ملخص
في السنوات الأخيرة كان هناك اعتراف متزايد بأهمية استقلالية المتعلم ودور المتعلمين الأفراد في توجيه عملية تعلمهم، سواء داخل أو خارج الفصل الدراسي (Alford & Pachler, 2007; Benson, 2000; Breen, 2001; Conacher & Kelly-Holmes, 2007). ومع ذلك، ليس من الواضح عمليا دائمًا كيفية دعم المتعلمين للعب هذا الدور، وكيفية التأكد من استعدادهم للعبه. تستكشف هذه الورقة بعض جوانب التدريس المتعلقة بتطوير استقلالية المتعلم وتقترح إطارًا من المهارات التي يمكن استخدامها من قبل المعلمين كدليل لزيادة مسؤولية المتعلم. وعلى الرغم من تطوير هذا الإطار في سياق تعليم اللغة، إلا أن الأفكار الأساسية المبني عليها تنطبق على جميع الأوضاع التعليمية الأخرى.
استقلالية المتعلم في تعليم اللغة
لقد حاول مدرسو اللغات دائمًا إيجاد طرق للتوفيق بين الطبيعة الجماعية لمعظم بيئات التدريس وبين الجوانب الفردية (الحتمية) للتعلم. وقد كان تطوير استقلالية المتعلم، أو قدرة المتعلمين على التحكم في تعلمهم (Holec 1981)، أحد الطرق التي حاول بها المعلمون إقامة روابط مع المتعلمين على مستوى فردي أكثر، وربط التعلم بالفصل الدراسي واستخدام اللغة خارجه.
إن تطوير المنطق النظري والتربوي لتنفيذ مناهج تدريس تركز أكثر على المتعلم يعود إلى عقود عديدة. فبدءًا من الخمسينيات ، وبتأثير عمل جورج كيلي (أنظر Kelly, 1955) وأخرين في علم النفس، برز اعتراف متزايد بأهمية المتعلم كفرد نشط يجلب الخبرات والمعتقدات والتفضيلات السابقة إلى الفصل الدراسي. وبدلاً من رؤية المتعلم كحاوية سلبية يتم تعبئتها بأفكار المعلم، فقد اعتبرت هذه المناهج الإنسانية المتعلم شخصًا نشطًا في تشكيل خبراته التعليمية بغرض التطوير الذاتي وتحقيق الذات (Stevick 1980, Atkinson 1993).
وبالمثل ، تعطي البنائية (constructivism) منصة أكثر مركزية للمتعلم من خلال التركيز بشكل أقل على المعرفة التي سيتم نقلها، وإعطاء تركيز أكثر على عملية بناء وإعادة تنظيم ومشاركة تلك المعرفة. ويلعب المتعلم دورا رئيسيا في هذه العملية. لكي يكون المتعلمين ناجحين، يجب أن يكونوا مدركين لتعلمهم وكيفية إدارته. أثرت هذه التطورات أيضًا على تعليم اللغة من خلال تطوير طرق تدريس محددة متجذرة في هذه الأفكار، مثل الطريقة الصامتة و الطريقة الإيحائية في التعليم (Gattegno, 1963; Lozanov, 1978) وربما الأهم من ذلك، من خلال تأثير عام على تدريس اللغة للاتجاه نحو تركيز أكبر على المتعلم.
ومن الدوافع المؤثرة الأخرى ما تم إنجازه في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لتحديد خصائص “متعلم اللغة الجيد للغة” (Naiman et al., 1978)، حيث وجد أن متعلمي اللغة الناجحين يتشاركون في عدد من الخصائص، مثل (إعطاء مثالين فقط من قائمة طويلة جداً) كونهم سباقين في تعلمهم ولديهم دوافع ذاتية.
يبدو في ظاهر الأمر أن هذا يوفر لمدرسي اللغات مجموعة واضحة من الأهداف للفصل الدراسي. على سبيل المثال، إذا أمكن جعل المتعلمين أكثر استباقية (أو مبادرين أكثر)، فمن المتوقع أن يتعلموا بشكل أفضل. لكن آثار هذه الدراسات ليست واضحة تماماً من الناحية العملية، حيث تتعلق أحد المشاكل بتشغيل (أو تفعيل) المركبات مثل “المبادرة” (proactivity) و “التحفيز الذاتي” (self-motivation). هناك جدل كبير حول ما تعنيه هذه المفاهيم. وحتى لو كان هناك توافق في الآراء حولها، فإنه لا يزال من غير الواضح كيف يمكن جعل المتعلمين، على سبيل المثال ، محفزين ذاتيا؛ وسيكون تدخل المعلم، بحكم الظروف، شكلاً من أشكال التوجيه، وبالتالي لا يمكن القول إن أي دافع ناتج عن المتعلم.
هناك مشكلة أخرى، ربما أكثر أهمية، تتعلق بمسألة ما إذا كانت خصائص متعلمي اللغة الجيدين تؤدي إلى النجاح في تعلم اللغة، أو ما إذا كانت هذه الخصائص مرتبطة ببساطة بنتائج تعلم أفضل. فعلى سبيل المثال، قد يكون من الممكن أن يكون المرء متعلم لغة ناجح، حتى بدون المبادرة أو الاستباقية. ربما قد يحدث وأن يكون المتعلمون الأكثر نجاحًا، بشكل عام، مبادرين أو أكثر استباقية. بعبارة أخرى، قد لا يكون للبحوث حول متعلم اللغة الجيد قدر كبير من القوة التفسيرية.
كما تحيط مشاكل مماثلة بمفهوم استقلالية المتعلم ، التي رغم أنها كانت معروفة ومستخدمة كمركب سياسي لعدة قرون، فقد تم تطويرها كمركب تعليمي فقط في ثمانينيات القرن العشرين، حيث تُستخدم للإشارة إلى قدرة المتعلمين على التحكم في تعلمهم. (Holec, 1981). تشير هذه القدرة إلى العديد من الخصائص الموجودة في “متعلم اللغة الجيد”. من غير المحتمل أن يتحكم المتعلمون ، على سبيل المثال، في القرارات المتعلقة بما يجب عليهم تعلمه أو كيفية ذلك، ما لم يكن لديهم الحوافز للقيام بذلك، وما لم يكونوا مبادرين في تعلمهم. وهذا أيضًا يجعل تنفيذ طرق التدريس لتطوير استقلالية المتعلم صعباً، وللأسباب نفسها يصعب تحديد الآثار العملية للدراسات حول متعلمي اللغة الجيدين.
