تخطى إلى المحتوى

أهمية الترجمة في العالم العربي

وفقا لبيكر (Baker, 2005: 318)  فإن العرب هم من قام بأول حركة ترجمة منظمة واسعة في التاريخ. بدأت هذه الحركة في حكم الأمويين (661 – 750)ووصلت ذروتها في العصر العباسي (750 – 1258)، وخصوصا أثناء حكم  المأمون (813 – 833)، الذي عرف بعصر الترجمة الذهبي. لقد أسس المأمون في سنة 830 أهم مؤسسة للتعليم العالي في الاسلام، والتي أصبحت  أشهر مركز للترجمة في التاريخ العربي. لقد ضم بيت الحكمة في بغداد الذي كان بمثابة أكاديمية ومكتبة ومكتب ترجمة طاقم متكون من 65 مترجم.

تم تبني طريقتين للترجمة في تلك الفترة ، حيث كانت إحداها مرتبطة بيوحنا ابن البطريق وابن نعيمة الحمصي حرفية جدا وتضمنت ترجمة كل كلمة يونانية بكلمة عربية مكافئة لها، ولكن عند عدم وجود مكافئ، يتم تبني الكلمة الإغريقية. لم تكن هذه الطريقة، كما في الترجمات الحرفية، ناجحة، ولذلك تمت مراجعة الكثير من ترجماتهم لاحقا من قبل حنين ابن اسحاق الذي ارتبطت به الطريقة الثانية للترجمة التي تترجم المعنى بالمعنى.


تخلق هذه الطريقة نصوص مترجمة بليغة توصل معنى النص الأصلي بدون تشويه اللغة الهدف. لقد أعطى ابن اسحاق واتباعه الأولوية لمتطلبات اللغة الهدف وقرائها، وأصر على أهمية امكانية القراءة والوصول للنص واستخدام ما سماه أسلوب واضح ممتع يمكن فهمه من حتى من قبل غير الخبراء(Baker, 2005: 321). المنظر والمؤلف المعروف، الجاحظ ، يعلق في حديثه عن الترجمة والمترجمين مصرا على أنه لا يمكن للمترجم أبدا أن يفي الكاتب الأصلي حقه أو التعبير عنه بإخلاص.
ازدادت في العقود الأخيرة الحاجة إلى ترجمة ونقل الكتب والبحوث والدراسات والمقالات الأكاديمية من اللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى إلى اللغة العربية. كما ازداد الطلب كثيرا في السنوات الأخيرة على الترجمة في العالم العربي، وخصوصا في المجالات النشطة مثل العلاقات الدولية والاقتصاد والعلوم والتقنية.

لذلك تم التأكيد على أهمية الترجمة في نقل التكنولوجيا الغربية والتقدم العلمي إلى العالم العربي، حيث أثبتت الدراسات الحديثة بوضوح أن ثاني أكبر دافع لتعلم لغة أجنبية هو الترجمة. يشعر المفكرين العرب أن هناك نقص حاد في الترجمة من وإلى العربية في جميع المجالات، ويشعرون بحاجة أكبر لترجمة الأدب العربي للإنجليزية واللغات الأخرى. ووفقا لخرما (Kharma, 1983: 222) فقد “تم ترجمة جزء صغير جدا من الموروث العربي إلى اللغات الحديثة، ومن أحد واجباتنا الأساسية أن نبدأ فعل ذلك بانتظام”.
هناك وجهة نظر مقبولة عموما تقول أنه لم يتم تلبية الحاجة لترجمات جيدة في العالم العربي بشكل مُرضي. كما أن الترجمات التي تم انتاجها لا تمثل أنواع الترجمة التي نحتاجها أكثر. لقد تم تلبية الحاجة للترجمة في العالم العربي بالطرق الآتية:

          ‌أ-          الترجمات التي قام بها مترجمون أفراد، أو مترجمين تجاريين، أو مترجمين محلّفين الذين يوفرون ترجمات متنوعة مثل الوثائق والعقود والرسائل التجارية، الخ.
        ‌ب-        الترجمات التي توفرها شركات الترجمة الخاصة التي تخدم معظم الأعمال التجارية وتوفر الترجمات القانونية المطلوبة من قبل المتعاقدين والمحامين، الخ.
         ‌ج-         الترجمات التي قام بها الناشرين الخاصين المهتمين بالترجمة الأدبية والأكاديمية، حيث تختلف جودة الترجمة من ناشر لآخر.
          ‌د-          الترجمات التي قامت بها أقسام الترجمة في وزارات الثقافة والعدل والدفاع الحكومية، وفي أقسام تعليم اللغات الأجنبية في الجامعات والمؤسسات الأخرى مثل الصحف والشركات الخاصة، حيث تحملت هذه كلها العبء الأكبر في ترجمة المواد الأكاديمية الجدية. كما يجب الإشارة للترجمات التي وفرتها مراكز البحث العسكرية المخصصة لترجمة المقالات والكتب العلمية والتقنية. ولذلك فهي صارمة في اختيار المترجمين والمواد التي تتم ترجمتها، كما أن منتوجها من الترجمة يتمتع بجودة عالية جدا.
          ‌ه-          الترجمات التي وفرتها منظمات اقليمية مثل منظمة الجامعة العربية للتربية والعلوم والثقافة وهي أيضا ترجمات ذات جودة عالية.

وبينما يعترف خرما بالحاجة للترجمة في المجالات المختلفة كالمعلومات والتجارة، فهو يؤكد على الحاجة الملحة لأنواع أخرى من الترجمة، كما يتأسف على النقص الحاد في الترجمات التي تتعامل مع المواد الجدية، خصوصا الكتب والمقالات والدراسات الجدية في الدوريات والمجلات. الشيء المؤسف الآخر هو ندرة الترجمات العلمية والتقنية، وفائض الترجمة في مجال الأدبيات والإنسانيات.

يمكن معالجة هذه الحالة بطريقة أفضل من خلال علية التعريب، وفي الحقيقة فإن معظم الدول العربية تكافح من أجل تعريب كل التخصصات في التعليم الجامعي، حيث كانت سوريا سباقة في هذا المجال.
nv-author-image

فرج صوان

استاذ علم اللغة التطبيقي و اللغة الإنجليزية في جامعة طرابلس وعدد من الجامعات الليبية. حصل على الشهادة الجامعية والماجستير من ليبيا، وشهادة في تعليم اللغة الإنجليزية من جامعة سري البريطانية (Surrey)، ودرس برنامج الدكتوراه في جامعة إيسيكس ببريطانيا (Essex). نشر ثمانية كتب والعديد من المقالات والبحوث. مهتم بالملف الليبي والعربي والاسلامي بجميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

نقترح عليكم
حركة الترجمة في الوقت الحاضرلقد وجد العرب أنفسهم في النصف…
Cresta Posts Box by CP
إظهار شريط المشاركة
إخفاء شريط المشاركة