تخطى إلى المحتوى

استقلالية المتعلم: من النظرية إلى التطبيق في السياق الليبي

1. مقدمة

سنناقش في هذا القسم بعض الأفكار الرئيسية في مجال استقلالية المتعلم، وسنتطرق إلى امكانية تطبيقها في سياق تعلم اللغة الانجليزية كلغة أجنبية في ليبيا. وبعد توضيح ما المقصود باستقلالية المتعلم (التعلم التلقائي) والمستويات المختلفة للتحكم التي ينطوي عليها التعلم التلقائي، سنستعرض الأسباب التي تدعو إلى تشجيع الاستقلالية محاولين التركيز إلى ذلك سنقوم باستعراض بعض الممارسات العملية التي يمكن تطبيقها في مجال تعلم اللغة الانجليزية كلغة أجنبية في ليبيا. وفي النهاية سنلخص أهم النقاط التي سيتم مناقشتها.

2. ماهية استقلالية المتعلم

هناك عدة تعريفات لاستقلالية المتعلم، ولكن على الأرجح أن أكثر تعريف يتم الاشارة إليه عادة هو تعريف هنري هوليك (Henri Holec) الذي أعاد بناء فكرة دور المتعلمين في العملية التعليمية. فبالإضافة إلى تعريف استقلالية المتعلم على أنه قدرة المتعلم على تحمل مسؤولية تعليمه (Holec, 1981: 3)، أوضح هوليك (Holec, 1981: 3) أن المتعلمين المستقلين لديهم القدرة على اتخاذ قرارات تتعلق بتعليمهم، تمتد من تحديد أهدافهم إلى تحديد المحتوى واختيار الطرق، ومراقبة وتقييم ما تم تعلّمه.
لقد كانت هدف هوليك تشجيع نوع من الاستقلالية التي لا تهتم فقط بالتعليم، ولكن بالمنهج التلقائي الذي ينطوي على فوائد للمجتمع وتراكيبه على المدى البعيد، وهو ما أكد عليه بنسون (Benson, 2001) و ليتل (Little, 1991:7).
هذا يعني أن الاستقلالية قد تساعد المتعلمين في أن يكونوا أعضاء مسؤولين ومنتقدين أكثر للمجتمعات التي يعيشون فيها (Benson, 2001: 1). وبمعنى آخر حتى يصبحوا أعضاء فاعلين تماما في المجتمع لكي يُحدثوا التغييرات داخل المجتمع، والأنظمة التعليمية وتعلم اللغات (Benson, 2001: 19).

على الرغم من أن العملية التعليمية التي أعاد بناءها هوليك تغطي كل المجالات التي تنطوي على نقل التحكم في التعليم من المعلم إلى المتعلم، إلا أن باحثين آخرين مثل بنسون (2001: 49) لا يتفقون معه، حيث يجادلون بأن وصف هوليك لاستقلالية المتعلم لا يأخذ في الاعتبار طبيعة القدرات المعرفية الكامنة وراء التنظيم الذاتي الفعال للتعليم. لقد أدرك ليتل (Little, 1991: 3-4) نقطة الضعف هذه في تعريف هوليك وجادل بأن:

“الاستقلالية هي قدرة على الانفصال، والتأمل النقدي، واتخاذ القرارات، والفعل المستقل. وهي تفترض مسبقا، وتتضمن أيضا أن المتعلم سيطور نوع خاص من العلاقة النفسية بعملية تعليمه ومحتواه. إن القدرة على الاستقلالية ستبرز في الطريقة التي يعلّم بها المتعلّم، وفي الطريقة التي ينقل بها ما تعلّمه إلى سياقات أوسع”.
لهذا السبب يفضل بنسون (Benson, 2001) تعريف ليتل ويجادل بأن هذا التعريف يضيف جانب نفسي أساسي للتعريف لتعريف هوليك لأنه يصف الاستقلالية بأنها تحكم في العمليات الادراكية التي ينطوي عليها التنظيم الذاتي الفعال للتعليم (Benson, 2001:49). ومع ذلك، يقول بنسون أن تعريفي هوليك وليتل للاستقلالية يقللان من قيمة حقيقة أن التعلّم التلقائي يفترض مسبقا حرية المتعلم في تحديد محتوى التعليم (المرجع السابق).