ولكن بالإضافة إلى جانب التعلم ، تتضمن الاستقلالية (أو الذاتية) أيضا عنصرا سياسيا أكثر، فيما يتعلق بفكرة حرية الاختيار الفردية. وعند تطبقيها على التعليم ، لا يستطيع المتعلمون “التحكم” أو اتخاذ خيارات حول تعلمهم ، إلا إذا كانوا أحرارًا في القيام بذلك. وهذا يعني، على المستوى العملي، أن المساوئ الاقتصادية وغيرها من الأضرار لمجموعات معينة من المجتمع الأوسع، والسياسات التعليمية التي تقودها الدولة، والمناهج الدراسية، واستخدام الكتب الدراسية المقررة، تعتبر كلها أمثلة على الطرق التي قد تتم بها إعاقة تطوير الاستقلالية. يستطيع المعلمون الأفراد، أحيانا، التغلب على هذه القيود، ولكنهم في الغالب لا يستطيعون.
هناك مشكلة إضافية تتعلق بمفهوم الاستقلالية، وهي عدم وضوح ما يعنيه بالضبط. فعلى الرغم من وجود قدر كبير من التنظير على مر السنين (انظر Benson, 2007، للاطلاع على نظرة عامة)، يبدو أحيانا كما لو أن الاستقلالية أصبحت مصطلحًا وعائي أو كشكول يشتمل على مفاهيم أخرى مثل الدافع (Ushioda, 1996)، الوعي (van Lier, 1996) والتفاعل (Kohonen, 1992). هذا النقص في الخصوصية قد يقلل من فائدته ويجعل من الصعب تشغيله. هناك دراسات قليلة حاولت قياس أو تقدير الاستقلال الذاتي (لبعض المحاولات ، انظر Lai, 2001 and Vanijdee, 2007)، كما اقترح البعض عدم محاولة ذلك، لأن الاستقلالية تعتبر هدف تعليمي أساسي يكمن وراءه العديد من المهارات الأخرى وبالتالي لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء مكونة ليتم قياسها. وربما نتيجة لذلك ، لا توجد إلا نماذج عملية أو أطر عمل شاملة قليلة يمكن أن توجه المعلمين بشكل منهجي في تنفيذ الاستقلالية في الفصل الدراسي.
لقد شهدت التطورات الحديثة في التعليم ، سواءً كانت امتدادًا للعمل المنجز في مجال الاستقلالية، أو منفصلة عنه، فهماً أكبر لدور الفرد في عملية التعلم، حيث يتفق معظم الباحثين على أن هناك تحولًا كبيرًا يحدث في التعليم الذي أصبح يبتعد عن الفصول الدراسية التي تتمحور حول المعلم ويجه نحو نظام يركز على المتعلم بحيث يكون فيه المتعلم هو المتحكم في محتوى الدرس وعملية التعلم. (Fotos & Browne, 2004, 7)
وقد كان هذا مدفوعا بالعمل المؤثر الذي تم إنجازه في مجال “الفروق الفردية”. يركز هذا العمل، من بين أمور أخرى، على كيفية اختلاف المتعلمين في قدرتهم على معالجة المعلومات وتخزينها واستردادها؛ وكيف يختلفون من حيث العمر والذكاء والمعتقدات حول تعلم اللغة؛ وكيف يختلفون في مناهجهم للتعلم.
ومن المجالات ذات الصلة “أساليب التعلم” (learning styles)، الذي، بناءا على العمل المنجز في علم النفس المعرفي والتعليم العام، يحاول تحديد طرق اختلاف المتعلمين في أفضليات التعلم لديهم. قد يتم استخدام هذه المعلومات من قِبل المعلمين لمطابقة أساليب التدريس مع أساليب التعلم الخاصة بالأفراد، ولضمان دعم مجموعة من أساليب التعلم.
أدى إدراك أن المتعلمين يتعاملون مع مهام التعلم بطرق مختلفة إلى الاهتمام أيضًا بما يقوله المتعلمون أنفسهم حول تعلمهم. إن مجال “أصوات المتعلمين” (Benson & Nunan, 2005) يعتبر مثال على هذا الاهتمام، ويسعى إلى فهم أفضل لدوافع المتعلمين ، وأسباب النجاح ، والتحجر(fossilization) أو التخلي، واختيارات المتعلمين في كيفية تعاملهم مع عملية تعلم اللغة. إن الاهتمام بأصوات المتعلمين يعتبر مثال على المنظور الاجتماعي الثقافي للتعلم. لا يمكن، من علال هذا المنظور، فهم المتعلمين والتعلم إلا بالرجوع إلى سياقهم: “ماهيتم” و “مكانهم” و “كيفيتهم” (Lantolf and Pavlenko, 2001). لقد كان للآراء الاجتماعية والثقافية حول اكتساب اللغة الثانية تأثير كبير على منهجيات تدريس اللغة في السنوات الأخيرة.
ما تشترك فيه كل هذه التطورات والنُهُج هو أنها تفترض أن المتعلمين ليهم، أو أنهم سيطورون القدرة على إدارة القرارات حول محتوى الدروس وعملية التعلم (Fotos & Browne 1997) ، وأنهم قادرين على التصرف وفقًا لمعتقداتهم الفردية، وخبراتهم وأساليب تعلمهم وتفضيلاتهم. لكن من الناحية العملية، ليس هذا هو الحال بالضرورة. لأن الطلاب يحتاجون إلى قدر كبير من التحضير والدعم قبل أن يكونوا مرتاحين وقادرين على تحمل مسؤولية أكبر في تعلمهم. فعلى سبيل المثال ، وجد ريندرز وكوتيرال (Reinders & Cotterall, 2000) من خلال تحليل العوامل أن أهم عامل محدد للنجاح في مركز الوصول الذاتي (self-access centre) هو درجة التحضير التي تلقاها الطلاب. كما أن توفير المواد للدراسة الذاتية ليس كافيًا. تبين الدراسات السابقة (على سبيل المثال ، Jones, 1993; Reinders & Lewis, 2006) أن مثل هذه المواد تفتقر في كثير من الأحيان إلى هياكل الدعم الضرورية، كالتعليمات الواضحة أو حتى مفاتيح الإجابة، وهي لا تشجع الطلاب صراحة على التفكير والتأمل في عملية التعلم. وكما يؤكد هيرد (Hurd, 1998, 72-73) على أهمية التحضير فإنه إن لم يتم تدريب المتعلمين على الاستقلالية ، فلن يؤدي أي قدر من إحاطتهم بالموارد إلى تعزيز القدرة على المشاركة النشطة والاختيار الواعي، على الرغم من أن ذلك قد يبدو وكأنه يلعب دورا.
