة من الاتصالات الجديدة في ليبيا. وأدى ذلك إلى موجة من الاجتماعات بين المسؤولين الروس وحكومة السراج فضلا عن ممثلين عن الجماعات المسلحة.
وتدرك موسكو أن قلة من القوى العالمية ترى فايز السراج، رئيس الوزراء الحالي لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، كزعيم يمكنه توحيد البلاد، وترى فرصة لجعله جزءا من تصميمها السياسي لليبيا. كما تسمح هذه الاستراتيجية لروسيا بممارسة المزيد من الضغط على حفتر الجامح وجعل دعمها له مشروطا بمشاركته في المحادثات الانتقالية.
وعلى الأرجح أن روسيا تفضل أن تؤدي شخصية عسكرية قوية يمكنها توجيه مصالحها، مثل المشير حفتر، دورا هاما في أي حكومة ليبية في المستقبل. ومن أجل ذلك، فهي تحتاج إلى جلب جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وتحقيق ما فشلت القوى الغربية حتى الآن في تحقيقه، وهو الضغط على الفصائل الليبية المتنافسة للتوصل إلى حل وسط ينتج حكومة وطنية شرعية معترف بها من قبل الجميع. وستبين الهيئة ما إذا كان ذلك سينجح، ولكن يبدو أن القادة الروس يعتقدون أنهم قادرين على ذلك.