على الرغم من أن اقتراح عدة تعريفات لاستقلالية المتعلم، فإن هناك خلط واختلاف حول ماهية الاستقلالية، بالاضافة إلى سوء الفهم الذي لا يزام موجودا لهذا المجال من علم اللغة التطبيقي. لقد قاد هذا ليتل (Little, 1991) إلى تلخيص الخصائص التي لا يمكن عزوها إلى الاستقلالية. فقد أكد ليتل (Little, 1991: 3) على أن الاستقلالية ليست مرادفا للتعليم الذاتي (self-instruction) الذي يتضمن خطأ أن الاستقلالية تتطلب تسليم المدرسين كامل العملية التعليمية في الفصل إلى المتعلمين، وبالتالي الاستغناء عن المعلمين وجعلهم زائدين عن الحاجة. كما أوضح ليتل (المرجع السابق) أيضا حقيقة أن الاستقلالية ليست طريقة تدريس يمكن تبنيها عبر سلسة من خطط الدروس. وفي النهاية يلح ليتل على أن الاستقلالية ليست سلوك واحد يمكن وصفه أو حالة ثابتة يصل إليها المتعلمين.
يضيف بنسون (Benson, 2001: 49) مكون أساسي آخر للتعلم التلقائي يسمح للمتعلمين بالتحكم في تعليمهم من خلال اعطائهم الفرصة لتحديد محتوى، وأهداف، وأغراض تعليمهم. ويجادل بنسون (المرجع السابق) أيضا بأن استقلالية المتعلم لديها عنصر اجتماعي قد يتطلب التحكم في المواقف التعليمية ويدعو إلى قدرات معينة تتعلق بقدرة المتعلم على التفاعل مع الآخرين في العملية التعليمية. على الرغم من أن استقلالية المتعلم تعطي المتعلمين درجة كبيرة من الحرية، فإن العنصر الاجتماعي للاستقلالية يقيد هذه الحرية بدرجة معينة، ولكن كما يجادل ليتل (Little, 1991: 5) بسبب كوننا كائنات اجتماعية، سيكون استقلالنا دائما متوازن بالاعتماد، لأن حالتنا الأساسية هي الاعتماد المتبادل.

ربما يكون أفضل تلخيص لهذه التعريفات والذي نتفق معه هو تعريف بنسون (Benson, 2001: 47) الذي يصف استقلالية المتعلم بأنها قدرة متعددة الأبعاد يمكنها أن تأخذ أشكال مختلفة لأفراد مختلفين، بل وحتى لنفس الشخص في سياقات مختلفة أو أوقات مختلفة.

3. الاستقلالية والتحكم في العملية التعليمية

وفقا لبنسون (Benson, 2001: 75) فإن الاستقلالية تفترض جاهزية  المتعلمين مسبقا للتحكم بتعليمهم، مما يعني أنهم يبدؤون تعليمهم وينظمونه، ويحددون أولوياتهم وأجنداتهم، ويحاولون التحكم بالعوامل النفسية التي تؤثر على تعليمهم. ولكي يكونوا مستقلين، يجب على المتعلمين التحكم في تعليمهم بطريقة منهجية، ومن مسؤولية المعلم تشجيعهم، ودعمهم ومساعدتهم في القيام بذلك. إذا اعتبرنا الاستقلالية هدفا لتعليم اللغة، فينبغي على المعلمين والمؤسسات التعليمية بذل الجهد المطلوب لتشجيعه الاستقلالية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تبني ممارسات تشجع وتمكّن المتعلمين من التحكم بكل جوانب تعليمهم، وهذا بدوره سيساعدهم على أن يصبحوا متعلمين أفضل للغة (المرجع السابق، ص109).

يجادل بنسون (المرجع السابق ص 47) بأن التحكم في التعلّم يأخذ أشكال مختلفة في مستويات مختلفة من العملية التعليمية. ولكن بنسون (المرجع السابق ص 50) يؤمن بأن أي وصف كافي للاستقلالية في تعلّم اللغة ينبغي على الأقل أن يميز أهمية ثلاثة مستويات يمكن فيها ممارسة التحكم، وهي إدارة التعليم، والعمليات الادراكية، والمحتوى التعليمي. ويضيف أن هذه المستويات تعتمد على بعضها لأن الادارة الفعالة للتعليم تعتمد على التحكم في العمليات الادراكية، كما أن التحكم في العمليات له بالضرورة عواقب على الادارة الذاتية للتعليم (المرجع السابق ص50). ويجادل بنسون أيضا بأن ينبغي أن تتضمن الادارة الذاتية والتحكم في العمليات الادراكية قرارات تتعلق بمحتوى التعليم (المرجع السابق).