حتى عندما يتم اختيار المواد بعناية ويتم تقديمها كجزء من منهج أكثر شمولاً وتنظيماً لتطوير الاستقلالية ، فقد تكون النتائج مخيبة للآمال. على سبيل المثال ، وجد ريندرز (Reinders, 2007) أن الطلاب الذين تم منحهم حق الوصول إلى نظام الوصول الذاتي عبر الإنترنت، والذي تضمن مجموعة متنوعة من الأدوات (مثل تحليلات الاحتياجات وخطط التعلم) وهياكل الدعم (مثل التعليمات الإرشادية والتذكيرات والمثيرات الآلية)، قد استخدموا النظام بطرق محدودة، وغالبا ما يستخدمون خيارات قليلة من المواد، وبدون تخطيط ومراقبة ومراجعة ملائمة.
من الواضح أن هناك عمل مهم لمدرس الفصل في زيادة وعي الطلاب بتعلمهم خارج الفصل الدراسي، وفي ضمان حصول الطلاب على المهارات اللازمة. وهذا هو محور بقية هذه الورقة.
نحو طرق تدريس للاستقلالية
على الرغم من التحرك العام نحو زيادة التركيز على المتعلم في التعليم، والاهتمام باستقلالية المتعلم على وجه الخصوص، فإنه ليس من الواضح دائمًا كيف يمكن للمعلمين الأفراد تطبيق المبادئ الأساسية. وخاصة فيما يتعلق باستقلالية المتعلم ، فكما رأينا أعلاه، هناك ربكة في المصطلحات، وقد لا تكون المواد والأدوات الموجودة كافية لضمان تطوير الطلاب للمعرفة والمهارات اللازمة. واستجابة لذلك، تم تبني عدة نهج لتعزيز الاستقلالية (أو الذاتية). سنقوم بتقسيمها فيما يلي إلى مناهج متخصصة وعامة.
المناهج المتخصصة
يشمل ذلك جميع البرامج المدروسة والهياكل الداعمة التي لا تشكل جزءًا من (على الرغم من أنها قد تكون مرتبطة) التدريس الاعتيادي في الفصول الدراسية، والتي يكون كأحد أهدافها الأساسية تطوير الاستقلالية. يلخص الجدول 1 أكثر هذه المناهج شيوعًا، والتي قد يكون العديد منها معروفًا لدى معظم القراء، ويتضمن إشارات إلى بعض النصوص الرئيسية لمزيد من التفاصيل.
جدول 1: النهج المتخصصة لتشجيع الاستقلالية
النهج | يتضمن | المراجع |
تدريب المتعلمين | دورات محصصة أو قصيرة يكون التركيز فيها على تطوير مهارات التعلم المستقل وزيادة وعي الطلاب بأهمية التعلم خارج الفصل الدراسي. عادة ما تشمل مثل هذه الدورات التدريب على الاستراتيجيات وغالبا ما تتضمن مهارات الدراسة العامة، وليس مهارات تعلم اللغة فقط. | Rubin & Thompson, 1994 |
تعليم الاستراتيجيات | غالبا ما تُقدم كجزء من التدريس الاعتيادي في الفصل، وأحيانا تُقدم كفصول خاصة أو قصيرة حول استراتيجيات تعلم اللغة. | Macaro, 2001; Oxford, 1990 |
الوصول الذاتي | غالبا ما يعتبر أكثر طريقة شائعة لتطبيق الاستقلالية. إن توفير مركز للوصول الذاتي أو توفير مواد وصول ذاتي على الإنترنت يتضمن توفير موارد للتعلم الذاتي وهيئة دعم. وأحيانا يتم دمج تعلم الوصول الذاتي مع الفصل الدراسي، حيث يعمل المعلم مع الطلاب في المركز، وأحيانا يُستخدم الوصول الذاتي خارج أوقات الفصل لأجل أغراض تصحيحية أو للتمرين والممارسة، سواءا بوجود المعلم أو بدونه. | Gardner & Miller, 1999 |
النصح والاستشارة اللغوية | نوع من الدعم اللغوي الذي يلتقي فيه المعلم والمتعلم لمناقشة حاجات المتعلم وتقدمه، حيث يقدم المعلم النصح، ويقترح المواد التعليمية، ويساعد المتعلم في تخطيط تعلمه. | Mozzon-McPherson & Vismans, 2001 |
أدوات محددة | طورت الكثير من المؤسسات أو ربطت (بالإنترنت أو مطبوعات) أدوات لإدارة عملية تعلم اللغة، والتي غالبا ما تهدف صراحة إلى تشجيع استقلالية المتعلم. تشمل الأمثلة حقائب الأوراق (الإلكترونية) كتلك التي طورها الاتحاد الأوروبي، وبرامج التعلم الترادفية (tandem learning programs) وبيئات التعلم الشخصي التي تهدف إلى التسهيل وخلق روابط بين التعلم الرسمي وغير الرسمي. كما طور البعض بيئات التعلم على الإنترنت التي توفر مواد للدراسة الذاتية، ونصائح للتعلم المستقل، وفرص لتواصل هيئة التدريس والطلاب. | Portfolios: Ekbatani & Pierson, 2000 Online learning environments: White, 2003 Tandem learning: Schwienhorst, 2007 |
النهج العامة
تعنى هذه الورقة بشكل أساسي بالتشغيل العملي لاستقلالية المتعلم وتطبيقه في فصل اللغة. ولهذا السبب يقتصر النقاش أدناه على حالات تدريس اللغة العامة وينظر في الطرق التي يمكن للمدرسين من خلالها تشجيع الاستقلالية في الفصل الدراسي. إحدى الطرق الواضحة للقيام بذلك هي إقامة روابط مع الطرق المتخصصة التي ربما تم تطبيقها داخل المدرسة. على سبيل المثال، عندما توفر مركز للوصول الذاتي، يمكن للمعلمين نقل الطلاب إلى المركز في أوقات معينة لتشجيع الدراسة الذاتية (الموجهة). ومع ذلك ، هنا تترك المناهج المتخصصة جانبا (ستعطي المراجع المذكورة أعلاه توجيهات عملية)، والتركيز بدلا من ذلك على الجوانب التربوية للاستقلالية التي يمكن للمدرسين تنفيذها كجزء من تدريسهم.