3.1 الاستقلالية والتحكم في الادارة التعليمية

يقول بنسون (المرجع السابق ص76) أنه لا يمكن وصف التحكم في الادارة التعليمية من خلال السلوكيات التي يتبناها المتعلمون لكي يديروا تخطيط وتنظيم وتقييم تعليمهم. تعتبر الادارة التعليمية عنصر لا غنى عنه في التعليم الفعال الموجّه ذاتيا، وتعتبر المفتاح إلى تعلّم اللغة الناجح ولتعليم كيفية التعلّم. وبدون شك، فإن المتعلمين عند تعلّمهم لغة ما يحتاجون إلى استراتيجيات معينة لتعلم اللغة لإدارة تعليمهم.

لقد تم تعريف استراتيجيات التعلّم بأشكال مختلفة من قبل باحثين مختلفين. فمثلا، يُعرف تشامون و كوبر (Chamot and Kupper, 1989:13) استراتيجيات التعلّم بأنها أساليب يستخدمها المتعلمين لاستيعاب، وتخزين، وتذكّر المعلومات والمهارات الجديدة. أما أكسفورد وآخرين (Oxford et al, 1989:29) فيعتبرون استراتيجيات تعلّم اللغة على أنها أفعال، وسلوكيات . . . يستخدمها المتعلمين لتحسين التعليم. كما تعتبر أكسفورد (Oxford, 1990:8) استراتيجيات التعلّم بأنها أفعال محددة يقوم بها المتعلم لجعل التعليم أسهل، وأسرع، وممتع أكثر، وموجّه ذاتيا أكثر، ويمكن نقله إلى مواقف تعليمية جديدة. ووفقا لبراون (Brown, 2000: 113) فإن الاستراتيجيات تعتبر طرق محددة للتعامل مع مشكلة أو مهمة، وأمزجة عمل لتحقيق غاية معينة، وتصاميم مخطط لها للتحكم والتلاعب بمعلومات معينة. أما كوهين (Cohen, 1998) فيجادل بأن استراتيجيات التعلّم يتم اختيارها إراديا من قبل المتعلمين.

تُصنف الاستراتيجيات إلى ثلاثة أنواع تشمل الاستراتيجيات ما فوق الادراكية (Metacognitive strategies)، والاستراتيجيات الادراكية (Cognitive strategies)، والاستراتيجيات العاطفية الاجتماعية (Socio-affective strategies). تساعد الاستراتيجيات ما فوق الادراكية المتعلمين على تنظيم عملية تعليمهم (Oxford, 1990:135-136)، فهي تقدم للمتعلمين الطرق لتخطيط، وتنظيم، وتقييم تعليمهم. أما الاستراتيجيات الادراكية فهي محددة بمهام تعليمية معينة، وتتضمن التعامل مع المواد التعليمية في حد ذاتها (Brown, 2000: 124). وتنطوي الاستراتيجيات العاطفية الاجتماعية على تنظيم العواطف، والدوافع والمواقف، كما أنها تّسهّل التعليم أيضا من خلال التفاعل والتعلّم مع الآخرين (Oxford, 1990:135,145).
يقودنا النقاش حول استراتيجيات التعلّم إلى موضوع التدريب الاستراتيجي وأهدافه الذي يوضحه  كوهين (Cohen, 1998: 67) كما يلي:
“التدريب الاستراتيجي، أي تعليم الطلاب بشكل واضح كيفية تطبيق استراتيجيات تعلّم واستخدام اللغة، يمكن أن يعزز جهود الطلاب للوصول إلى أهداف برنامج اللغة لأنه يشجع الطلاب على إيجاد مسارات خاصة بهم للنجاح، وبالتالي فإنه يعزز استقلالية المتعلم والتوجيه الذاتي”.
وتجدر الإشارة إلى أن التدريب الاستراتيجي يمكن أن يتم جنبا إلى جنب مع تدريس اللغة نفسها. وهذا يعني عمليا أن المعلمين ينبغي أن يشملوا عناصر التدريب الاستراتيجي في دروسهم. وبهذه الطريقة، یساعد المعلمون طلابهم علی تحسين مھاراتھم في تعلم کیفیة التعلم وفي تطوير الاستخدام الاستراتيجي الفعال، مما یمکّن المتعلمين من استخدام لغتهم خارج الفصول الدراسية (Nunan, 1991: 181).

الهدف من تدريب المتعلم هو تسهيل تعلم اللغة من خلال تزويد المتعلمين بطائفة واسعة من الاستراتيجيات للاختيار من بينها أثناء التعلم واستخدام اللغة (Cohen, 1998: 65). وهذا يعني أن الكفاءة ستتحسن وسيتم تعزيز الاستقلالية. ويقول بينسون (Benson, 2001: 65) إن المتعلمين الذين يحققون الكفاءة في اللغات الأجنبية يميلون إلى اتخاذ درجة من السيطرة على الاتجاه العام لتعلمهم. لذلك، فإن تدريب المتعلمين على إدارة التعلم الخاص بهم أمر حيوي عند تطبيق استقلالية المتعلم.

3.2 الاستقلالية والتحكم في المحتوى والعمليات الإدراكية

إن التحكم في العمليات الادراكية يتعلق بعمليات عقلية محددة تقدم عرضا موجزا للعوامل النفسية التي تقوم عليها السيطرة على سلوك التعلّم(Benson, 2001:87). يجادل بينسون (المرجع السابق) بأن التحكم في العمليات المعرفية معنية أساسا بثلاثة جوانب: الانتباه، والتفكير، والمعرفة ما وراء الادراكية (انظر الشكل 1)[1].



ويعتبر الانتباه أساسيا لتعلّم اللغة إذا أردنا أن يكون فعال. ويتعين على متعلمين اللغة أن يضطلعوا بالمسؤولية الإدراكية عن المدخلات اللغوية، لأنه كما يجادل توميلا وفيلا (Tomila and Villa, 1994: 184) بأن المتعلم “يُغمر بمدخلات اللغة الثانية الواردة، ومن اليقين أن الانتباه يُستخدم للمساعدة في فرز تلك المدخلات و لجلب النظام إلى الفوضى التي تهدد، وأحيانا تنجح في، سحق المتعلم “. ويجادل بايليستوك (Bialystock, 1994:159-65) أن:

السبب في … زيادة إجادة اللغة، هو أن التمثيل العقلي يتطور. التحليل هو العملية التي يتم من خلالها إعادة ترتيب التمثيلات العقلية التي تم تنظيمها بشكل فضفاض حول المعاني في تمثيلات صريحة يتم تنظيمها حول الهياكل الرسمية. … لأن الإدراك ينشأ في التمثيلات العقلية، فيجب أن يكون هناك وسيلة لتركيز الانتباه على تمثيلات محددة، … ذات صلة بغرض معين. … الوعي هو نتيجة للتفاعل بين التحليل والتحكم. ويمكن أن تحضر التمثيلات التي تم تحليلها نم خلال التحكم في المعالجة بطرق دقيقة. … هذه العملية لتركيز الانتباه على جوانب محددة من التمثيلات تؤدي إلى الشعور الذاتي بالإدراك الذي كان يسمى الوعي” (Bialystock, 1994:159-65؛ استشهد به في بنسون، Benson, 2001:88-9).
ويعتقد أيضا أن التفكير هو أحد المكونات الرئيسية لاستقلالية المتعلم. وبناء على ذلك، يجادل ليتل (Little, 1997) بأنه إذا كانت الاستقلالية ستطبق في التعلم الرسمي، فإن التفكّر، إذن، حتمي في التعلّم المستقل لأن التعلّم الرسمي هو نتيجة الانتباه المتعمد(Little, 1997: 94). ونتيجة لذلك، بالإضافة إلى التفكير في اللغة نفسها، سيكون المتعلمين أيضا قادرين على التفكير في عملية التعلّم وتطوير طريقتهم الخاصة للتعلم من خلال تطبيق نتائج انعكاساتهم الخاصة. ويدعم هذا الرأي حول التفكّر كوهونن (Kohonen, 1992:17) الذي يقول إن الخبرة التي يتم الفكّر فيها بجدية هي فقط الت ستسفر عن قدرتها الكاملة في التعلّم، وأن التفكير يجب أن يّتبع بدوره باختبار الفرضيات من أجل الحصول على خبرة أكثر.
ويعتقد أن التحكم في المحتوى يعتبر أمر أساسي للاستقلالية أيضا. وفيما يتعلق بالتحكم في محتوى التعلّم، يجادل بنسون (Benson, 2001:102) بأنه يتطلب، أكثر من أي جانب آخر من جوانب الاستقلالية، وأن يخلق المعلمين والسلطات التعليمية سياقات ظرفية يتم فيها تشجيع الحرية في التعلّم ومكافأتها. في الفصول الدراسية الليبية  يتم تحديد المحتوى من قبل المعلمين والمناهج الدراسية الوطنية، وبالتالي لا يمكن للمتعلمين ممارسة أي تحكم في المحتوى. ومع ذلك، إذا أردنا تطبيق استقلالية المتعلم ينفذ في السياق الليبي، فينبغي أن يكون لدى المتعلمين رأيهم حول المنهج والكتب المدرسية التي يستخدمونها في الفصول الدراسية اللغوية. ومن أجل تطوير استقلالية المتعلم، يجب أن يتم التفاوض بحيث يمكن تحقيق التوازن بين ما يريد المتعلم دراسته وما تقدمه المؤسسة. وبهذه الطريقة يمكن تعزيز الاستقلالية من خلال الترابط.