من المهم أن نشير هنا إلى أن الجوانب السياسية والفلسفية للاستقلالية لا يتم النظر فيها بشكل فعال في هذا الإطار (بصرف النظر عن التركيز المتكرر على التأمل – انظر أدناه)، ليس لأنها لا تعتبر مهمة (فهي حاسمة)، ولكن لأن مناخ من الحرية النسبية لكل من المعلمين والمتعلمين مفترض لكي يتم تنفيذ الإطار أدناه. وبالطبع فإن هذا ليس هو الحال في جميع المؤسسات والفصول الدراسية، ولكن مناقشة هذا الجانب من تطبيق الاستقلالية تأخذنا بعيدا جدا عن الأهداف الرئيسية لهذه الورقة. ولذلك فإننا نحيل القارئ إلى بنسون (Benson, 2000).
وكما ذكرنا أعلاه، من الصعب تفعيل استقلالية المتعلم. ومع ذلك، ليس من الصعب تشغيل التعلم المستقل؛ لأنه ليس من المستحيل، على سبيل المثال، التعرف على التعلم الذي يبدأه المتعلم، أو تحديد متى يراقب المتعلم نفسه.
ولهذا السبب ، يبدأ الإطار أدناه من المتعلم وأفعاله. يمكن تشجيع هذه الأفعال ونمذجتها ومراقبتها من قبل المعلم. وهي عبارة عن تكييف وتوسيع لعمل مالكولم نولز (Malcolm Knowles) الواسع والمؤثر في التعلم الموجه ذاتياً، والذي تم تنفيذه في السبعينيات (Knowles, 1975). على الرغم من أن نولز كتب عن التعليم العام وليس تعلم اللغة، فإن العديد من المبادئ التي حددها تنطبق بالتساوي على تعليم اللغة وتشكل أساسًا للإطار أدناه. تم اتخاذ نهج مماثل من قبل ويني وهادوين (Winne & Hadwin, 1998)، الذين حددا أربع مراحل رئيسية في حالات التعلم الأكاديمية. تتطلب الدراسة الأكاديمية عمومًا قدر كبير نسبيًا من التعلم المستقل والإدارة الذاتية للمتعلم، وبالتالي فهي نقطة انطلاق معقولة لمناقشة المهارات لتطوير استقلالية المتعلم. تشمل المراحل الأربع لوين وهادوين (1) تحديد المهام ؛ (2) التخطيط وتحديد الأهداف؛ (3) تمثيل تكتيكات واستراتيجيات الدراسة؛ و (4) التكيف فوق الادراكي مع الدراسة.
يبني الجدول 2 على هذه المراحل ويتوسع فيها. ويعرض المراحل في شكل موجز. يوضح العمود الأوسط كيف تتم تغطية كل مرحلة بشكل عام في بيئة يوجهها المدرس بالكامل (مثل بعض الفصول الدراسية)، أما العمود الأيسر فيوضح وضع موجه بالكامل من قبل المتعلم. تقع العديد من مواقف التعليم والتعلم في مكان ما بين هذين النقيضين.
جدول 2: مراحل تطوير استقلالية المتعلم
مراحل التعلم | موجهة من قبل المعلم | موجهة من قبل المتعلم |
تحديد الاحتياجات | اختبارات التموضع، وردود المعلم | المتعلم يجد صعوبات في استخدام اللغة |
وضع الأهداف | محددة بالدورة، ثابتة نسبيا | محددة بالسياق، مرنة نسبيا |
تخطيط التعلم | محدد من المدرس، مرن نوعا ما | محدد بالسياق، مرن جدا |
اختيار الموارد | يوفرها المعلم | يختارها المتعلم ذاتيا |
اختيار استراتيجيات التعلم | تعليمات ونماذج المعلم | اختيار ذاتي من المتعلم |
التدريب | تمرينات ونشاطات يوفرها المعلم | التطبيق (استخدام اللغة) والتجريب |
مراقبة ورصد التقدم المحرز | تغذية ارتجاعية منتظمة في الفصل وتعليقات حول الواجبات والمهام | الرقابة الذاتية وتغذية ارتجاعية من الأقران |
التقييم والمراجعة | الاختبارات، وتغيير مفردات المنهج | التقييم الذاتي، التفكر والتأمل |
وسأناقش الآن كل مرحلة من هذه المراحل، مع إيلاء اهتمام خاص بكيفية تنفيذها في الفصول الدراسية.
تحديد الاحتياجات
من المثير للدهشة أن المتعلمين ليس لديهم في الغالب فكرة واضحة عن احتياجاتهم اللغوية، والتناقضات الموجودة بين ما يعتقد الطلاب أنهم يحتاجون إليه وبين مكان ضعفهم الفعلي. ومما يثير القلق على نحو مماثل، هو أن العديد من المتعلمين ليس لديهم أدنى فكرة عن احتياجات التعلم الخاصة بهم (Barcelos, 2008). وبعبارة أخرى، لديهم معرفة قليلة بنقاط قوتهم وضعفهم كمتعلمين للغة. قد يعرفون، على سبيل المثال، أنهم بحاجة إلى تحسين مهاراتهم في الكتابة، لكن قد لا يعرفون أنهم فقراء في التعلم من الآخرين ومعهم، وهذه مهارة تعلم ستؤثر على نجاحهم في الكتابة.
في العديد من الفصول الدراسية، يتم إعطاء الدرجات للمتدربين التي تشير إلى مستوياتهم العامة ببساطة، ولكنها لا تعطي دائمًا ملامح فردية لنقاط قوتهم وضعفهم، بما في ذلك احتياجات التعلم الخاصة بهم. والأهم من ذلك، أن الاحتياجات الفردية للمتعلمين لا تؤدي في الغالب إلى تنوير الفصول الدراسية مباشرة، وقد يُغفر للمتعلمين تساؤلهم عن العلاقة بين تعلمهم وتدريس معلمهم.
البديل هو إجراء عملية تحليل شاملة للاحتياجات كنقطة محورية للفصل في الأسابيع الأولى من الدورة وتشجيع الطلاب على مشاركة اكتشافاتهم مع الآخرين. كما يجب ربط أنشطة الفصول الدراسية اللاحقة بشكل واضح مع الاحتياجات المحددة ويطلب من الطلاب التفكر والتأمل في نجاحهم في إكمال أنشطة الفصل فيما يتعلق باحتياجاتهم.
يجب تسجيل احتياجات اللغة والتعلم (ربما في يوميات تعلم أو ملف) ومراجعتها بانتظام. وبما أن تحليل الاحتياجات هو نقطة البداية لعملية ديناميكية، فيجب تكرارها على فترات منتظمة. بهذه الطريقة، يدرك الطلاب أهمية مواءمة عملهم مع احتياجاتهم على أساس مستمر.
وضع الأهداف
وكما يساعد تحليل احتياجات الطلاب على اتخاذ الخطوة الأولى في فهم نقاط قوتهم وضعفهم، فإن وضع الأهداف يساعدهم على أن يكونوا محددين بشأن النتائج التي يهدفون إليها. وكما يقول نونان (Nunan, 1999:145) فإن “المتعلّمون الذين وصلوا إلى نقطة يستطيعون فيها تحديد أهدافهم وخلق فرص التعلّم الخاصة بهم قد أصبحوا مستقلين بوضوح”.
ومع ذلك ، فإن معظم الدورات التقليدية تعتبر إملائية جدًا فيما يتوقع من المتعلمين تعلمه. قد لا يكون من الممكن أو المرغوب فيه أن يتجاهل المعلمون المناهج الموجودة ونتائج التعلم المطلوبة (مثل، على سبيل المثال، في حالة الامتحانات النهائية)، ولكن يجب تشجيع المتعلمين على رؤية الدورة كعنصر واحد في تحقيق أهدافهم الخاصة، والبحث عن الدعم الإضافي أو فرص للممارسة، إذا لزم الأمر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحديد أهداف واضحة يسمح للمتعلمين بالتركيز على جوانب الفصل التي تلائمهم أكثر.
وعلى المدى الطويل قد يكون من الممكن للمدرسين تشجيع المدرسة على التحرك نحو درجة من خيارات المتعلم في الدورات. فالفرق الرئيسي بين تطوير المناهج الدراسية التقليدية وتلك التي تركز على المتعلم، أن المنهج في الأخير يعتبر جهد تعاوني بين المعلمين والمتعلمين ، لأن المتعلمين يشاركون عن كثب في عملية صنع القرار فيما يتعلق بمحتوى المنهج وكيف يتم تدريسها (Nunan, 1999, 2).
الطريقة الوحيدة للتحول إلى مركزية المتعلم، إذن ، هي أن يكون لدى الطلاب رأي ما حول ما يتم تدريسه لهم.
تخطيط التعلم
إن تحديد الأهداف وتخطيط التعلم هما وجهين مختلفين لعملة واحدة. ففي حين أن أهداف المرء تساعد في تحديد الوجهة، فإن التخطيط يشبه إيجاد أفضل طريق للوصول إلى تلك الوجهة.
ينطوي التخطيط على وضع خطط عملية وتخصيص الوقت لها. وغالباً ما لا يتم توضيح هذه الخطوة من قبل المعلمين، الذين يميلون إلى توجيه تدريبات الفصول الدراسية في النواحي التالية:
- المحتوى والأنشطة
- ترتيب المحتوى والأنشطة
- الطرق التي يتوقع من المتعلمين المشاركة والتفاعل بها
بعبارة أخرى، تنص معظم الفصول الدراسية على “ماهية” و “زمن” و “كيفية” أفعال المتعلمين. تهدف المناهج المتمحورة حول المتعلم إلى تشجيع (تدريجيا) المتعلمين على اتخاذ هذه القرارات لأنفسهم. وهذا قد يعني إعطاء المتعلمين خيارًات أكثر، على سبيل المثال، ما إذا كانوا سيستخدمون مقالة جدلية نموذجية للقيام بتمرينات بناء التماسك، أو كتابة مقال دحض. وهذا قد يعني تقديم أنواع مختلفة من الأنشطة لنفس المجموعة من المواد أو لنفس المحتوى اللغوي. وقد يعني ذلك أيضًا أن بعض الأنشطة لا يلزم إكمالها بترتيب ثابت.
اختيار الموارد
عادة ما تكون هذه مهمة المعلم، ولكن العديد من المعلمين قد جربوا إشراك المتعلمين في اختيار وإعداد موارد للتعلم (Aston, 1993; Benson, 1994). على سبيل المثال ، طلب دام (Dam, 1995) من الطلاب تحديد المواد الأصلية من خارج المدرسة لاستخدامها في الفصل الدراسي ومركز الوصول الذاتي. يمكن أن تشمل العديد من الأنشطة التي يمكن تصنيفها كمهام (أنظر Ellis, 2000) إنتاج أو مشاركة المواد من قبل المتعلمين.
اختيار استراتيجيات التعلم
إن العديد من المتعلمين يكتفون بترك المعلم يقرر كيفية اكمال الأنشطة، لكنهم سيظلون بحاجة إلى تطوير القدرة على استخدام مجموعة واسعة من الاستراتيجيات واختيار المناسبة منها للمهمة، إن أرادوا تحمل المسؤولية الكاملة عن تعلمهم.
وبصفة عامة، تنقسم الاستراتيجيات إلى استراتيجيات معرفية (مثل طرق حفظ المفردات) ، واستراتيجيات وراء المعرفية (مثل القدرة على التقييم الذاتي)، والاستراتيجيات العاطفية الاجتماعية (مثل القدرة على إيجاد فرص للتحدث باللغة ، أو لتحفيز الذات)، ومن المهم أن يفكر المعلمون في كيفية تغطيتهم كل منها في الفصل من خلال الأمثلة والنمذجة والممارسة (للاطلاع على نظرة عامة حول الاستراتيجيات في تعليم اللغة ، (انظر Cotterall & Reinders, 2004).
تتمثل نقطة البداية الجيدة في مطالبة الطلاب بتحديد استخدامهم الحالي للاستراتيجيات. يعتبر بيان استراتيجيات تعلم اللغة (Oxford, 1990)، أداة جيدة لهذا[1]. ومن خلال استكمال الاستبيان مرة أخرى في وقت لاحق من السنة، يمكن للمتعلمين معرفة ما إذا كانوا قد وسعوا ذخيرتهم منها. من النقاط المهمة ذات الصلة هي إدراك التحسينات التي أدخلها الطلاب على اختيارهم واستخدامهم لاستراتيجيات التعلم، عبر إعطاء تغذية ارتجاعية منتظمة ومنح تقديرات على أساس التقدم في هذا المجال.
التدريب والممارسة
في حالات الفصول الدراسية، يوفر المعلمون فرصًا للممارسة ويقدمون تغذية ارتجاعية وتعليقات متكررة. وبدلا من ذلك، يعطي العديد من المدرسين واجبات منزلية تتكون من تمارين تدريبية. كثير من هذه المواد لا تقدم للطلاب أي خيار في أي جانب من المعرفة الجديدة التي تعلموها سيتدربون عليها. كما أنها لا تمنحهم أي خيار في كيفية استخدام أو تطبيق معرفتهم الجديدة. أحد الجوانب المهمة للاستقلالية هو القدرة على تجربة اللغة، والمخاطرة ( قارن Schwienhorst, 2007). من المهم إذن أن تشجع المواد والأنشطة التدريبية الطلاب على إيجاد طرق لتجاوز حدود البيئة التربوية (الفصول الدراسية، ومركز الوصول الذاتي، والمدرسة) ولتجسيد المعرفة الجديدة في حياتهم. يتمثل التحدي هنا في إيجاد توازن بين منح الطلاب الحرية، والاستمرار في منحهم الدعم. يمكن أن يكون هذا الدعم في شكل مهام منظمة بعناية تتطلب من الطلاب ممارسة اللغة وفقًا لطرقهم الخاصة، ولكن بعد ذلك إدخال تجاربهم مرة أخرى في المهمة نفسها (على سبيل المثال، من خلال البحث على الويب، أو من خلال الوصول إلى قاعدة بيانات نصوص، حيث يحتاج الطلاب للعثور على أمثلة لاستخدام معين للغة). وبهذه الطريقة، يمكن للمواد تأكيد إعادة تدوير اللغة وحدوث العرض والتنقيح المنتظمين، وفي نفس الوقت ترك درجة من الاختيار للطالب.
رصد التقدم المحرز
في بيئة يوجهها المدرس ، كما هو الحال في الدورات الدراسية التي منهج دراسي محدد، يتم قياس التقدم بشكل عام من قبل الآخرين؛ حيث يقوم المعلم بإعطاء تغذية ارتجاعية وربما يكون هناك اختبارات مصغرة منتظمة ومهام. ولتطوير الاستقلالية، سيحتاج المتعلمون إلى تطوير القدرة على مراقبة تقدمهم ومراجعة خطط تعلمهم وفقًا لذلك. وهذا يشمل التفكير في مستويات تحفيزهم والجوانب الاجتماعية الوجدانية الأخرى للتعلم.
تعتبر يوميات التعلم (على سبيل المثال ، في شكل مدونة تعلم) أداة جيدة لتشجيع هذه العملية. يمكن أن تكون هذه المعلومات خاصة أو مشاركتها مع متعلمين آخرين، وإذا كانت على الإنترنت، يمكن للمدرس تقديم ملاحظاته أيضًا. ومع ذلك، يجب تشجيع المتعلمين على تطوير المفردات اللازمة. بشكل عام، فإن انعكاس وتفكّر العديد من المتعلمين يقتصر على قضايا اللغة والتعلم السطحية (أنظر Reinders, 2007). قد يكتب المتعلمون، على سبيل المثال، عن وجود مشكلة في فهم المتحدث الأصلي، دون الخوض في التفاصيل ودون استكشاف الأسباب الكامنة وراء صعوباتهم. قد يكون السبب هو أن المتعلم لم يسمع المتكلم بشكل صحيح، لأنه لم يتعلم التمييز بين “p” و “b”، أو ربما لأنه لم يلاحظ أو يدرك استخدام أداة الربط، على سبيل المثال ، ‘however’. وبالمثل، يميل معظم التفكّر إلى التركيز على المشاكل، ولكن من المهم أيضا تشجيع الطلاب على تسجيل نجاحاتهم، وتحديد أسبابها. قد يكون من المفيد تزويد الطلاب بمذكرات نموذجية أو بتدريبات التأمل في الصف.
التقييم والمراجعة
في حين أن مراقبة تقدم المرء يعتبر مهمة مستمرة تحدث كجزء من كل حلقة تعليمية، عادة ما يكون التقييم أقل تكررا.
كثير من الطلاب ، على نحو مفهوم ، يرغبون في الحصول على شعور بالإنجاز، حيث يمكن أن توفر درجات الاختبار نوعًا من التحقق الخارجي الذي يعتبر مهمًا بالنسبة لهم. إن إنكار هذا كليا قد لا يكون ممكنا أو مرغوبا فيه. ومع ذلك، يجب أن يمنح المتعلمون في الوقت نفسه فرصًا للتقييم البديل، وذلك لتمكينهم من الشعور بالثقة في تعلمهم عندما لا يكون لديهم دعم المؤسسة. يستخدم العديد من المعلمين ملفات أو حافظات لهذا الغرض. لقد طور المجلس الأوروبي حافظة اللغات الأوروبية، وهي متاحة كتحميل مجاني[2]. كما أن أدوات الإنترنت، مثل نينج (Ning)[3] وبينزو (Penzu)[4]، تعتبر أحدث تطبيقات الجيل الثاني للإنترنت (Web 2.0) التي يمكن استخدامها لنفس الغرض. وتشمل الخيارات الأخرى أوراق عمل وأنشطة التقييم الذاتي التي تشجع الطلاب على تطبيق ما تعلموه، على سبيل المثال ، إجراء محادثة مع متحدث أصلي أو قراءة مقالة أكاديمية بدون استخدام قاموس. من المهم ربط التقييم بالعمل السابق للمتعلمين. في بعض الحالات، ترتكب المواد (والمعلمين) خطأ جعل التعلم فرديا ثم يتم استخدام اختبار شامل لتقييم هذا التعلم. يقوم بعض المدرسين بتجربة أشكال بديلة للتقييم، على سبيل المثال، تلك التي تساهم فيها تقييمات الطلاب الخاصة في درجاتهم النهائية (أنظر Pierson & Ekbatani, 2000).