4. لماذا نشجع استقلالية المتعلم؟

ترى كوترال (Coteral, 1995:220 ) أنه يجب تعزيز الاستقلالية لتمكين المتعلمين من التعلم حتى عندما لا يكونون قادرين على الحصول على تعليم المعلمين، وأنهم سيتعلمون بشكل أكثر فعالية إذا لم يعتمدوا على مساعدة المعلمين. كما تجادل كوترال (المرجع السابق، ص 222-223) عند مناقشتها دورة تدريبية لاستراتيجيات استقلالية المتعلمين  بأنه لكي نعزز الاستقلالية ينبغي تشجيع الحوار بين المتعلمين والمعلمين حول جميع جوانب تعلم اللغة. كما يجب مناقشة معتقدات المتعلمين حول التعلم وربطها بالمعلومات حول العوامل التي تسهم في نجاح تعلم اللغة. هذا، كما تقول، سيوفر للمتعلمين المفردات اللازمة للحديث عن تجربتهم في تعلم اللغة. وتؤكد كوترال (المرجع السابق، ص 224) بأن الدورة التي تعزز الاستقلالية يجب أن تتضمن مناقشات صريحة للأهداف والمنهجيات والأدوار والتوقعات. وتجادل بأنه بهذه الطريقة سيكون المتعلمين قادرين على التفكير في تطبيق مهام الفصول الدراسية لاحتياجاتهم المستقبلية.

4.1 أسباب تعزيز استقلالية المتعلم في ليبيا

يعتبر ديكنسون (Dickinson, 1995: 171) الاستقلالية عاملا في سلسلة الدوافع والنجاح، ويؤكد أن النجاح في التعلم … يبدو أنه يؤدي إلى المزيد من التحفيز فقط لأولئك الطلاب الذين يقبلون بالمسؤولية عن نجاح تعلّمهم. وهكذا، فإن استقلالية المتعلم تزيد من تحفيز الطلاب مما يؤدي بدوره إلى تعلم أكثر فعالية.

إن المناهج التقليدية التي تركز على المعلمين لا تعطي المتعلمين حقهم في حرية اختيار ما يريدون تعلمه وكيفية تعلمه. ومع ذلك، فإن استقلالية المتعلم تعيد هذه الحرية إلى المتعلمين وتعدّهم للتخلي عن فكرة كونهم يعتمدون على المعلم وأن يكونوا مسؤولين عن تعلّمهم. ونتيجة لذلك، يصبحون متعلمين أكثر كفاءة. أدرك كونفوشيوس[2]أهمية التعلم الذاتي الذي يعني بالنسبة له عملية الاستكشاف المستقل (قرأت، ونسيت؛ رأيت، واعتقدت، لقد فعلت، وفهمت). كما أن الثقافة الليبية تشجع أيضا الاستقلالية، وهذا واضح في المثل العربي الذي يقول إذا كنت تريد القيام بشيء جيدا، فافعل ذلك بنفسك أو ما حك ظهرك مثل ظفرك، فتولى أنت جميع أمرك.

يعاني النظام التعليمي الليبي من نقص في معلمي اللغة الإنجليزية في الوقت الحالي. كما يتم تدريس المتعلمين بشكل جماعي في فصول كبيرة، وهم يعانون من عدم وجود تفاعل باللغة الإنجليزية في الفصول الدراسية. وبالتالي، فإن تعزيز استقلالية المتعلم لا يوفر حلا اقتصاديا لمشكلة نظام التعليم فحسب، بل أيضا وسيلة فعالة للطلاب حتى يعوضوا عن النقص في فرص استخدام اللغة الإنجليزية في الصف. ويعتقد أن استقلالية المتعلم توفر للمتعلمين المزيد من الفرص للتفاعل باللغة الإنجليزية في السياقات الغير أصلية.
ونظرا للفروق الفردية، فإن المتعلمين الليبيين عادة ما يكونون في مستويات مختلفة لا يمكن لأي تدريس رسمي في الفصل الدراسي التماشي معها. ولكن التعلّم الموجه ذاتيا قابل للتكيف، وهو مستقل عن الوقت والموقع والطريقة، حيث يمكن القيام به في المكتبة، في المنزل، في مركز الوصول الذاتي، في الفصول الدراسية، في مختبر الكمبيوتر أو حتى تحت شجرة. كما يمكن للطلاب أيضا اختيار الوقت المناسب بالنسبة لهم للتعلم، وهو قابل للتعديل وفقا لأسلوب تعلم الفرد واستخدامه  للاستراتيجيات. كما أنه يتيح للمتعلمين اختيار المواد وفقا لاحتياجاتهم الخاصة. وفي الواقع، فإنه يعزز الفردية ولكنه لا يستبعد التعلم التعاوني (Gardner and Miller, 1999).
ويمكن القول أنه حالما يطوّر الطلاب نهجهم الذاتي للتعلّم، فيمكن للمرء أن يدعي أنهم اكتسبوا مهارة التعلم مدى الحياة التي سوف تساعدهم بعد تخرجهم.

4.2 بعض الممارسات لتعزيز الاستقلالية في الفصول الدراسية الليبية

يتمحور تعلم اللغة الإنجليزية في ليبيا بالكامل حول المعلم، حيث أن الطلاب عادة ليس لديهم الحق في التحكم  الكامل على تعلّمهم، وبالتالي فهم لا يعرفون كيفية ممارسة هذا التحكم. في مثل هذه الحالة حيث لم يشهد المتعلمين الاستقلالية الذاتية من قبل، فسيكون من المهم إدخال الاستقلالية تدريجيا من خلال بعض إجراءات الفصل العملية. ونقترح هنا أن استقلالية المتعلم يمكن تنفيذها في السياق الليبي من خلال ممارسات الفصل الأولية التالية.

  1. عند الطلب من الطالب كتابة المهام، يجب على المعلم أن يقدم عدة موضوعات يمكن للطالب الاختيار منها موضوع يرغب فيه، كما ينبغي أن يسمح للطلاب بتصميم موضوعاتهم ومناقشتها مع المعلم. ويجوز للمعلم حتى التفاوض على الموعد النهائي لتقديم المهام. وبعد أن يقدم الطلاب مهامهم، يجب على المعلم أن يسأل الطلاب كيف أنجزوها لكي يستخلص ويناقش الاستراتيجيات التي استخدموها أثناء إعداد مهامهم.
  2. یتعین علی المعلم أن يمنح الطلاب الحرية في تحديد الموضوع الذي يرغبون في مناقشته في دروس المحادثة أو أن يقدم لهم علی الأقل عدة مواضيع يمكنهم الاختيار منها.
  3. ينبغي إعطاء الطلاب فرصة في حصص المراجعة لاختيار المجالات التي يشعرون أنهم بحاجة إلى مراجعتها، بالاضافة إلى مراجعة النقاط التي يعتقد المعلم أنه لم يتم فهمها تماما.
  4. ينبغي أن يُسمح للطلاب في فصول القراءة بالاختيار من عدة قطع أو مقالات يوفرها المعلم والطلاب.
  5. ينبغي أن يناقش المعلم أهمية التفكير مع طلابه وأن يطلب منهم التفكير في ما تعلموه (مثل المقالات التي قرأوها أو المهام التي أنجزوها).
  6. يجب على المعلم أن يشجع المتعلمين على إعداد مجلة أو ملصقات للفصل الدراسي وأن يسمح لهم بتحديد محتواها. قد يقترح المعلم هنا بعض المصادر لجمع البيانات منها.
  7. ينبغي علی المعلم مناقشة عناصر الدورة وإعطاء الطلاب الفرصة للمشاركة في عملية تحديد التسلسل الذي سيتم به تدريس المقرر، ولكن بعد توضيح أن بعض الدروس يجب أن تدرس قبل الأخريات.
  8. یتعین علی المعلم أن يسأل الطلاب عن کیفیة القيام بمهامهم لمعرفة استخدامهم للاستراتيجيات ومن ثم مناقشته مع المتعلمين والإشارة إلى الاستراتيجيات الفعالة وفقا للمهمة المعنية.
  9. على المعلم أن يساعد طلابه في تطوير استراتيجيات ما وراء الادراكية لتخطيط وتنظيم وتقييم تعلّمهم.
 وفي الواقع، يعتمد تعزيز استقلالية المتعلم في الفصول الدراسية إلى حد كبير على قدرة المعلمين على مساعدة متعلميهم من خلال إشراكهم في صنع القرار والانضباط الذاتي والمساعدة الذاتية والعمل الجماعي … الخ.