يتمثل أحد الجوانب المهمة في عملية التعلم المستقل في التأمل الذي يدعم جميع المراحل التي نوقشت أعلاه.
يمثل التأمل النهائي الذي يحدث بعد مراقبة تقدم الفرد وتقييم تعلمه مرحلة أساسية، لأنه يربط إنجازات الفرد بالعمل المستقبلي من خلال مراجعة أهداف وخطط المرء. لذلك، ينبغي تشجيع المتعلمين على التفكّر في ما كان جرى على ما يرام في تعلمهم ، وما لم يكن جيدا، ولماذا كان الأمر كذلك، وما هي البدائل الموجودة وكيف تؤثر كل هذه على أهدافهم. بهذه الطريقة، فإن التفكّر هو الذي يربط مكونات التعلم المستقل معًا. إن الانعكاس أو التأمل النهائي يغير عملية التعلم من سلسلة واحدة، إلى دورة تعلم تكون فيها التجارب السابقة هي اللبنات الأساسية للتعلم المستقبلي. وكما يقول ليتل (Little, 2001: 34) فإن ‘السعي إلى الاستقلالية في بيئات التعلم الرسمي يجب أن يتضمن عمليات واعية صريحة؛ وإلا فإننا نترك تطويره للصدفة’.
وبالطبع، فإن التعلم ليس مجرد عملية إدراكية فحسب، بل هو أيضًا عملية اجتماعية بارزة. ينظر الآن إلى التفاعل والتعاون على أنهما حاسمان في تطوير الاستقلالية (van Lier, 1996; Schwienhorst, 2008). لقد قدمت اقتراحات أعلاه لنقاط في عملية التعلم حيث يمكن للطلاب الاستفادة من التفاعل والتعاون في تعلمهم (الموجه ذاتيا). وهذا ينطبق أيضا على الأنشطة التي تنطوي على التفكّر. وعلى الرغم من أننا غالباً ما نفكر في التفكّر كنشاط فردي، إلا أن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها للمتعلمين التواصل مع الآخرين حول تعلمهم ومساعدة بعضهم البعض على أن يصبحوا أكثر إدراكًا لأدوارهم في عملية تعلم اللغة.
وفي هذا الخصوص ، يعتبر الجانب الوجداني للتعلم مهم أيضًا لتحقيق النجاح، لا سيما في التعلم المستقل، حيث يتم استبدال بيئة الفصل الدراسي التقليدية بتعليقاتها المنتظمة والاتصال بالمتعلمين الآخرين، بالنسبة إلى العديد من المتعلمين، بسياق أقل شيوعًا يكون فيه المتعلمين أنفسهم مسؤولين عن المحافظة على مصالحهم ودوافعهم المحفزة. من المرجح أن يتحدى التعلم المستقل معتقدات الطلاب حول ما ينطوي عليه تعلم اللغة، وقد يؤدي إلى الإحباط. لذلك فإن الدافع (الذاتي)، كمصطلح شامل يغطي الجانب الوجداني للتعلم، يعتبر دعامة أساسية للنموذج المعروض أدناه. يعرف المعلمون أن المتعلمين بحاجة إلى دعم عاطفي، لكنهم لا يطبقون عادة التقنيات النموذجية للتحفيز الذاتي، والتقنيات التعاونية للمتعلمين ليعتمدوا على بعضهم البعض من أجل الدعم خارج الفصل الدراسي.
ويوضح الشكل 1 هذه الطبيعة الدورية لعملية التعلم المستقل[5]، حيث يوفر الانعكاس (التفكّر) والدوافع والتفاعل الدعم المعرفي والعاطفي والاجتماعي.

شكل 3: الطبيعة الدورية لعملية التعلم المستقل
تنفيذ الإطار
إن تطوير الاستقلالية عملية طويلة، وبالتالي فإن التنفيذ الناجح للإطار الموصوف أعلاه يعتمد، إلى حد كبير، على اصرار المعلم.
ليس من الواقعي أن نتوقع من الطلاب تحمل مسؤولية تعلمهم من يوم واحد، أو حتى شهر، إلى التالي. إن الاستقلالية تتطور تدريجياً لأنها مجموعة ذهنية تستدعي مهارات معينة، وليس العكس. يحتاج الجو العام للفصول الدراسية إلى تقدير وتشجيع التفكّر وآراء الطلاب وأدوارهم في عملية التعلم.
في العديد من الحالات، يذكر المعلمون أن الطلاب غير راغبين في القيام بدور أكثر نشاطًا (Brown, Smith & Usioda, 2007; Hiemstra & Brockett, 1994; Huang, 2006; Tsang,1999) وقد تُخيّب آمالهم لأن جهودهم لم تنجح . ومع ذلك، فقد تكون تجربة طلب توجيه تعلمهم جديدة تمامًا على الطلاب. لقد تفاجأ الطلاب عندما سألتهم كيف يعتقدون أنه بإمكاننا التعامل مع مهمة تعليمية معينة بشكل أفضل. فهم لم يفكروا أبدًا في هذا السؤال. ونتيجة لذلك، قد ينتقد بعض المتعلمين المعلم لعدم قيامه بعمله. لذلك، من الضروري للمعلم البدء بمبرر منطقي واضح لأي تغييرات في فصول اللغة، والتحدث إلى الطلاب حول ما يهدف إلى القيام به ولماذا، أو ربما دعوة طلاب الدراسات العليا للتحدث عن أهمية التعلم المستقل بعد الدورة التدريبية (على سبيل المثال، طلب مساعدة طلاب الماجستير والدكتوراه للتحدث إلى الطلاب الجامعيين حول المهارات التي يحتاجون إليها في دراستهم).
طور كوتيرال (Cotterall, 1995) أداة تهدف إلى قياس استعداد الطلاب للاستقلالية. كما طور صوان (Sawani, 2017) أداة أخرى لقياس مدى استقلالية الطلاب. قد تكون هذه نقطة بداية لتحديد حجم الإعداد الذي سيحتاج إليه الطلاب.
بالإضافة إلى إعطاء الطلاب الأساس المنطقي، ينبغي على المدرس البدء ببطء من خلال تخصيص بعض وقت أحيانا للتفكّر، أو من خلال تقديم نموذج لإحدى المهارات في إطار العمل. وبمجرد أن يشعر الطلاب بالارتياح إزاء هذه التغييرات عما يعتبرونه تعليمًا عاديًا في الفصل الدراسي، يمكن للمعلم الانتقال تدريجيًا نحو تنفيذ إطار العمل بأكمله، وربما يكون في البداية على هيئة مشروع.
بالإضافة إلى ذلك، سيحتاج الطلاب إلى الدعم أثناء اكتساب هذه المهارات. ينبغي أن يُطلب منهم العمل معًا في فرق أو أزواج وتقديم تعليقات منتظمة حول خطط تعلمهم أو الموارد التي اختاروها. يحتاج الطلاب إلى معرفة أن المعلم موجود هناك لإرشادهم عند الحاجة، وسوف يحتاجون إلى أن يكونوا محفّزين للاستمرار في ما قد يكون عملية جديدة ومحبطة في بعض الأحيان (Dickinson 1995: 168). من المهم ربط عمل الطلاب الذين يقومون به بأنفسهم بما يحدث في بقية الفصل. يمكن تكوين هذا الربط عن طريق مطالبة الطلاب بالتحدث حول تجاربهم، سواء علنا أو عن طريق مشاركة مذكرات التعلم مع المدرس. يجب تشجيع الطلاب على التحدث عما نجح معهم وما لم ينجح، ومساعدتهم على تحديد أسباب ذلك. كما ينبغي مشاركة قصص النجاح مع الطلاب الآخرين. بعبارة أخرى، لا ينبغي أن يكون تنفيذ الاستقلالية حالة اغرق أو اسبح، بل اختبارًا تدريجيًا للمياه بوجود منقذ في الجوار، قبل الغوص فعليًا.
أحد الأمثلة على عملية “التثاقف” هذه ، والذي يعتبر في جوهره شكل جديد من التعلم للعديد من الطلاب، هو تطوير “برنامج دراسة ذاتية موجّهة” لطلاب الجامعة الذين تم تشخيص حالتهم بأنها “سيئة” بسبب قلة التحصيل الدراسي أكاديمياً كنتيجة لسوء الإتقان اللغوي (الأكاديمي). وحتما فإن العديد من هؤلاء الطلاب لن يكون لديهم وقت في برامجهم، ولذلك من المهم منحهم فرصًا مرنة للوصول إلى موارد التعلم والدعم. ولذلك يمكن أن تنشأ الجامعة مركزًا للوصول الذاتي يمكن للطلاب زيارته وقتما يريدون وحيث يمكنهم العثور على مواد للدراسة الذاتية، ولكن ربما الأهم من ذلك أيضًا أن يلتقوا بـمستشار لغة مخصص ليساعدهم في التخطيط لتعلمهم وليقدم لهم ملاحظات حول تقدمهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير بيئة تعلم عبر الإنترنت، وفقا للنموذج المبين أعلاه. يجب أن يشجع البرنامج الطلاب على تخطيط تعلمهم، ويساعدهم في اختيار الموارد، واقتراح الاستراتيجيات المناسبة، وتسهيل الممارسة، وعند اكماله يشجع الطلاب على مراقبة تقدمهم وإعادة النظر في أهدافهم وطرق تعلمهم. كما ينبغي أن يذكّر الطلاب عند اتخاذ كل قرار بالتفكّر في خياراتهم، ونجاحهم والصعوبات التي يواجهونها، ويشجعهم على التفاعل المنتظم مع معلمي اللغة (انظر وصف Reinders 2006).
ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أن النصائح والاقتراحات الواردة أعلاه لا تغطي القصة بأكملها. وكما ذكرنا في البداية، فهي لا تتناول صراحة الجانب السياسي للاستقلالية. قد يجد بعض المدرسين صعوبة في تنفيذ الإطار لأن مؤسساتهم لا تسمح بالكثير من الحرية في المناهج الدراسية.
ومع ذلك، قد يكون من الممكن اختيار جزء أو أكثر من الإطار كنقطة بداية. كما أن استقلالية المتعلم لا تتعلق فقط بتطوير مجموعة من المهارات، ولكنها تتعلق بتطوير عقلية معينة ترى أن التعلم عملية اكتشاف نشطة. بالنسبة للمعلمين، فإن نقطة البداية هي البدء بتشجيع التفكّر (الجماعي) في ماهية آراء المعلمين حول العناصر الأساسية لعملية التعلم. من خلال القيام بذلك، يمكن إظهار وجهات نظر المعلمين المتعمقة في التعلم، ويمكن استخدامها كنقطة انطلاق لمناقشة أهمية (الطلب من الطلاب التعامل مع) العناصر المختلفة للنموذج المذكور أعلاه وتوليد الأفكار حول كيفية تنفيذه.
على الرغم من أن تنفيذ الإطار المقترح أعلاه لن يضمن للطلاب تطوير الاستقلالية، إلا أن الأنشطة تنطوي على تحويل التركيز من المعلم إلى المتعلم. إن معرفة الطلاب أنهم مقدرين كأفراد ويتم دعمهم في تعلمهم سيعني احتمالاً أكثر بأنهم سيطورون هذه العقلية، وبمعرفة المعلمين ذلك، من المرجح أن يأخذوا بعين الاعتبار أهمية ملكية الطالب لعملية التعلم.
[1] هناك نسخة مترجمة ومعدلة متاحة على موقع عالم أكاديميا على:
http://academiworld.org/wp-content/uploads/2019/01/SILL.docx
[2] www.coe.int/portfolio
[3] www.ning.com
[4] https://penzu.com
[5] تم ترجمة هذا الشكل وتعديله من:
Reinders, H. (2010). Towards a Classroom Pedagogy for Learner Autonomy: A Framework of Independent Language Learning Skills. Australian Journal of Teacher Education, 35(5). p. 5. http://dx.doi.org/10.14221/ajte.2010v35n5.4