5. الخلاصة

وعلى الرغم من أن الاستقلالية مفيدة للمتعلمين، فإن تعزيزها في البيئات التي تركز على المعلمين مهمة صعبة للغاية بالنسبة للمعلمين لأنها تنطوي على تغيير المعتقدات المسبقة حول عملية التعلم التقليدية. وعلاوة على ذلك، إذا كان المنهج نفسه يفتقر إلى المرونة، فمن المرجح أن درجة الاستقلال الذاتي التي طوّرها المتعلمين ستكون مقيدة في المقابل (Benson, 2001: 162). وعلى الرغم من أن المنهج الليبي غير مرن، نعتقد أن المعلمين يمكنهم تعزيز الاستقلالية من خلال تطبيق ممارسات الفصل المقترحة أعلاه. ونعتقد أيضا أن تدريب المعلمين شرط أساسي لتعزيز الاستقلالية في الفصول الدراسية الليبية، لأنه إذا كان المعلمون مدربين تدريبا جيدا، فسوف يجدون الطرق التي يمكن من خلالها تعزيز استقلالية المتعلم.
References
Benson, P (2001) Teaching and Researching Autonomy in Language Learning. Harlow, England: Pearson Education Limited.

Bialystok, E. (1994) ‘Analysis and control in the development of second language proficiency’. Studies in Second Language Acquisition, 16, pp. 157-168.

Brown, Henry D. (2000) Principles of Language Learning and Teaching. 4thed. London: Longman.

Chamot, A. U.  and Lisa Kupper (1989). ‘Learning Strategies in Foreign Language Instruction’. Foreign Language Annals, 22, No. 1, pp. 13-24.

Cohen, Andrew D. (1998) Strategies in Learning and Using a Second Language. London: Longman.

Cotteral, S (1995). ‘Developing a course strategy for learner autonomy’. ELT Journal, Vol. 49/3, 1995.

Dickinson, L. (1995). ‘Autonomy and motivation: a literature review’. System,23, 2, pp. 165-174.

Gardner, D. and L. Miller (1999) Establishing Self-access: From Theory to Practice. Cambridge: Cambridge UniversityPress.

Holec, H. (1981). Autonomy in Foreign Language Learning. Oxford: Pergamon.
(First published 11979, Council of Europe, Strasbourg.)
http://www.insightquotes.com

Kohonen, V. (1992). ‘Experiential language learning: second language learning as cooperative learner education’. In D. Nunan (1992) (ed.) Collaborative Language Learning and Teaching, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 14 -39.

Little, D. (1991). Learner Autonomy. 1: Definitions, Issues and Problems. Dublin: Authentik,.

Little, D. (1997) ‘Language awareness and the autonomous language learner’. Language Awareness, 6 (2/3), pp. 93-104.

Nunan, D. (1991) Language Teaching Methodology: A textbook for teachers. Hemel Hempstead: Prentice Hall.

Oxford et al (1989). ‘Language Learning Strategies, the Communicative Approach, and their Classroom Implications’. Foreign Language Annals, 22:1, pp. 29-39.

Oxford, R. L. (1990). Language Learning Strategies: What Every Teacher Should Know. Boston: Heinle & Heinle.



[1]تم ترجمة هذا الشكل وتعديله من:
Benson, P (2001) Teaching and Researching Autonomy in Language Learning. Harlow, England: Pearson Education Limited.
[2]http://www.insightquotes.com.
nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
مقدمةإن وصف البحث الكمي عملية سهلة نسبيا لأنه هناك اتفاق…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة